< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: إقامة الحدود في حال غيبة الإمام /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

(و لا يجوز أن يتعرض لإقامة الحدود و لا للحكم بين الناس إلا عارف بالأحكام مطلع على مأخذها عارف بكيفية إيقاعها على الوجوه الشرعية. و مع اتصاف المتعرض للحكم بذلك يجوز الترافع إليه و يجب على الخصم إجابة خصمه إذا دعاه للتحاكم عنده. و لو امتنع و آثر المضي إلى قضاة الجور كان مرتكبا للمنكر. و لو نصب الجائر قاضيا مكرها له جاز الدخول معه دفعا لضرره لكن عليه اعتماد الحق و العمل به ما استطاع. و إن اضطر إلى العمل بمذاهب أهل الخلاف جاز إذا لم يمكن التخلص من ذلك ما لم يكن قتلا لغير مستحق و عليه تتبع الحق ما أمكن‌).[1]

قد فرغنا في يوم الماضي عن الفرع الاول من كلام المصنف و قد علقنا عليه تعليقتين فثبت عدم كفاية ملكة الاجتهاد للقاضي بل لابد وان يكون عالما بمسائل القضاء، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ثبت عدم لزوم كونه مجتهدا بل يكفيه أن يكون عالما بمسائل القضاء ولو تقليدا عن مجتهد تكون فتواه حجة للقاضي فانه يصبح عالما بحكم القضاء علما تعبديا. كما ان المجتهد ايضا ليس عالما بجل ما افتى به علما وجدانيا بل هو ايضا علمه بما افتى به يكون علما تعبديا.

الفرع الثاني مما ذكره المصنف في مقطع الاخير من بحثه هو قوله: (و مع اتصاف المتعرض للحكم بذلك يجوز الترافع إليه و يجب على الخصم إجابة خصمه إذا دعاه للتحاكم عنده). جواز الترافع اليه امر واضح فكل ما يدل على جواز القضاء له يدل على جواز الرجوع اليه بالملازمة العقلية.

بل يمكن أن نقول: يجب عليه الحكم كفاية مع عدم المانع، كذلك الافتاء لحاجة المجتمع اليهما بمقدار الكفاية قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ﴾[2] فمن امتنع عن القضاء وهو قادر عليه او عن الافتاء وهو وصل الى حكم الله من خلال اجتهاده فهو من الذين كتم الحق في مجالين القضاء والافتاء، و كذلك آية النفر تفيد هذا المعنى حيث قال تعالى ﴿فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ و لينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يَحْذَرُونَ﴾[3] و غير ذلك من الكتاب و السنة مما يدل على وجوب ارشاد الجاهل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر و هذا مما إجمع عليه المسلمون، كما يجب تحصيل العلم و تأهيل النفس لمقام القضاء والافتاء اذا لم يكن ما به الكفاية في المجالين لتوقف النظام عليهما)،

اما وجوب اجابة الخصم اذا دعاه الى التحاكم فيدل عليه ما يدل على حرمة مراجعة الطاغوت وحكام الجور وما يدل على وجوب التسليم لحكم حاكم الشرع كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة: " فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اللّٰه استخف، و علينا رد، و الراد علينا راد على اللّٰه تعالى، و هو على حد الشرك باللّٰه عز و جل"

وفي مقبولة ابي خديجة قوله عليه السلام: " انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه"[4] توجه الخطاب الى كل من المدعي والمنكر حيث ان التحاكم من باب التفاعل قائم بالطرفين فلا يجوز التخلف عن حكم القاضي من قبل الامام عليه السلام.

و نفس المعنى يستفاد من التوقيع حيث يقول: "و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّٰه"[5] فالحجة يؤخذ بها.

الفرع الثالث قوله: (و لو امتنع و آثر المضي إلى قضاة الجور كان مرتكبا للمنكر).

هناك عقدين سلبي وايجابي اما السلبي هو عدم قبول الخصم للتحاكم الى من يجوز له الحكم او رد الحكم الذي اصدره من يجوز له الحكم . واما الايجابي فهو مراجعة الخصم الى حكام الجور فهو من المنكرات كما قال المصنف والوجه فيه واضح وصدر مقبولة عمر بن حنظله وابي خديجة و روايتي ابي بصير وغيرهما صريح في هذه الحرمة.

وفي صحيحة أبي بصير: محمد بن يعقوب وَ عَنْ محمد بن يحيى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ‌ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل كان بينه و بين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه و بينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال اللّٰه عز و جل «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَرِيزٍ، وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ.[6] في السند يزيد بن اسحاق وهو الملقب بشغر وهو اخو محمد بن اسحاق و قد قصّ عن دعاء امام الرضا لهدايته فاهتدى فانه ولو لم يرد له توثيق صريح و لكن هذه القصة تدل على انه من دعاء امام الرضا عليه السلام. ولعله يكفي في الوثاقة. و اما هرون بن حمزة فقد وثقه النجاشي، كما ان سند الصدوق الى الحريز صحيح فالرواية صحيحة لا بأس بها كما عبر عنه الجواهر ايضاً. اما الدلالة فإنها صريحة في حرمة الردّ.

و في حديث آخر وَ محمد بن يعقوب عَنْ محمد بن يحيى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِير قال: " «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام قول اللّٰه عز و جل في كتابه "وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ"، فقال: يا أبا بصير إنّ اللّٰه عزّو جلّ قد علم أنّ في الأمة حكاماً يجورون، أمّا إنّه لم يعن حكّام العدل، و لكنّه عنى حكام الجور، يا أبا محمد إنّه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكم أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له كان ممن حاكم إلى الطاغوت، و هو قول‌ اللّٰه عزّ و جلّ أَلَمْ تَرَ إلى آخره»‌ وَ رَوَاهُ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ.[7] في سنده لا اشكال الا في عبد الله بن بحر حيث ضعفه الغضائري ولم يوثقه الآخرون.


[2] السورة البقرة، الآیة 159.
[3] السورة التوبة، الآیة 122.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo