< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اقامة الحد بواسطة المولى على مملوكه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف 43

كان بحثنا حول جواز اقامة الحد من المولى على مملوكه وقد فرغنا عن اثبات ذلك من خلال الروايات وفيها الصحاح مضافاً الى انّ عددها كانت تربوا على الثمانية فثبتت الاستفاضة فيها.

اما صاحب الجواهر بعد ما اشار الى ثلاث روايات تدل على جواز اقامة المولى الحد على مملوكه اشار الى ثلاثة من الادلة او فقل مؤيدات على هذا الحكم فقال:

اولاً: (مضافاً إلى عموم ما دلّ على تسلّط السيد على عبده) أي ان اطلاق التسليط يفيد جواز اقامة الحد أيضاً. ولكن هذه الاستفادة غريب جداً فلو كنا نحن وما ورد في تخصيص تنفيذ الحد بالإمام عليه السلام ومن ينوبه فقاعدة التسلط قاصرة عن تخصيصها كما ان حرمة ايذاء المؤمن لا يخصص بقاعدة التسليط فالمولى لا يجوز له قتل مملوكه ولا قطع بعض اعضائه ولا ضربه من دون سبب، حتى انه يحرم عليه تركه بلا طعام بل لا يجوز سبّه والاهانة اليه كما ان بعض هذه الامور سارية للبهائم ايضاً. فيجب على مالكها تعليفها و سقيها ولا يجوز ان يحملها فوق طاقتها فلا يمكن ان نبيح هذه الامور استنادا الى قاعدة الناس مسلطون على اموالهم.

قال العلامة في المنتهى:(فصل: [في حقوق الدابة]و روى الشيخ عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «للدابّة على صاحبها ستّة حقوق: لا يحمّلها فوق طاقتها، و لا يتّخذ ظهورها مجالس يتحدّث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل، و لا يسمها و لا يضربها في وجهها و لا يضرّ بها فإنّها تسبّح، و يعرض عليها الماء إذا مرّ بها». وورد النهي عن سب الدابة والنهي عن ضربها في وجهها.[1]

ثانياً: قال: (و مضافاً إلى ما عن الكركي من أنه ذكر أصحابنا أنه قد ورد بذلك رخصة) وهذه العبارة كذلك لا يزيدنا شيئا بعد ما سمعنا من أقوال الفقهاء مما افاد شهرة كادت ان تكون اجماعا محصلاً.

ثالثاً: قال: (بل يمكن دعوى القطع من السيرة بجواز التعزيرات له التي هي قسم من الحدود أيضا) ان التمسك بسيرة المسلمين انما تفيدنا اذا ثبت اتصالها بعصر المعصومين وعدم ردعهم عنها ولكن تعامل عامة الناس مع عبيدهم وامائهم لا يدل على جواز ما كانوا يفعلونه فان الاعتداء على العبيد والاماء كان امرا رائجاً في اوساط المسلمين وغيرهم كما ان الاعتداء الى الضعفاء كان متداولاً في اوساط المسلمين ومنها الاعتداء على النساء و خصوصا على الزوجات، ولكن في هذه المسألة تغنينا الروايات من التمسك بالسيرة.

ثم قال في نهاية المطاف: (والمناقشة باحتمال الإذن الخاصة من الإمام عليه السلام واضحة الفساد في غير خبر عنبسة المحمول على غيره، و بذلك كله يقيد حينئذ ما دل على أن الحد للإمام عليه السلام أو لمن يأذن له، مع إمكان كون ذلك إذنا منه على جهة العموم، فيتساوى حينئذ الإذن في الحكم). فاراد ان يبين إباء ظاهر الروايات عن حملها على الإجازة الخاصة من المعصومين في مورد اقامة الحد على مماليكهم بل هي ظاهرة في بيان حكم الله تعالى بشكل عام، وان تنازلنا و تسلمنا كونها اذن منهم عليهم السلام فإنّما هي اذن عام يكون مساوقاً لبيان الحكم الشرعي في محصل الامر.

ولكن يمكن الملاحظة في جعل الاذن العام مساويا للحكم. بان الاذن لفترة معينة ولصقع معين لعامة الناس امر محتمل ولكنه لا يساوق الحكم الشرعي من الشارع المقدس واذا كان الاذن مستمراً الى يوم القيامة ولجميع الناس، فهذا تشريع لا يكون الا لله تعالى. وقيل انه قد اذن الله لرسوله في وضع بعض الاحكام تشريفاً له بعد ما استأذن ربه، كما يذكر ذلك بالنسبة الى الركعتين الاخيرتين من صلوات الظهرين والمغرب، ولكن لم يرد هذا الشأن لغير النبي صلوات الله عليه وعلى آله.

ثم هناك فروع تناسب البحث وفيها خلاف بين الفقهاء، منها:

ما ذكره الشهيد في المسالك من الشرط فقال( و شرطه العلم بمقادير الحدود، لئلّا يتجاوز حدّه، و مشاهدة الموجب، أو إقرار المملوك الكامل به. أمّا ثبوته بالبيّنة فيتوقف على الحاكم الشرعي)[2] .فنقول: ان قلنا ان البينة تقع مقام العلم في نظر الشارع مطلقاً كما هو المشهور، فلا وجه لعدم جواز الحد للمولى على عبده عند قيام البينة، ولكن ان قلنا انما البينة حجة في مقام القضاء للقاضي كالحلف فكلام الشهيد لا بأس به.

ومن الفروع التي ذكر هنا: هل جواز اقامة الحد من المولى على مملوكه انما هو مشروط بعدالة المولى؟ او يشمل الفاسق ايضاً؟ و عن البهائي رحمه اللّٰه في أربعينه عن بعض العلماء زيادة أنه لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلا بعد كون الآمر و الناهي متجنبا عن المحرمات و عدلا، لقوله تعالى: ﴿أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ و قوله تعالى:﴿لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ﴾ و قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ﴾ و‌ قول الصادق عليه السلام في خبر محمد بن عمر المروي عن الخصال و عن روضة الواعظين: «إنما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه» ‌و قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: «و أمروا بالمعروف و ائتمروا به، و انهوا عن المنكر و انتهوا عنه، و إنما أمرنا بالنهي بعد التناهي» ‌و في الخبر «و لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به، و لا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه»‌ على أن هداية الغير فرع الاهتداء، و الإقامة بعد الاستقامة،. فيمكن القول بعدم جواز اقامة الحد للفاسق بالأولوية، لان الحد من اشد مراحل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ويرد على هذه الادلة: بان الآية الاولى انما تعاتب على نسيان النفس في البرّ لا النهي عن الامر به ، و آية الثانية و الثالثة ايضاً تدل على ذم غير العامل بما يأمر به لا على عدم الوجوب عليه، الذم على ما نقول به او نتعهد به ثم لا يطابق فعلنا مع قولنا او لا نفي بوعدنا، و اما قول الصادق عليه السلام فهو في مقام الخصال التي تأثر في المأمور والمنهي وتحرّضه على طاعة الآمر والناهي، وما في النهج عن علي عليه السلام في بيان لزوم الإئتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر و اولوية النفس على الغير و ليس في مقام بيان نفي الوجوب على من ليس ملتزماً بالعمل. والخبر الأخير كذلك في بصدد بيان وجوب العمل بالمعروف والاجتناب عن المنكر على الآمر والناهي لا عدم وجوب الامر والنهي على تارك المعروف والفاعل للمنكر.

وان ابيتم هذه الظهورات التي قلناه فنقول: رعاية لاطلاق ادلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجماع الذي عليه فقهائنا لابد من حملها على ما قلناه وبما لا يصطدم مع الاطلاقات ومفاد الاجماع. واما تفرع هداية الغير على الاهتداء انما هو في الهداية العلمية ولكن في مقام العمل كم من واعظ ليس بمتعظ وكم من عالم يعلم الناس ولا يعمل بعلمة الذي يقال بالنسبة اليهم الكلام المعروف: انظر الى ما قال ولا تنظر الى من قال. فاذا لم يثبت اشتراط العدالة في الآمر والناهي فلا يبقى دليل للزوم عدالة مولى المقيم للحد على مملوكه.

 


[1] منتهى المطلب ج15ص259.
[2] مسالك الأفهام الى تقرير شرائع الاسلام ج3ص106.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo