< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ثمار من القران الكريم

الم . ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِلْمُتَّقينَ . الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ . وَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُولئِكَ عَلى‌ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[1] انّ الحروف المقطعة التي وردت في مطلع بعض السور، قيل فيها وجوه، نكتفي فيها بذكر ملخص من كلام المفسر الكبير الشيخ الطبرسي في المجمع قال رضوان الله عليه:

اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بها السور فذهب بعضهم إلى‌ أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها و لا يعلم تأويلها إلا هو، هذا هو المروي عن أئمتنا عليهم السلام و روت العامة عن أمير المؤمنين ع أنه قال إن لكل كتاب صفوة و صفوة هذا الكتاب حروف التهجي‌ و عن الشعبي قال: لله في كل كتاب سر و سره في القرآن سائر حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور و فسرها الآخرون على وجوه:

أحدها : إنها أسماء السور و مفاتحها عن الحسن و زيد بن أسلم

ثانيها : أن المراد بها الدلالة على أسماء الله تعالى فقوله تعالى «الم» معناه أنا الله أعلم و «المر» معناه أنا الله أعلم و أرى و «المص» معناه أنا الله أعلم و أفصل و الكاف في كهيعص من كاف و الهاء من هاد و الياء من حكيم و العين من عليم و الصاد من صادق عن ابن عباس و عنه أيضا أن «الم» الألف منه تدل على اسم الله و اللام تدل على اسم جبرائيل و الميم تدل على اسم محمد ص،...(وهكذا)

ثالثها : أنها أسماء الله تعالى منقطعة لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم عن سعيد بن جبير

رابعها : أنها أسماء القرآن عن قتادة

خامسها : أنها أقسام أقسم الله تعالى بها و هي من أسمائه عن ابن عباس و عكرمة قال الأخفش و إنما أقسم الله تعالى بالحروف المعجمة لشرفها و فضلها و لأنها مباني كتبه المنزلة بالألسنة المختلفة و أسمائه الحسنى و صفاته العليا و أصول كلام الأمم كلها بها يتعارفون و يذكرون الله عز اسمه و يوحدونه فكأنه هو أقسم بهذه الحروف أن القرآن كتابه و كلامه

سادسها : أن كل حرف منها مفتاح اسم من أسماء الله تعالى و ليس فيها حرف إلا و هو في آلائه و بلائه و ليس فيها حرف إلا و هو في مدة قوم و آجال آخرين عن أبي العالية و قد ورد أيضا مثل ذلك في أخبارنا

سابعها : أن المراد بها مدة بقاء هذه الأمة عن مقاتل بن سليمان قال مقاتل حسبنا هذه الحروف التي في أوائل السور بإسقاط المكرر فبلغت سبع مائة و أربعا و أربعين سنة و هي بقية مدة هذه الأمة قال علي بن فضال المجاشعي النحوي و حسبت هذه الحروف التي ذكرها مقاتل فبلغت ثلاثة آلاف و خمسا و ستين فحذفت المكررات فبقي ستمائة و ثلاث و تسعون و الله أعلم بما فيها و أقول قد حسبتها أنا أيضا فوجدتها كذلك و يروى أن اليهود لما سمعوا «الم» قالوا مدة ملك محمد ص قصيرة إنما تبلغ إحدى و سبعين سنة فلما نزلت الر المر و المص و كهيعص اتسع عليهم الأمر هذه أقوال أهل التفسير

ثامنها : أن المراد بها حروف المعجم

تاسعها : أنها تسكيت للكفار لأن المشركين كانوا تواصوا فيما بينهم أن لا يستمعوا لهذا القرآن و أن يلغوا فيه كما ورد به التنزيل من قوله «لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ» الآية فربما صفروا و ربما صفقوا و ربما لغطوا ليغلطوا النبي ص فأنزل الله تعالى هذه الحروف حتى إذا سمعوا شيئا غريبا استمعوا إليه و تفكروا و اشتغلوا عن تغليطه فيقع القرآن في مسامعهم و يكون ذلك سببا موصلا لهم إلى درك منافعهم

عاشرها : أن المراد بها أن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم و كلامكم فإذا لم تقدروا عليه فاعلموا أنه من عند الله....)[2]

ثم قوله تعالى: "ذالك الكتاب" هو القرآن و الف واللام للتعريف وقوله لا ريب فيه بيان لصحة مضمونه وقطعية مفاده لا بمعنى انه لا يشك فيه أحد فان كثير من الناس في ريب وشك منه ،نعم لا ينبغي الريب فيه، لأنه من دقق فيه فهو يعرف انه منزَّل من عند الله، و نحن نكتفي في فهم هذا المقطع من الآية بهذا المقدار فمن يريد التوسع في البحث فليراجع التفاسير.

أما قوله تعالى: "هدي للمتقين" فقد يطرأ سؤال نفسه، بأن القرآن لو كان هدي للمتقين فلا يمكن أن يهتدي به المشركون والكفار وهؤلاء الذين عاشوا عصر نزوله، بينما نعرف أن دور القرآن في هداية أهل الضلال كان أكبر من جميع المعجزات و قد قال الله تعالى: "شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقان‌.. الآية[3] فجعل الهداية للناس و كذلك في غيرها من الآيات؟.

والجواب عن هذه الشبهة أنّ المراد من المتقين في هذه الآية اعم من المتقي الملتزم بأصول الدين و فروع الشريعة، فان التقوى حالة نفسية تدعوا الانسان الى قبول الحق وعدم اللجاج والعناد تجاهه بحيث كلّما وجد الحق، لزمه، قال الراغب في مفرداته: (الوقاية حفظ الشيء ممّا يؤذيه و يضرّه، و التقوى جعل النفس في وقاية ممّا يخاف، لذلك يسمى الخوف تارة تقوى بينما الخوف سبب للتقوى. و في عرف الشرع، التقوى حفظ النفس عمّا يؤثم. و «كمال التقوى» اجتناب المشتبهات).و الله قد فطر عباده بالعقل و الوجدان و فطرة التوحيد و الإذعان بحسن العدل و قبح الظلم، فإنّ أكثر ما ورد في العقيدة الحقّة و الشرائع الالهية هي التي تحكم به العقل والوجدان البشري وانما الوحي والانبياء والاولياء يُذكّرون الناس بها، فمن عاند الحق وجعل أصابعه في آذانه واستغشى ثيابه وغمض عينيه و جعل على بصره غشاوة فهو لا يتذكّر و انما يتذكر من كان منفتحاً علي الحق وطاب نفسه و قد نسمى هذه المرحلة من التقوى بتقوى النفس، وقد تعلق مشية الله ان لا يهتدي الا المتقي ولا يضلُّ الا الفاسق. قال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خساراً" و قال تعالى: "قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفيظٍ"[4] و قال تعالى: "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ[5]

وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيي‌ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَ يَهْدي بِهِ كَثيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقينَ"[6]

حتى نرى أن الله تعالى بلطفه وفضله لم يجعل للشيطان سلطة على عباده من دون ارادتهم فأبان عن هذه الحقيقة في قوله تعالى: "فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذينَ آمَنُوا وَ عَلى‌ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ"[7]

يا بَني‌ آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطينَ أَوْلِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَريقاً هَدى‌ وَ فَريقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ[8] . فيستشف من هذه الآيات بكل وضوح أن ولاية الشيطان انما تكون على الذين لا يؤمنون والذين يصرون على فواحش آبائهم وينسبون ذالك الى الله ظلما وزوراً والذين حق عليهم الضلالة هم الذين اتخذوا الشياطين اولياء لأنفسهم من دون الله!!

و قد ورد في كلام علي عليه السلام الاشارة الى ان ما جاء به الانبياء تذكير لما اودع الله في فطرة الانسان وينطبق على العقل والوجدان واليك نص كلامه: "ِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَ يُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَ مَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَ أَوْصَابٍ 53 تُهْرِمُهُمْ وَ أَحْدَاثٍ [تَتَتَابَعُ‌] تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ وَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَ لَا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ‌ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ و مَضَتِ الدُّهُورُ وَ سَلَفَتِ الْآبَاءُ وَ خَلَفَتِ الْأَبْنَاء"[9]

وخلاصة القول أن هناك صراع في وجود الانسان بين الهوى والشهوة وفي مقابلهما العقل والوجدان ويقف معهما الدين فمن غلّب على نفسه هواه وطمس نور عقله لا يهتدي ومن غلب عقله على هواه فهو يستفيد من الآيات والعبر، قال امير المؤمنين عليه السلام: "ان أخوف ما اخاف عليكم إثنان اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فيسدّ عن الحق واما طول الأمل فيُنسي الآخرة".


[9] نهج البلاغة الخطبة الاولى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo