< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

41/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة /صلاة الجماعة /حكم الشك في نية الإئتمام أو الفرادى / محل جريان القاعدة الفراغ وشرطها

كان بحثنا في الفرع الاول من مسألة 11: حيث قال المصنف (لو شكّ في أنّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم و أتمّ منفرداً و إن علم أنّه قام بنيّة الدخول في الجماعة[1] )

وقد ذكرنا دليلنا على مقالة المصنف وفاقا له ثم ذكرنا دليل السيد الخوئي و ناقشناه في طريق استدلاله بما لا مزيد عليه واليوم ننظر الى تفصيل العلامة في هذا الفرع حيث قال:

(لو شك في نيّة الاقتداء فهو كالشك في أصل النيّة، فتبطل مع بقاء المحل، و لا يلتفت مع انتقاله[2] ) اي اذا كبّر وشك في نية الجماعة فجماعته باطلة اما اذا تجاوز محل النية و انتقل الى ما بعدها لا يعتني بشكه و يبني على الجماعة لقاعدة التجاوز.

ويرد عليه: بان قاعدة التجاوز محلها ما اذا تيقن بتحقق عنوان الصلاة و شك في اتيان ما تجاوز عنه من اجزائها. اما اذا كان الشك في اصل تحقق العنوان فلا مجال لقاعدة التجاوز و فيما نحن فيه الشك يكون في نية الجماعة التي بها تتحقق عنوانها فلا مجال لقاعدة التجاوز بل هو مورد لأصالة العدم.

و قال الشهيد في الذكري في هذا الفرع: (يمكن بناؤه على ما قام إليه، فان لم يعلم شيئا بنى على الانفراد، لأصالة عدم نيّة الائتمام[3] ).

و يلاحظ عليه: بان هذا التفصيل لا وجه له لان المراد مما قام اليه ان كان دخوله في المسجد او محضر الجماعة قبل الصلاة فلا اثر له و ان كان المراد عند دخوله في الصلاة فالمفروض انه لا يدري باي نية دخل في الصلاة فالحق اجراء اصالة عدم الائتمام في كلا الفرضين.

الفرع الثاني: مما ورد في هذه المسألة قول المصنف: (نعم لو ظهر عليه أحوال الائتمام كالإنصات ونحوه فالأقوى عدم الالتفات ولحوق أحكام الجماعة وإن كان الأحوط الإتمام منفرداً[4] ).

اقول: انما الانصات و نحوه یفیده اذا اطمئن بالنية ولو لم يتذكر لحظة حدوثها والا لا وجه لما قاله الا قاعدة التجاوز وهي ساقطة لعدم العلم بتحقق عنوان الجماعة من اصله كما بيناه سابقاً فنقول: الاقوى الاتمام منفرداً في هذا الفرض ايضاً.

الفرع الثالث: قوله: (أمّا إذا كان ناوياً للجماعة و رأى نفسه مقتدياً و شكّ في أنّه من أوّل الصلاة نوى الانفراد أو الجماعة فالأمر أسهل[5] )

ان السيد الخوئي فصل القول في هذا الفرع فقال: (ينبغي التفصيل في المسألة، فإنّه قد يحتمل من نفسه فسخ العزيمة‌ و العدول عمّا بنى عليه سابقاً، و حينئذ فلا يكاد يكفي ظاهر الحال الفعلي المفيد للظنّ لا أكثر، لعدم الدليل على اعتبار مثله. و قد لا يحتمل العدول العمدي، و إنّما كان الترديد مستنداً إلى الغفلة في رفع اليد عمّا قد نواه سابقاً، فحينئذ لا يبعد الحكم بالصحّة، عملًا بقاعدة التجاوز كما يقتضيه التعليل الوارد في بعض أخبارها: إنّه حين العمل أذكر أو أقرب إلى الحق . فلأجل عموم العلّة يحكم بعدم الاعتناء باحتمال الغفلة في المقام[6] ).

والمراد مثلا دخل المسجد لصلاة الجماعة ولكن يحتمل عزمه على الفرادى فغفل عنه ودخل مع الناس في الجماعة فهو انما يحتمل نية الجماعة والاصل عدمها و مجرد الظن لا يغنيه. والفرض الأخر انه كان جادا في صلاة الجماعة ولكنه يحتمل عند دخول الصلاة نسي نية الجماعة فكبر غفلة عن نية الجماعة فعندئذ اصالة عدم الغفلة حاكمة ويبني على عدم حصول الغفلة عن نية الجماعة حين دخول الصلاة.

ان السيد الخوئي في جريان قاعدة الفراغ والتجاوز يشترط عدم العلم بالغفلة حين العمل ويستند في هذا المبنى بصحيحتين اشار اليهما في بيانه فوقها وهما:

ما رواه الشيخ في التهذيب: بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ- قَالَ هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُّ[7] ).

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: إِنْ شَكَّ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا صَلَّى- فَلَمْ يَدْرِ أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً- وَ كَانَ يَقِينُهُ حِينَ انْصَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ- وَ كَانَ حِينَ انْصَرَفَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ".

سند الصدوق الى محمد بن مسلم في اوله علي بن احمد بن عبد الله بن احمد بن ابي عبد الله عن لبيه عن جده احمد بن ابي عبد الله البرقي، وعلي الحفيد لم يرد له توثيق ولكن للحديث تعويض السند وهو ما رَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ. وهذا السند صحيح.

ولتوضيح مبناه في قاعدة الفراغ والتجاوز نقف عند توضيح رأيه وقفة سريعة فنقول:

عامة الفقهاء يرون جريان قاعدة التجاوز والفراغ مطلقا وانما يكفيهما الشك في الجزء السابق الذي مضى و تجاوز مكانه في قاعدة التجاوز و الشك في العمل الذي فرغ منه في قاعدة الفراغ.

مثلا من كان مانع بأعضاء وضوئه من وصول الماء فتوضأ، ثم بعد الفراغ من الوضوء يرى عدم وجود المانع، ولا يدري هل ارتفع المانع حين الوضوء بحيث وصل الماء بالمحل او زال بعد الوضوء ولم يصل الماء الى المحل، فجلّ الفقهاء يقولون يبني على الصحة معتمدا بقاعدة الفراغ ولكن السيد الخوئي يفصل بين ما كان لا يدري حين العمل كان ملتفتا اولا؟ فيجري قاعدة الفراغ ، وما اذا يدري انه كان غافلاً عن المانع فيقول بعدم صحة وضوئه و لهذه القاعدة موارد كثيرة في الفقه. فعامة الفقهاء يقولون بان هذه القاعدة وضعت تسهيلا للعباد ورواياتها مطلقة الا هاتين الروايتين وهما ليستا صريحتين في العلة حتى ندور مدارها بل يمكن انهما اشارا الى حكمة الحكم لا علته فالمدار هو الشك بعد التجاوز او الفراغ مطلقاً. واليك بعض تلك الروايات:

عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِذَا كُنْتَ قَاعِداً عَلَى وُضُوئِكَ- فَلَمْ تَدْرِ أَ غَسَلْتَ ذِرَاعَيْكَ أَمْ لَا- فَأَعِدْ عَلَيْهِمَا وَ عَلَى جَمِيعِ مَا شَكَكْتَ فِيهِ- أَنَّكَ لَمْ تَغْسِلْهُ وَ تَمْسَحْهُ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ- مَا دُمْتَ فِي حَالِ الْوُضُوءِ- فَإِذَا قُمْتَ عَنِ الْوُضُوءِ وَ فَرَغْتَ مِنْهُ- وَ قَدْ صِرْتَ فِي حَالٍ أُخْرَى فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا- فَشَكَكْتَ فِي بَعْضِ مَا سَمَّى اللَّهُ- مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءَهُ- لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْكَ فِيهِ- فَإِنْ شَكَكْتَ فِي مَسْحِ رَأْسِكَ فَأَصَبْتَ فِي لِحْيَتِكَ بَلَلًا- فَامْسَحْ بِهَا عَلَيْهِ- وَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْكَ فَإِنْ لَمْ تُصِبْ بَلَلًا- فَلَا تَنْقُضِ الْوُضُوءَ بِالشَّكِّ- وَ امْضِ فِي صَلَاتِكَ- وَ إِنْ تَيَقَّنْتَ أَنَّكَ لَمْ تُتِمَّ وُضُوءَكَ فَأَعِدْ عَلَى مَا تَرَكْتَ يَقِيناً- حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى الْوُضُوءِ الْحَدِيثَ[8] .

عن عبد الله بن يعفور عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْ‌ءٍ مِنَ الْوُضُوءِ- وَ قَدْ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ شَكُّكَ بِشَيْ‌ءٍ- إِنَّمَا الشَّكُّ إِذَا كُنْتَ فِي شَيْ‌ءٍ لَمْ تَجُزْهُ[9] .

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ كُلُّ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ وَ طَهُورِكَ فَذَكَرْتَهُ تَذَكُّراً فَأَمْضِهِ- وَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ فِيهِ.[10]

في صحيحة محمد بن مسلم مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ- قَالَ فَقَالَ لَا يُعِيدُ وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ. وفي الثانية: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِكَ- فَامْضِ وَ لَا تُعِدْ[11] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo