< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الثالثة

قال تعالى: "إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ الَّذينَ هادُوا وَ النَّصارى‌ وَ الصَّابِئينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ[1] وقد ورد ما يقرب من هذه الآية في اللفظ والمعنى في سورة المائدة حيث قال: "إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ الَّذينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ وَ النَّصارى‌ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة69).[2]

ظاهر هاتين الآيتين تبشير للمسلمين واليهود والنصارى والصابئين بالنجاة اذا تم ايمانهم بالمبدئ والمعاد، والمراد منهما أنّ مجرد التسميات، ليست ملاكاً لنجاة الإنسان وما ورد قبلها في سورة المائدة يؤيد هذا المعنى قال تعالى: "قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ حَتَّى تُقيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَيَزيدَنَّ كَثيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرينَ (68)[3] فهذه الآية تفيد النهي عن الاغترار بعنوان الدين سواء في ذالك المسلم او غيره من المنتسبين إلى الأديان.

كذلك ورد في سورة البقرة: "وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‌ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ . بَلى‌ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة111-112) [4] هذه كذلك تشير إلى ان الميزان هو التسليم القلبي لله و الاحسان في العمل ولا يكفي مجرد الانتساب إلى دينٍ من الأديان السماوية.

وقد يطرأ بالبال من مثل هذه الآيات الشريفة انه لا ينحصر الدين المقبول بالشريعة الاسلامية فحسب، بل لكل أحد أن يختار من الأديان ما شاء ويكفيه أن يعبد ربّه و يعمل الصالحات و يؤمن بالقيامة.

ولكن هذه الرؤية مرفوضة لا يمكن الالتزام بها، لأنها تخالف العقل والنقل فلو كان التمسك بالشرائع السابقة مغني عن اللاحقة لما أرسل الله الرسل اللاحقة مضافاً إلى الآيات الآمرة بطاعة الرسول ووجوب الايمان به وبما أنزل الله عليه، فردّاً على هذه الشبهة و المنطق الإباحي الذي لا شك في بطلانه تمسكوا بوجوه في فهم الآية:

منها: أن المراد من قول الله في هذين الآيتين أنه لو عمل اليهود و النصارى و غيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم، لآمنوا بالنّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، لأن بشارات الظهور و علائم النّبي و صفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية. فهناك ملازمة بين التمسك بديانة اليهود او النصارى او الصابئين و الايمان والاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله.

ومنها: ان المراد من اليهود والنصارى وغيرهم هو المتدينين بكل دين في عصره فهذه الآية تجيب على سؤال عرض لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإسلام، يدور حول مصير آبائهم و أجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإسلام، ترى، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم و إيمانهم؟! الآية المذكورة نزلت لتقول إن كل أمّة عملت في عصرها بما جاء به نبيّها من تعاليم السماء و عملت صالحا فإنها ناجية، و لا خوف على أفراد تلك الامّة و لا هم يحزنون.

ومنها: أن نقول ان المراد من الذين آمنوا، هم المنافقون الذين أظهروا الاسلام و أبطنوا الكفر واليهود والنصارى والصابئون كلهم أهل الضلال حتى يؤمنوا بالإسلام ايماناً حقيقياً، فقوله تعالى: "من آمن بالله واليوم الآخر" اي أسلم واعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكل ما جاء به وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات وترك المحرمات، فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ولكن عند ما نتأمل في الآية الشريفة نرى حملها على هذه التأويلات لا يتم الا بالمكابرة والخروج عن ظاهر الآية بتأويلات بعيدة خفية.

والاشكال على الوجه الاول: انه لا تلازم بين العمل بما ورد في كتبهم والايمان بالاسلام خصوصاً بالنسبة إلى العوام منهم، الذين نشؤوا يهودياً او نصرانياً فخروجهم عن نحلتهم ليس أمراً سهلاً ولو كانوا متعبِّدين بكتبهم وملتزمين بتعليماتها. فكثيراً ما ترى من اليهود او النصارى او سائر معتنقي الاديان يلتزمون بدينهم بكل اخلاص وحسن السريرة و يعملون بمقتضى العقل والوجدان و يتهجدون لربّهم و يقومون بواجباتهم الدينية ويجتنبون عن محرماتها ولكنهم ما إقتنعوا بالاسلام وأحيانا ترى من بعضهم يعظّمون نبيّنا وأهل بيته عليهم السلام، ولكن غير مقتنعين ببطلان دينهم و ضرورة تركه إلى الاسلام، فلا تلازم فعلا بين التديّن بأديانهم واقتناعهم للاسلام، نعم يمكن ذالك بالنسبة إلى المحققين من علمائهم الذين تحرروا من العادات والتقاليد و عندهم الجرئة الكافية للمبادرة بتغيير الشريعة.

و الاشكال على الوجه الثاني: أن حمل الآية على أمم السالفة في عصرهم خلاف الظاهر جداً بل الظاهر من ذكر الفرق الثلاثة من غير المسلمين عطفاً على الذين آمنوا، جعلهم رديفا للمسلمين في عصر النبي صلى الله عليه وآله فالايمان المذكور في مفتتح الآية هو الانتساب إلى الاسلام كنسبة الطوائف الثلاثة المذكورة إلى نِحَلهم وقوله بعد ذالك "من آمن بالله واليوم الآخر" بمعنى الالتزام بمقتضى الإيمان والاستمرار عليه كما نرى في القرآن أكثر من مورد أمر الله اهل الايمان بالايمان والمراد من الاول الاسلام ومن الثاني الالتزام بمقتضاه، فوردت هذه الآيات لردعهم عن تفاخرهم، بمجرد إنتمائاتهم الطائفية على نسق قوله تعالى: "لستم على شيئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم" . اي الميزان هو العمل وليس مجرد الادعاء. فمخاطب الآية المسلمين والطوائف المذكورة بعدها في عصر الاسلام وهو ظاهر لا يمكن رفع اليد عنه.

والاشال على الوجه الثالث: يتضح بما قلناه فحمل الذين آمنوا إلى خصوص المنافقين بعيد عن الظاهر كل البعد كما ان حمل قوله تعالى: "من آمن بالله واليوم الآخر على الدخول في الاسلام بالمعنى الخاص كذالك خلاف الظاهر بل الآية الشريف ظاهرة في أن المراد من الذين آمنوا المسلمين والطوائف الثلاثة المذكورة بعدها المنتحلين بتلك الاديان حقيقة.

فما ذا نعمل مع مفاد الآية؟ هل نذهب إلى القول بالحرية في اختيار الأديان؟ هذا أمر خلاف ضرورة الاسلام والعقل فما ورد من الادلة على وجوب الايمان برسول الله والقرآن و شريعة الاسلام المقدسة صريح في عدم الرخصة لترك الاسلام والاخذ بسائر الاديان التي هي مشحونة بالاباطيل في مقام الاعتقاد والعمل.

فنقول ان هذه الآيات تدل على أن من آمن بالله حقاً وعمل صالحاً فهو أهل النجاة فان تمت الحجة عليه بحقانية الاسلام فيلتزم به ومن لم تتم عنده الحجة وهو سليم القلب و منفتح على الحق فاذا عمل بما وصل اليه من خلال عقله أو الشريعة السماوية التي منتمي اليها من الصالحات فهو مأجور ومعذور عن سواها من الصالحات. فما يزعم البعض من أنّ غير الشيعة الاثني عشرية من بني البشر كلهم مخلدون في النار لايمكن الالتزام به ولا يناسب رحمة الله الواسعة بل يخالف العدل ولا ينسجم مع كثير من الآيات والروايات وهذه الآية المبحوث عنها تنادي بخلاف ذالك بكل وضوح، ونحن نرى أنّ الآية جعلت اليهود والنصارى والصابئين قسيماً للذين آمنوا. و نواجه بعض الآيات الأخرى تفرِّق بين الفاسق الفاجر من أهل الكتاب والملتزم المتدين والخاضع لربه قال تعالى: "لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحينَ . وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالْمُتَّقينَ" (ال عمران113-115).[5] وعند ما يأمر بقتال أهل الكتاب انما يأمرنا بقتال الفسقة الفجرة منهم، فقال تعالى: "قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدينُونَ دينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ" (التوبة29)[6] فكما بينا في الفقه أّن مِن في قوله: "مِنَ الذين اُوتوا الكتب" تبعيضية وليست بيانية.

وخلاصة القول: كل من يخالف الحق الجائز، في مجال الاعتقاد او العمل: اما عالم بان ما عليه او مايعمله خلاف الحق فهو يستحق العقاب، واما جاهل، والجاهل اما مقصر في جهله فهو غير معذور ومثله مثل العالم، واما جاهل قاصر بمعنى قصور يده عن الوصول إلى الحق فاما لاطريق له إلى الحق او لايحتمل ان لا يكون ماعليه من العقيدة او العمل حق، حتى يبحث عنه، فهو قاصر والقاصر معذور. ويستحق رحمة الله وفضله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo