< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: روایات إثبات مبدأ ولایة الفقیه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

الرابع عشر: مما يفيد لإثبات ولاية الفقيه هو خطابة الحسين عليه السلام الذي رواه في تحف العقول بقوله: (من كلامه ع في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و يُروى عن أمير المؤمنين‌ عليه السلام: ثم ذكر القسم الاخير من كلامه عليه السلام ولكن في بعض الكتب القديمة ككتاب سليم بن قيس ورد انه: (لما مات الحسن بن علي ازداد البلاء و الفتنة فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه أو مقتول أو طريد أو شريد، فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليه السلام، و عبد الله بن جعفر، و عبد الله بن عباس معه، و قد جمع الحسين بن علي عليه السلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حج منهم و من لم يحج، و من الأنصار ممن يعرفونه، و أهل بيته، ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، و من أبنائهم و التابعين و من الأنصار المعروفين بالصلاح و النسك إلا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل و الحسين عليه السلام في سرادقه ، عامتهم التابعون و أبناء الصحابة)[1] فجاء في مفتتح كلامه بعد الحمد والثناء ذكر بعض من الآيات القرآنية التي نزلت في علي، وسائر اهل البيت عليهم السلام والاشارة الى جمع من الاحاديث التي ورد بشأنهم و أخذ الاقرار والاعتراف ممن كان حاضرا من الصحابة مجلس رسول الله عند القائها ثم يأتي ما رواه التحف من الخطبة.

و لا غرو ان يكون بعض هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام و ضمّن الحسين عليه السلام كلامه بكلام ابيه. وعلى كل حال كان القاء الحسين عليه السلام لخطبته في عصر معاوية واستيلائه على جميع مقاطع حياة الامة واستسلام العلماء له، واليك نص ما ورد في تحف العقول من الخطبة:

"اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى الْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ (مائدة66) وَ قَالَ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِلَى قَوْلِهِ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «مائدة81» وَ إِنَّمَا عَابَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمُنْكَرَ وَ الْفَسَادَ فَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيمَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ وَ رَهْبَةً مِمَّا يَحْذَرُونَ وَ اللَّهُ يَقُولُ- فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ «مائدة47» وَ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «التوبة72» فَبَدَأَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَ أُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا هَيِّنُهَا وَ صَعْبُهَا وَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَ مُخَالَفَةِ الظَّالِمِ وَ قِسْمَةِ الْفَيْ‌ءِ وَ الْغَنَائِمِ وَ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَ وَضْعِهَا فِي حَقِّهَا".[2] هذه العبارات تفح منها بكل وضوح لزوم تصدي العلماء لتغيير الاجواء الظالمة وخصوصا العبارة الاخيرة فسر فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكافحة الظلم أقامة الحكومة الصالحة التي تتحقق من خلالها تنفيذ جميع الاحكام التي تتعلق بالمجتمع الاسلامي.

ثم تابع الامام قوله مخاطبا للمستمعين مما يستشف منها ان الحضور كان من المثقفين والعلماء والخواص لا عامة الناس فقال:

"ثُمَّ أَنْتُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ عِصَابَةٌ بِالْعِلْمِ مَشْهُورَةٌ وَ بِالْخَيْرِ مَذْكُورَةٌ وَ بِالنَّصِيحَةِ مَعْرُوفَةٌ وَ بِاللَّهِ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ مَهَابَةٌ يَهَابُكُمُ الشَّرِيفُ وَ يُكْرِمُكُمُ الضَّعِيفُ وَ يُؤْثِرُكُمْ مَنْ لَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ لَا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ تَشْفَعُونَ فِي الْحَوَائِجِ إِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ طُلَّابِهَا وَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ بِهَيْبَةِ الْمُلُوكِ وَ كَرَامَةِ الْأَكَابِرِ أَ لَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا نِلْتُمُوهُ بِمَا يُرْجَى عِنْدَكُمْ مِنَ الْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُمْ عَنْ أَكْثَرِ حَقِّهِ تَقْصُرُونَ فَاسْتَخْفَفْتُمْ بِحَقِّ الْأَئِمَّةِ فَأَمَّا حَقَّ الضُّعَفَاءِ فَضَيَّعْتُمْ وَ أَمَّا حَقَّكُمْ بِزَعْمِكُمْ فَطَلَبْتُمْ فَلَا مَالًا بَذَلْتُمُوهُ وَ لَا نَفْساً خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا وَ لَا عَشِيرَةً عَادَيْتُمُوهَا فِي ذَاتِ اللَّهِ أَنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّهِ جَنَّتَهُ وَ مُجَاوَرَةَ رُسُلِهِ وَ أَمَاناً مِنْ عَذَابِهِ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُتَمَنُّونَ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَحُلَّ بِكُمْ نَقِمَةٌ مِنْ نَقِمَاتِهِ لِأَنَّكُمْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ مَنْزِلَةً فُضِّلْتُمْ بِهَا وَ مَنْ يُعْرَفُ بِاللَّهِ لَا تُكْرِمُونَ وَ أَنْتُمْ بِاللَّهِ فِي عِبَادِهِ تُكْرَمُونَ وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَةً فَلَا تَفْزَعُونَ وَ أَنْتُمْ لِبَعْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَفْزَعُونَ وَ ذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ص مَحْقُورَةٌ وَ الْعُمْيُ وَ الْبُكْمُ وَ الزَّمْنَى فِي الْمَدَائِنِ مُهْمَلَةٌ لَا تُرْحَمُونَ وَ لَا فِي مَنْزِلَتِكُمْ تَعْمَلُونَ وَ لَا مَنْ عَمِلَ فِيهَا تُعِينُونَ وَ بِالْإِدْهَانِ وَ الْمُصَانَعَةِ عِنْدَ الظَّلَمَةِ تَأْمَنُونَ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّهْيِ وَ التَّنَاهِي وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ وَ أَنْتُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ مُصِيبَةً لِمَا غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنَازِلِ الْعُلَمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ تَشْعُرُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَجَارِيَ الْأُمُورِ وَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ الْأُمَنَاءِ عَلَى حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ فَأَنْتُمُ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ وَ مَا سُلِبْتُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَفَرُّقِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَ اخْتِلَافِكُمْ فِي السُّنَّةِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ وَ لَوْ صَبَرْتُمْ عَلَى الْأَذَى وَ تَحَمَّلْتُمُ الْمَئُونَةَ فِي ذَاتِ اللَّهِ كَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ وَ عَنْكُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَيْكُمْ تَرْجِعُ وَ لَكِنَّكُمْ مَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ وَ اسْتَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ سَلَّطَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِرَارُكُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَ إِعْجَابُكُمْ بِالْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ مُفَارِقَتُكُمْ فَأَسْلَمْتُمُ الضُّعَفَاءَ فِي أَيْدِيهِمْ فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَعْبَدٍ مَقْهُورٍ وَ بَيْنِ مُسْتَضْعَفٍ عَلَى مَعِيشَتِهِ مَغْلُوبٍ يَتَقَلَّبُونَ فِي الْمُلْكِ بِآرَائِهِمْ وَ يَسْتَشْعِرُونَ الْخِزْيَ بِأَهْوَائِهِمْ اقْتِدَاءً بِالْأَشْرَارِ وَ جُرْأَةً عَلَى الْجَبَّارِ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْهُمْ عَلَى مِنْبَرِهِ خَطِيبٌ يَصْقَعُ فَالْأَرْضُ لَهُمْ شَاغِرَةٌ وَ أَيْدِيهِمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ- وَ النَّاسُ لَهُمْ خَوَلٌ لَا يَدْفَعُونَ يَدَ لَامِسٍ فَمِنْ بَيْنِ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ ذِي سَطْوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَدِيدٍ مُطَاعٍ لَا يَعْرِفُ الْمُبْدِئَ الْمُعِيدَ فَيَا عَجَباً وَ مَا لِيَ لَا أَعْجَبُ وَ الْأَرْضُ مِنْ غَاشٍّ غَشُومٍ «2» وَ مُتَصَدِّقٍ ظَلُومٍ وَ عَامِلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ غَيْرِ رَحِيمٍ فَاللَّهُ الْحَاكِمُ فِيمَا فِيهِ تَنَازَعْنَا وَ الْقَاضِي بِحُكْمِهِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا تَنَافُساً فِي سُلْطَانٍ «3» وَ لَا الْتِمَاساً مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنُرِيَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ يُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَ سُنَنِكَ وَ أَحْكَامِكَ فَإِنْ لَمْ تَنْصُرُونَا وَ تُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ وَ عَمِلُوا فِي إِطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ".[3]

و في هذا المقطع من كلامة صرح بان مجاري الامور لابد ان تكون بيد رجال الدين وعلماء الشريعة وعاتب عتابا شديدا على هؤلاء العلماء الذين لا يهتمون بأمور المسلمين ولا يبالون بما يجري في اوساطهم من الجفاء والظلم والفساد.

نعم هذه الرواية الشريفة ولو سندها على موازين علم الحديث والدراية تصنف في الضعيفة سنداً ولكن ان ابن شعبة الحراني رضوان الله عيه كان من كبار العلماء ممن تخرج في عنده المفيد وامثاله. ثم في مقدمة كتابه يشرح عظمة الروايات التي جاء بها ويعتذر لإسقاط الاسناد بقوله: (و أسقطت الأسانيد تخفيفا و إيجازا و إن كان أكثره لي سماعا و لأن أكثره آداب و حكم تشهد لأنفسها و لم أجمع ذلك للمنكر المخالف بل ألفته للمسلم للأئمة العارف بحقهم الراضي بقولهم الراد إليهم و هذه المعاني أكثر من أن يحيط بها حصر و أوسع من أن يقع عليها حظر و فيما ذكرناه مقنع لمن كان له قلب و كاف لمن كان له لب).[4]

و واقع ما نلمس من هذه الخطبة انها كلمات عظيمة شريفة يستأنس بها العقل و يستلينها القلب. فلا أقل نطمئن بصدورها في الجملة عن المعصوم وان كان احتمال الزيادة والنقصان ليس منتفياً فنستند اليها في تأييد ما ذكرناه بالأسانيد الصحيحة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo