< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/08/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أدلة إثبات مبدأ ولایة الفقیه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

كان بحثنا في الدليل العقلي الذي استدل به النراقي على ولاية الفقيه في كل فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم و لا بدّ من الإتيان به و لا مفرّ منه، إما عقلا أو عادة او شرعاً. ملخصه: ان العقل يحكم بوجوب نصب الوالي و القيّم و المتولي على الشارع الرؤف الحكيم القادر، و المفروض انه لم يرد دليلٌ على نصب معيّن، أو واحد لا بعينه، أو جماعة غير الفقيه، أما الفقيه، فما ورد في حقه من الأوصاف الجميلة و المزايا الجليلة، كافية في دلالتها على كونه منصوبا منه اي هو القدر المتيقن من النصب هذا هو العقد الايجابي لدليله فاثبت الولاية للفقيه. اما العقد السلبي وهو نفي الولاية عن غير الفقيه فهو بأنّ كل من يحتمل ثبوت الولاية له، يدخل فيه الفقيه قطعاً من المسلمين أو العدول أو الثقات، و لا عكس و أيضا كل من يجوز أن يقال بولايته يتضمن الفقيه. و ليس القول بثبوت الولاية للفقيه متضمنا لثبوت ولاية الغير، فجواز تولّيه و ثبوت ولايته يقينيٌ، و الباقون مشكوك فيهم، فأصالة عدم الولاية لاحد على احد، تنفي ولاية غير الفقيه، وبعبارة اخرى: شمول الوجوب الكفائي للفقيه أمر مقطوع به و شموله لغيره مشكوك فيه، فينتفي بأصالة العدم.

ثم المحقق النراقي تطرّق الى شبهة و ردّها، فقال: (فإن قلت: هذا يتمّ فيما يثبت فيه الإذن و الجواز، و أما فيما يجب كفاية فالأصل عدم الوجوب على الفقهاء)[1] . اي ان اصالة عدم الاذن والجواز لغير الفقهاء تعارضها اصالة عدم تعيّن الواجب الكفائي في الفقهاء، لان لتقيد الكفاية في الفقهاء كلفة زائدة فأصالة البراءة تنفيها لأنّ اصالة البراءة كما هي رافعة لأصل التكليف عند الشك فيه من احتمال واجب شيء او حرمته، كذلك رافعة لكل ما يتعلق بعمل المكلف ويترتب عليه كلفة زائدة من الجزئية او الشرطية او المانعية كما هو محقق في علم الاصول. فكما في الشك بين عينية التكليف و كفائيته اصالة عدم العينية ترفعها، كذلك اذا شك في ضيق دائرة الكفاية و سعتها، الضيق مرفوع بأصالة البراءة لان للضيق كلفة زائدة، ففي ما نحن فيه اذا شككنا في أن التكليف بالولاية هل هو مشروط بالفقاهة او غير مشروطة بها؟ فأصالة عدم الاشتراط تعمم دائرة الكفاية.

فأجاب بقوله: (قلنا: الوجوب الكفائي عليهم أيضا مقطوع به، غاية الأمر أنه يشك في دخول غيرهم أيضا تحت الأمر الكفائي و عدمه، و الأصل ينفيه).[2] وخلاصة الجواب ان قدر المتيقّن لشمول الوجوب عليه هم الفقهاء وفي غيرهم مشكوك الشمول فالأصل يفيد عدم شمول الوجوب على غير الفقهاء. فالشك في وجوب الولاية على غير الفقهاء والبراءة موضوعها الشك في التكليف، والفقهاء ليسوا موردا لجريان البراءة لان تعلق التكليف بهم متيقن و غير الفقهاء يشكون في توجه التكليف اليهم فهم مجرى للبراءة فتأمل جيداً.

ثم عرض شبهة اخرى بقوله: (فإن قيل: الأصل عدم ملاحظة خصوصيتهم).[3] يعني عدم اخذ الفقاهة في موضوع التكليف بالولاية، اي انّ اصالة البراءة عند الشك في التكليف تشمل الشك في الشرطية والجزئية فهي رافعة لوجوب الجزء او الشرط المشكوك فيهما.

ثم أجاب بقوله: (قلنا: الأصل عدم ملاحظة جهة العموم أيضا، مع أنّ إثبات الجواز كاف لنا‌ و لا معارض له، ثم يثبت له الوجوب فيما يجب بالإجماع المركب).[4] ومعنى كلامه ان شمول الوجوب لغير الفقيه امر مشكوك فيه فمن اول الامر لم يثبت شيء عليهم فالبراءة تفيد عدم تكليفهم بالولاية هذا اولا وثانياً: جواز تصدي الفقهاء للولاية امر لا كلام فيه والفقهاء بين قائل بتخصيص الوجوب عليهم و بين من يجعلهم في دائرة اعم للوجوب، فكل الفقهاء يرون وجوب تصدي الولاية على الفقهاء و بالنسبة الى غيرهم لم يحصل هذا الاتفاق فالبراءة عن التكليف لا تجري للفقهاء لان ولايتهم امر محتوم وتجري في غيرهم لانه من الشك البدوي في التكليف.

فحصيلة القول في الدليل العقلي بأن نقول: ان الله تعالى خلق الخلق للطاعة والعبادة فلا يعقل أن يتركهم من دون دليل وهادى و قد خلقهم اجتماعياً لا يمكن لهم ان يعيشوا الا بالتنسيق والتنظيم في علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، مضافا الى ان الشريعة التي شرعها لهم اي احكامهم التكليفية مما يتعلق بمعاشهم ومعادهم ان لم نقل كلها فلا اقلّ جُلّها لا يتم انفاذها الصحيح الا بمدير و متولي عارف بالشريعة امين في ادائه قادر على انفاذه، فانزل لهم الكتب وارسل اليهم الانبياء و الاوصياء في المرتبة الاعلى ويجب ان يرسم لهم خطة العمل في المراتب الدانية ايضاً ولا يتحقق الهدف من خلقة الانسان وارسال الرسل وانزال الكتب الا باستمرار الولاية في الفقهاء العدول الاكفاء فما ورد في النصوص الشرعية ايضا تأكيد على حكم العقل هذا.

نعم ليس المراد من ولاية الفقيه ان الفقيه هو الذي يدير جميع الامور بمفرده بل المراد ان الفقيه له الرعاية العامة في المجتمع و للجهاز القضائي و التنفيذي و التقنيني والعسكري على وفق ما وصل اليه من سيرة الشرع المقدس و يجب على الناس ان يخضعوا له و يُسلِّموا لأوامره وتوجيهاته بل عليهم ان يختاروه لأمورهم كما يأتي البحث عنه بالتفصيل انشاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo