< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: روایات جواز الخروج قبل القیام /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

بعد ما انتهينا من دراسة الروايات الموهمة لحرمة الخروج على الحكام الظلمة مطلقا حتى يخرج القائم عليه السلام، وناقشناها سندا ودلالة، و كان ملخص الكلام فيها انه مضافا الى ضعف اسناد جلها، انها تدل على عدم جواز الخروج بداعي تنافس الباظل للحصول على قدرة باطلة مثلها او المنع عن خروج غير مدروس مما لا ينتج نتيجة منشودة او كانت ناظرة الى نفي المهدوية عن الخارجين بهذا العنوان. وانه على فرض التنازل عن عدم تما مية الاسناد والدلالات انها لا تقاوم ادلة لزوم اقامة الاحكام الشرعية و ادلة وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و الجهاد في سبيل الله فلابد من ردها وضربها على الجدار او رد علمها الى الله وعدم الالتزام بمضامينها الظاهرية على المفروض.

ثم تطرقنا الى بيان الحركات و النهضات التي كانت مرضية عند أئمتنا عليهم السلام فذكرنا قضية زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام حيث دلت قرائن كثيرة على قداسة خروجه عند الشارع المقدس واوليائه عليهم السلام.

و مما يدل على جواز الخروج، قبل ظهور القائم عليه السلام، وقعة فخ، التي قائدها كان : أبو عبد الله، الحسين بن عليّ الخير بن الحسن المثلّث بن الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن المجتبى(عليهم السلام).

لما عانت الأُسرة العلوية في عهد الطاغية موسى الهادي الخوف والإرهاب، فقد أخاف العلويين خوفاً شديداً، وألحّ في طلبهم، وقطع أرزاقهم وعطاياهم، وكتب إلى الآفاق بطلبهم.

فالاضطهاد الذي لحق العلويين والمعاملة القاسية لهم، كان من أهمّ الأسباب التي ثار من أجلها صاحب فخ، حيث جنّد العلويين الموجودين في المدينة المنوّرة، وخرج بهم مع نسائهم وأطفالهم متوّجهاً نحو مكّة المكرّمة؛ ليثور على والي مكّة المنصوب من قبل الحاكم موسى الهادي، ولكنّ الوالي أرسل إليهم جيشاً كبيراً فقاتلوهم في منطقة فخ. في ذي الحجّة او ذي القعدة سنة ۱۶۹ﻫ، ومكانها: وادي فخّ، يبعد حوالي فرسخ ، عن مكّة المكرّمة.

عندما عزم الحسين صاحب واقعة فخّ على الخروج على الأوضاع الفاسدة التي وصلت إلى حدّ الإذلال والاضطهاد الشديد لكلّ شيعي وعلوي يوالي الإمام الكاظم(عليه السلام)، أقبل إلى الإمام الكاظم عليه السلام يستشيره في ثورته، فالتفت إليه الإمام(عليه السلام) قائلاً:

«إنّك مقتول فأحِدَّ الضِّرابَ، فإنّ القوم فسّاق، يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعند الله عزّ وجلّ أحتسبكم من عُصبة».

وعن إبراهيم بن إسحاق القطّان، قال: «سمعت الحسين بن عليّ ويحيى بن عبد الله يقولان: ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بن جعفر، فأمرنا بالخروج».

فإن هذه المواقف ان دلت على شيءٍ فإنّما تدل على مقبوليتها عند الامام عليه السلام. وهذا الامر كان واضحاً ايضا عند الطواغيت في عصرهم، ولذا حملت السلطة مسؤولية خروج الحسين على الامام الكاظم عليه السلام كما حمّل هشام بن الحكم الأُموي جدّه الباقر(عليه السلام) مسؤولية ثورة زيد، وحمّل المنصور الامام الصادق(عليه السلام) مسؤولية ثورة محمّد النفس الزكية؛

فان قلت لم لم يخرج الامام معهم بنفسه؟

فنقول لعله لم يخرج حتى يبقى الحجة على الارض لعلمه مسبقاً بالنتائج وبمآل الثورة، ولمصالح أُخرى يعلمها ويقدّرها الإمام عليه السلام.

ولقد قُتل في واقعة فخّ نحو مئة نفر من ذرّية السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وقُطعت رؤوسهم، وسُبيت النساء والأطفال، ثمّ أُرسلت رؤوس القتلى إلى الطاغية موسى الهادي ومعهم الأسرى، وقد قُيّدوا بالحبال والسلاسل، ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، فأمر الطاغية بقتل السبي حتّى الأطفال منهم على ما قيل، فقُتلوا صبراً وصُلبوا على باب الحبس.

قال ياقوت: «بقي قتلاهم ثلاثة أيّام حتّى أكلتهم السباع، ولهذا يُقال: لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشدّ وأفجع من فخ».

و عن بعض الطالبيين قال: «لمّا قُتل أصحاب فخّ جلس موسى بن عيسى بالمدينة، وأمر الناس بالوقيعة على آل أبي طالب، فجعل الناس يوقعون عليهم حتّى لم يبق أحد».

قالوا: «ولمّا بلغ العمري وهو بالمدينة قتل الحسين بن عليّ صاحب فخّ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها، وقبض أموالهم ونخلهم فجعلها في الصوافي المقبوضة».

وعن أبو نصر البخاري عن محمّد الجواد(عليه السلام) أنّه قال: «لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من فخّ».[1]

و ورد انه لمّا سمع الإمام الكاظم(عليه السلام) بمقتل الحسين(رضي الله عنه) بكاه وأبّنه بهذه الكلمات: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله».

وقال دعبل الخزاعي: في شعره: قبورٌ بكوفان وأُخرى بطيبة ** وأُخرى بفخٍّ نالها صلواتي.

من شهداء الواقعة: الحسين بن عليّ الخير بن الحسن المثلّث بن الحسن المثنّى ابن الحسن السبط. وقتل معه من اولاد الحسن عليه السلام ثمانية: سليمان و إدريس و يحيى ابناء عبد الله المحض و الحسن بن محمّد بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنّى و عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثنّى. و عليّ بن إبراهيم بن الحسن المثنّى. إبراهيم بن إسماعيل طباطبا.

وورد في فضل شهداء الواقعة ۱ـ عن زيد بن عليّ(عليه السلام)، قال: انتهى رسول الله(صلى الله عليه و آله) إلى موضع فخّ، فصلّى بأصحابه صلاة الجنازة، ثمّ قال: «يُقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، يُنزل لهم بأكفانٍ وحنوطٍ من الجنّة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنّة».

۲ـ عن الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)، قال: «مرّ النبيّ(صلى الله عليه و آله) بفخّ، فنزل فصلّى ركعة، فلمّا صلّى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلمّا رأى الناس النبيّ(صلى الله عليه و آله) يبكي بكوا، فلمّا انصرف قال: “ما يبكيكم”؟ قالوا: لمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله. قال: “نزل عليَّ جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الأُولى فقال: يا محمّد، إنّ رجلاً من ولدك يُقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين”».[2]

۳ـ عن النضر بن قرواش، قال: «أكريت جعفر بن محمّد(عليهما السلام) من المدينة إلى مكّة، فلمّا ارتحلنا من بطن مرّ، قال لي: “يا نضر، إذا انتهيت إلى فخّ فأعلمني”، قلت: أو لست تعرفه؟ قال: “بلى، ولكن أخشى أن تغلبني عيني”. فلمّا انتهينا إلى فخّ دنوت من المحمل، فإذا هو قائم، فتنحنحت فلم ينتبه، فحرّكت المحمل فجلس، فقلت: قد بلغت. فقال: “حلّ محملي”، فحللته، ثمّ قال: “صل القطار”، فوصلته، ثمّ تنحّيت به عن الجادة، فأنخت بعيره، فقال: “ناولني الإداوة والركوة”، فتوضّأ وصلّى ثمّ ركب. فقلت له: جُعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئاً، أ فهو من مناسك الحجّ؟ قال: “لا، ولكن يُقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنّة”».[3]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo