< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أدلة إثبات مبدأ ولایة الفقیه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

الى هنا ذكرنا من الاخبار والروايات ما فيه كفاية لإثبات شأن الفقهاء في ولاية امور الناس و نختم سرد الروايات بما ورد في علل الشرائع للصدوق رضوان الله عليه المشتملة على ادلة عقلية و عقلائية قياساتها معها:

روى الصدوق رضوان الله عليه في العلل بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، في حديث قال فيه: «فإن قال: فلم وجب عليهم معرفة‌. الرسل، و الإقرار بهم، و الإذعان لهم بالطاعة؟ قيل له: لأنه لمّا لم يكن في خلقهم و قواهم ما يكملون به مصالحهم، و كان الصانع متعاليا عن أن يرى، و كان ضعفهم و عجزهم عن إدراكه ظاهرا، لم يكن بدّ من رسول بينه و بينهم معصوم، يؤدّي إليهم أمره و نهيه و أدبه، و يوقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم و دفع مضارّهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم و مضارّهم، فلو لم يجب عليهم معرفته و طاعته، لم يكن في مجي‌ء الرسول منفعة و لا سدّ حاجة، و لكان إتيانه عبثا بغير منفعة و لا صلاح، و ليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شي‌ء. فإن قال: فلم جعل اولي الأمر و أمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة: منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود، و أمروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدّي و الدخول فيما حظر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذّته و منفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام. و منها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا إلّا بقيّم و رئيس، لما لا بد لهم من أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنّه لا بدّ لهم منه، و لا قوام لهم إلّا به، فيقاتلون به عدوّهم، و يقسّمون به فيئهم، و يقيم لهم جمعهم و جماعتهم، و يمنع ظالمهم عن مظلومهم. و منها: أنه لو لم يجعل لهم إماما قيّما أمينا حافظا مستودعا، لدرست الملّة، و ذهب الدين، و غيّرت السنّة و الأحكام، و لزاد فيه المبتدعون، و نقص منه الملحدون، و شبهوا ذلك على المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين، محتاجين، غير كاملين، مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم، و تشتّت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيّما حافظا لما جاء به الرسول، لفسدوا على نحو ما بينّاه، و غيّرت الشرائع و السنن و الأحكام و الإيمان، و كان في‌ ‌ذلك فساد الخلق أجمعين».[1]

سند الصدوق الى فضل سند صحيح والفضل من أجلّة اصحاب الرضا عليه السلام. واما دلالتها على ولاية الفقيه فالأدلة الأربعة التي أقامها الإمام عليه السلام لولاية اولي الامر تفيد ضرورة ولاية الفقهاء الامناء، في الاماكن والازمنة التي لا يمكن فيها مباشرة الامام لتولي الامور، بل و كذلك ما استدل عليه السلام به للزوم ارسال الرسل للتعليم والولاية فتأمل جيداً تجد قوّة الاستدلال في الكلام الامام الرضا عليه السلام. بعد الفراغ من الاخبار بالاكتفاء بما ذكرنا، نرد فيما استدل به فقهائنا من الادلة العقلية على ولاية الفقيه و قد مررنا في مطالع بحثنا على كلمات الفقهاء من ذهابهم وتأكيدهم على ولاية الفقيه و للتطلع على الادلة العقلية نلفت الانتباه الى كلمة ثلاث من الفقهاء المتأخرين لما فيه من الفوائد الجمة:

قال المحقق الكركي: (اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الأمين الجامع لشرائط الفتوى المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى عليهم السلام في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل)[2] ، و قال صاحب الجواهر: (بل لو لا عموم الولاية لبقي كثير من الأمور المتعلقة بشيعتهم معطلة. فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلك، بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئا، و لا فهم من لحن قولهم و رموزهم أمرا)[3] وقال المحقق النراقي رضوان الله عليه: (المقصود لنا هنا بيان ولاية الفقهاء الذين هم الحكّام في زمان الغيبة، و النوّاب عن الأئمة، و أنّ ولايتهم هل هي عامّة فيما كانت الولاية فيه ثابتة لإمام‌ ‌الأصل، أم لا؟ و بالجملة في أنّ ولايتهم فيما هي؟ فإنّي قد رأيت المصنّفين يحيلون كثيرا من الأمور إلى الحاكم في زمن الغيبة و يولّونه فيها، و لا يذكرون عليه دليلا، و رأيت بعضهم يذكرون أدلة غير تامّة، و مع ذلك كان ذلك أمرا مهمّا غير منضبط في مورد خاص و كذا نرى كثيرا من غير المحتاطين من أفاضل العصر و طلّاب الزمان إذا وجدوا في أنفسهم قوّة الترجيح و الاقتدار على التفريع، يجلسون مجلس الحكومة و يتولّون أمور الرعية، فيفتون لهم في مسائل الحلال و الحرام، و يحكمون بأحكام لم يثبت لهم وجوب القبول عنهم، كثبوت الهلال و نحوه، و يجلسون مجلس القضاء و المرافعات، و يُجرون الحدود و التعزيرات، و يتصرّفون في أموال اليتامى و المجانين و السفهاء و الغيّاب، و يتولّون أنكحتهم، و يعزلون الأوصياء، و ينصبون القوّام، و يقسّمون الأخماس، و يتصرّفون في المال المجهول مالكه، و يؤجرون الأوقاف العامة، إلى غير ذلك من لوازم الرئاسة الكبرى. و نراهم ليس بيدهم فيما يفعلون دليل، و لم يهتدوا في أعمالهم إلى سبيل، بل اكتفوا بما رأوا و سمعوا من العلماء الأطياب، فيفعلون تقليدا بلا اطّلاع لهم على محطّ فتاويهم، فيهلكون و يهلكون، أ أذن اللّه لهم أم على اللّه يفترون؟!. فرأيت أن أذكر في هذه العائدة الجليلة وظيفة الفقهاء، و ما فيه ولايتهم، و من عليه ولايتهم على سبيل الأصل و الكلّيّة. و لنقدّم أولا شطرا من الأخبار الواردة في حق العلماء الأبرار، المعيّنة لمناصبهم و مراتبهم، ثم نستتبعه بما يستفاد منها كلية، ثم نذكر بعد ذلك بعض موارد هذه الكلّية)[4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo