< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

36/09/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تفسير سورة الإسراء
﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً 49 قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً 50 أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً 51 يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً 52 [1]
شرح المفردات : " الرفات " جاء في مجمع البيان : " الرفات ما تكسر وبلي من كل شي‌ء ويكثر بناء فعال في كل ما يحطم ويرضض يقال حطام ودقاق وتراب وقال المبرد كل شي‌ء مدقوق مبالغ في دقة حتى انسحق فهو رفات."[2]
وقال الأصفهاني في المفردات : " رَفَتُّ الشي‌ء أَرْفُتُهُ رَفْتاً: فَتَّتُّهُ، و الرُّفَاتُ و الْفُتَاتُ: ما تكسّر و تفرّق من التّبن و نحوه، قال تعالى: ﴿ وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً، و استعير الرُّفَاتُ للحبل المنقطع قطعة قطعة ﴾ .[3] فالمراد من الرفات القطع المتناثرة والمبعثرة من جسم الانسان البالي المتكسر.
أما قوله : ( سينغضون )، فالنغض لغة تحريك الرأس ارتفاعاً وانخفاضاً، قال الطبرسي رحمه الله تعالى : " ويقال أنغض رأسه ينغضه و نغض رأسه ينغضه نغضا إذا حركه قالوا و النغض تحريك الرأس بارتفاع و انخفاض."[4]وقال الراغب الأصفهاني، أن الإنغاض في اللغة هو تحريك الرأس للتعجب، وسائر المفردات لا تحتاج إلی التوضيح
تناولت الآيات السابقة مسألة التوحيد، ومحاربة المشركین لها، وهذه الآيات تتحدث عن المعاد، والتشکیک فیه وعندما نتأمل في هذه المسألة نرى أن كل من أنكر المعاد لم يأت بدليل على ادعائه وإنما أبدى استغرابه واستبعاده عن تحقق الرجوع إلى الحياة بعد الموت كما أننا بحثنا عن دواعي المنكرين لإنكارهم نراها للتهريب عن قبول هذه الحقيقة التي لا تلائم مع سيرتهم في الحياة من ارتكاب الجرائم والفساد والظلم كما قال تعالى في بيان دافعهم للإنكار: {بل يريد الانسانُ لِيَفجُرَ اَمامَه يسأل أيّانَ يَومُ القيامة}[5] نعم إنهم يبحثون عن مهرب لينكروا المعاد ليفتحوا طريقهم إلى كل ما يشتهون.
فهذه الآيات المباركة تشير إلى ثلاث مراحل من استغرابهم تجاه إعادة الحياة والبعث يوم القيامة، فذكر مقالتهم فقال: {وَ قَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَ رُفَاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [6]، فأولا هم يستغربون تبديل العظام والرفاة إلى كائن حي جديد؟ فأجابهم الله بقوله : { قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } فخلاصة الجوا ب أنه ليس هذا أمرا مستحيلا بل لو تتبدلوا إلى الأحجار أو الحديد أو أي عنصر يكون أصعب في بالكم من ذلك فسوف تجدد لكم الأبدان وتعود إليها الحياة، هذا جواب عن استغرابهم الأول، حيث استبعدوا قابلية العظام البالية المنكسرة لأن تحيي من جديد. وما أبلغ هذا الجواب! ثم نقلوا الكلام إلى الفاعل لهذا التبدل والإعادة فقال تعالى حكاية عنهم : { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا؟ } فأجاب عن هذا السؤال بقوله:﴿ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ ففي هذا الجواب دفع لوجه الاستغراب أيضاً، لأنهم كانوا معترفين بالخالق فاذا كان تعالى قادرا على الإبداع في الخلق فالإعادة أسهل نعم أنه تعالى يخلق من نطفة أمشاج إنسانا كاملا مع ما فيه من الغرائب والأجهزة المعقدة والدقيقة ودائما نرى تبديل أشياء بأشياء غيرها تختلف في كل الصفات فمثلا نحن نرى بأم اعيننا كيف تتبدل خشبة يابسة صلبة باردة إلى نار لطيف حار نوراني فكم بينهما بون بعيد وهناك نرى تقلّبات مختلفة كثيرة كلّها بقدرة الله ومن كثرتها أصبح لنا أمراً عادياً لا يُلفت أنظارنا إليه.
ثم بعد إراءة هذا البرهان القاطع يأتي السؤال الثالث لهم فقالوا متى هو؟ وقد وصف الله مقالتهم هذه بقوله: ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَ يَقُولُونَ مَتَى هُوَ؟ ﴾ يعني أنّنا لو اعترفنا لك يا محمد أن العظام البالية والمتناثرة قابلة للحياة والجمع، وأن الله قادر على إحياءها من جديد، غير أن هذا يبقى مجرد دعوى ووعد، ولا ندري متى يتحقق، ومتى يكون؟ فقال تعالى : { قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }، يعني ما تستبعدونه وترونه بعيداً لعله يكون قريباً، وسبب قرب يوم القيامة إما أن عمر العالم وهذه الحياة الدنيوية في قبال حياة الأخرة أقل من لحظة. أو أن مقدمة القيامة موت، وهو أقرب إلى الإنسان من كل شيء، ويعتقد به الجميع سواء كان مؤمنا بالله تعالى أو كافراً، سواء كان تدين بدين أو لا؟. والموت بمثابة القيامة الصغرى لبني آدم لأنه " إذا مات الإنسان قامت قيامته. ولكن في هذين الاحتمالين الذين ذكرها المفسرون الاحتمال الاول هو المتعين، بقرينة الآية التي تليها وقد وصف فيها يوم القيامة. ولعلّ استخدام كلمة " عسى " إشارة إلى أن زمن وقوع يوم القيامة مما استأثر الله علمه لنفسه، ولا يعرفه أحد سواه.
والآية بعدها تشير إلى بعض خصوصيات يوم المعاد حيث قال تعالى{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } اي يستجيبون دعوته وهم يشعرون بحسن هذه الدعوة فيحمدون الله على حكمته وعدله، نعم إن المشركين يلومون أنفسهم على ما خسروا حياة الدنيا ولم يستفيدوا منها وهم نادمون فلا ينافي أن يستجيبوا الله حامدين له سواء كان استجابتهم رغبة وطوعاً كما يكون لأهل النجاة او رهبة وكرها كما يكون لأهل الهلاك نستجير بالله منه ونسأله أن يجعلنا في زمرة أهل النجاة. ثم قال: ﴿ وتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، ويظهر من هذه الآية أن الإنسان لا يشعر في عالم البرزخ بطول الزمان أو أنه يعرف بأن الازمة التي مرت به في الدنيا وفي البرزخ كان قليلاً جدا في مقارنة حياة الآخرة الخالدة. إلى هنا قد وقفنا وقفة سريعة على هذه الفقرة من سورة الاسراء وان شاء الله نكمل بحثنا في هذه الآيات في الأيام القادمة.
الأدلة على إثبات المعاد
بعد أن وقفنا وقفة موجزة عند هذه الآيات المباركة، نود أن نشير – ولو بالاختصار – إلى بعض الأدلة التي يمكن من خلالها إثبات يوم المعاد.
الدليل العقلي على حتمية المعاد،
من يتأمل في حياة الإنسان في هذا العالم يدرك أنها تبدأ بالمشاكل وتنتهي بها، لا نجد نعمة لا تشوبها المكاره وراحة لا تشوبها المشاكل، من جهة أخرى، فقد ثبت لنا أن الله عادل رحمن رحيم بعباده، لا يريد ظلما للعباد، بل إنما خلقهم ليستفيدوا من خيره المطلق ومن هنا أنه لو لم يكن وراء الدنيا عالم آخر يعود إليه البشر ويرجع إلى ربه تعالى، لكان خلق الإنسان في هذا العالم المليء بالمشاكل والآلام عبثاً، والعبث لا يصدر من الصانع الحكيم العادل، فإذن هناك حياة أخرى، وعالم آخر من أجل أن نحشر جميعا لنصير إلى الله تعالى. وهذا ما سمي بيوم المعاد، وإلى هذا الدليل أشار قوله تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }[7] حيث ترجع الانسان إلى عقله وفطرته التي تدل على استحالة صدور العبث من الله والخروج من العبث موقوف على رجوع الإنسان إلى ربه. لأنه لو قلنا بأن خلق الإنسان ليس له هدف وغرض عقلائي، فإذن يكون خلق العالم كذلك عبثا وباطلاً، لأن هذا العالم خلق لأجل الإنسان، من هنا نرى ان الله وصف أولي الألباب بقوله { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[8] وثمة آيات أخرى تؤكد على هذا البرهان العقلي، إلا أننا نكتفي بهذا القدر ونشير إلى الأدلة النقلية في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo