< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: روایات إثبات ولایة الفقیه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

في اليوم الماضي تحدثنا حول مدلول التوقيع المبارك في قوله عليه السلام "وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا- فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ" وقلنا الحوادث الواقعة الف لام فيها للجنس فيفيد قضية حقيقية كلما تحقق لها مصداق ينطبق عليها وعلى فرض التنازل والقول باحتمال كون الف ولام فيها للعهد الذكري في رسالة اسحاق بن يعقوب الى الامام عليه السلام، فتعليل الرجوع الى رواة الحديث بكونهم حجّة عن الامام على الشيعة يفيد عموم الحوادث مهما حدثت واينما وقعت، فرواة حديثهم بديل عن الامام عليه السلام في ظرف عدم امكان الوصول الى الامام عليه السلام في كل ما يحتاجون فيه اليه.

نعم قد ناقشوا في دلالة التوقيع أوّلاً: بأنّ الدلالة متوقفة على كون اللام للجنس في قوله: «أمّا الحوادث الواقعة» و لم يثبت ذلك، فمن المحتمل أن يكون اللام للعهد إشارة إلى حوادث التي ذكرها إسحاق بن يعقوب في كتابه الذي أرسله إليه ونحن لا ندري ما ذا سأل؟، و على هذا التقدير فقوله: «ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم» يكون إرجاعا إليهم في تلك الحوادث المعهودة في الرسالة وهي قضايا خارجية عينية لا تمثل الا انفسها، فلا نستطيع أن نتمسك بإطلاقها لإثبات الولاية المطلقة للفقيه في جميع الحوادث.

و الجواب: أنه خلاف الظاهر حيث ان الجواب الذي نشره اسحاق بن يعقوب لو كان لأسئلة خاصة لأشار إليها و الكليني حيث تلقاها منه تلقاها كمسألة قياسية تشخِّص خطّة العمل للشيعة. مضافا الى ان تمسكنا بالحديث ليس منحصرا في اطلاق الحوادث بل الأهم من ذلك اطلاق كلمة «فإنّهم حجّتي عليكم» فمقتضى إطلاق ذلك هي النيابة المطلقة في كل ما للإمام و يؤيد هذا المعنى اذا لاحظنا ظروف صدور الحديث، و هي غيبة الامام التي قد تطول عقود بل قرون من الزمن، كما ورد عنهم عليهم السلام اخبار عن طول غيبته، فالمشكلة اذاً لا تحصر على حل قضايا في وقائع محدودة، خصوصا تعبير الامام عليه السلام بقوله: «فإنّهم حجتي عليكم» ظاهر في القضية الحقيقية؛ إذ لو كانت ناظرة إلى بعض حوادث معينة كقضية خارجية فحسب فعادة كان يعيّن لها وكيل خاص و لا يعطى الأمر بيد كلّي الرّواة.

و المناقشة الثانية هي: أنّ كلمة «رواة حديثنا» تصرف الكلام إلى أنّ الرجوع إنما هو إلى الرواة بما هم رواة، و ذلك من قبيل الأمر بالرجوع إلى الأطباء مثلا، فإنه يفهم من ذلك الرجوع إليهم بما هم أطباء في معالجة المرضى، و لا يفهم منه الرجوع الى الأطباء في كل شي‌ء.

وفيما نحن فيه الرجوع إلى الرواة بما هم رواة إنما يعني أخذ الروايات عنهم، وأقصاه أخذ الفتوى عنهم باعتبار أن الفتاوى مستنبطة من الروايات، فمعناه الاستفتاء عنهم في الاحكام الشرعية الكلية. فلا يمكن ان نتمسك بالتوقيع لإثبات مرجعيتهم في الأحكام الولائية التي بها يقوم نظام المجتمع، فالحديث أجنبي عن الأحكام الولائية نهائيا. وانما يفيد مقام الافتاء لهم في الاحكام الشرعية لأنهم خبراء فيها.

و يمكن الرد على هذه الشبهة بانّ العنوان مشعر بالعلية، فهم يَصلُحون لان يكونوا نائباً عن الامام لانهم عارفون بسيرتهم و مذاقهم في الحكم فلابد من يريد ان يستنيب عن الامام ان يكون عالما بعلومهم وواقفا بآرائهم، مقرونا بالتقوى والعدالة، وزانه وزان قول الله تعالى: "﴿وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾"[1] فبسطته في العلم والجسم كان ملاكاً لاصطفائه ملكاً. فالإمام عرّف الرواة بما هم رواة حجة له على الناس وهو حجة الله فهم نواب عن الامام في حجيّته وبما ان الحجيّة جاءت مطلقة فتشمل حجيته في اوامره ونواهيه الارشادية والمولوية اي في الفتوى والحكم. نعم لو قال انهم حجتى في نقل الرواية عني او حجتي في الفتوى كان لهذا الاشكال مجال، ولكنه عليه السلام لم يقيد الحجية في شيءٍ فيفيد النيابة في كل ما يكون الامام حجة فيه.


[1] البقرة، الآیة 247.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo