< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنفيذ بالفعل/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

و من [كلام‌] وصية له ع وصى [به‌] بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام‌

اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ [مَسَاءٍ وَ صَبَاحٍ‌] صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَ لَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ [مَكْرُوهِهِ‌] مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ [لِنَزَوَاتِكَ‌] لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعا كان بحثنا في حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من انه هل يجوزان وإن أدّى الى جرح او قتل المأمور والمنهي؟ او لا يجوز الا بإذن الامام المعصوم او من ينوب عنه من الفقهاء؟ وذكرنا قول المجوّزين مطلقا وقول من يجوّز في غيرالقتل كالشهيد الثاني ومن لا يجوّز مطلقاً كالشيخ في النهاية.

إن صاحب الجواهر بعد ذكر القائلين بجواز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو انتهى الى الجرح والقتل قال: (و قيل و القائل الشيخ و الديلمي و القاضي و فخر الإسلام و الشهيد و المقداد و الكركي على ما حكي عن بعضهم لا يجوز إلا بإذن الإمام عليه السلام بل في المسالك هو أشهر، بل في مجمع البرهان هو المشهور بل عن الاقتصاد الظاهر من شيوخنا الإمامية أن هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلا للأئمة عليهم السلام أو لمن يأذن له الإمام عليه السلام فيه و هو الأظهر). فوافق المصنفَ في ذلك وأيّد رأيه بأقوال كثير من الفقهاء مما جعله قريب الى الاجماع.

ثم بدء بالاستدلال فقال: (للأصل السالم عن معارضة الإطلاق المنصرف إلى غير ذلك) الى أن قال: (كل ذلك مضافاً إلى ما في جواز ذلك لسائر الناس عدولهم و فساقهم من الفساد العظيم و الهرج و المرج المعلوم عدمه في الشريعة، خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي غلب النفاق فيه على الناس، و بالجملة لا يكاد ينكر اقتضاء تجويز ذلك لسائر الناس على مقتضى إطلاق وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فساد النظام، فدعوى اقتضاء إطلاق ما دل على وجوبهما خصوصاً ما دلّ منه على وجوبهما باللسان و اليد الشاملة للجرح و القتل واضحة الفساد، كدعوى اقتضاء وجوبهما على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و الإمام عليه السلام على هذا الوجه الوجوب على الناس أيضا كذلك للتأسّي، و لأصالة الاشتراك، و أوضح منهما فسادا الاستدلال على ذلك بأنهما إنما وجبا لمصلحة العالم فلا يقفان على شرط كغيرهما من المصالح بعد ما عرفت من اقتضاء وجوبهما على هذا الوجه فساد نظام العالم)

ولكن نحن نقول: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان والقلب بالمعنى الذي فسروه من اظهار الكراهة بالهجران او ترك المجلس وما شابه ذلك لا بأس به مع توفر الشروط المذكورة، ولكن القول بوجوب استعمال اليد لعامة الناس ولو لم ينته الى الجرح والقتل ايضا يستلزم منه الاخلال بالنظام الاجتماعي فما قاله الشيخ في النهاية هو الاقرب، نعم يجوز استعمال اليد للتنبيه والتربية للولي على المولى عليه كالأب بالنسبة الى اولاده الصغار او القيّم الصغار بالنسبة الى المقيم لهم و كذلك للمولى على عبيده وامائه، كما ورد هذه الموارد في النصوص من ضرب الاولاد على الصلاة والعبد والامة كذلك وانما يجوز الضرب او الحبس وما شابه ذلك بقصد التربية و الزامهم على رعاية الواجبات وترك المحرمات بل قد يجوز في مستحبات والمكروهات اذا رأى الولي مصلحة المولّى عليه في ذلك. ولكن لا يجوز ضربهم للتشفي وافراغ الغيظ والعصبية واذا انتهى الضرب الى الجرح وما له الدية يجب عليه دفعها والتوبة الى الله اذا كان عن عمد او افراط او تفريط.

ولكن عامة الناس ليس لهم هذا الخيار فكيف بالوجوب. وما ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما اراد ان يبيّن وجوب اقامتهما على المجتمع ومثاله مثال الخطابات القرآنية الى المؤمنين في الحدود والجهاد قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[1]

وقوله تعالى: ﴿وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[2]

وقوله تعالى: ﴿وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[3]

وقوله تعالى: ﴿وَ مَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ [4]

وقوله تعالى: ﴿"قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُونَ﴾[5]

فجل آيات الجهاد يخاطب المؤمنين ولكن ليس معناه كل واحد من المؤمنين له ان يتفرّد في القتال او اجراء الحدود.

كذلك الآيات التي وردت في القرآن في خصوص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تريد منا ان نقيمهما من دون قانون ولا انضباط فقوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» توجب علينا ان نقيم بجهاز للقيام بفريضة الامر بالمعروف

و قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ هذه الآية كذلك لا دلالة فيها على وجوب عمل فردي كالصلاة.

و قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ في هذه الآية جعل القيام بهذه الفريضة عند التمكن في الارض وهو بمعنى قيام حكومة راسخة.

كما ان امير المؤمنين عليه السلام انشأ قوة لتنفيذ الاحكام و مراقبة الاسواق سماه شرطة الخميس.

نعم يجب على الناس أن يختاروا لتسيير الامور و تطبيق القيم والاحكام اماماً ويقفوا معه ويطيعوه ويدعموه فيجب عليهم أن يعترفوا بالإمام المعصوم ويتولونه على انفسهم واموالهم واعراضهم وذويهم. وادلة ولاية الفقيه تفيدنا بانّ الفقهاء هم اولياء الناس في ظروف لا يصل أيدهم الى الامام، فقول الصادق عليه السلام: "انظروا الى من كان منكم ممن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فاجعلوه عليكم حاكما فاني قد جعلته عليكم حاكما" يدل على النيابة العامة حتى في عصر ظهور الائمة في اماكن البعيدة التي ليس الامام بمتناول اليد ولم يعين لهم وكيلا خاصاً.

وفي الأماكن التي لا يتوفر فقيهاً قادراً على ادارة الامور عليهم ان يختاروا من بينهم من عدول المؤمنين من يكفيهم هذه المهمة.

ولذلك كان فقهائنا في كثير من البلاد يبادرون بجعل القيم على الصغار والمتولي للموقوفات و احيانا اجراء الحدود و التعزيرات وغيرها من الامور الحسبية التي لا يرضى الشارع بتعطيله منها القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الجاهلين والزام المبلغين الى المناطق الشاغرة عن العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo