< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنفيذ بالفعل/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

قد ناقشنا قولين في استعمال اليد في النهي عن المنكر: من ذهب الى وجوب النهي عن المنكر بلغ ما بلغ، ولو بالجرح والقتل، وهو قول المرتضى الشيخ في التبيان والعلامة في عدة كتبه ومن ذهب الى الاقتصار بالنهي القلبي واللساني وهو قول الشيخ في النهاية وبما ان هذه المسألة لها اهميتها ووددت ان اقف عنها اكثر مع اقوال الفقهاء وادلتهم:

قال الشيخ في الاقتصاد الهادي الى الرشاد: (و الغرض بإنكار المنكر أن لا يقع، فإذا أثر القول و الوعظ في ارتفاعه اقتصر عليه، و ان لم يؤثر [جاز أن يغلظ في القول و يشدد، فإن أثّر اقتصر عليه، و ان لم يؤثِّر] وجب أن يمنع منه و يدفع عنه و ان أدى ذلك الى إيلام المنكر عليه و الإضرار به و إتلاف نفسه بعد أن يكون القصد ارتفاع المنكر أن لا يقع من فاعله و لا يقصد إيقاع الضرر به. و يجري ذلك مجرى دفع الضرر عن النفس في انه يحسن و ان أدى الى الإضرار بغيره. غير أن الظاهر من مذهب شيوخنا الإمامية أن هذا الضرب من الإنكار لا يكون إلا للأئمة أو لمن يأذن له الامام فيه، و كان المرتضى رضي اللّه عنه يخالف في ذلك و يجوّز فعل ذلك بغير اذنه، قال: لان ما يفعل بإذنهم يكون مقصودا، و هذا يخالف ذلك لأنه غير مقصود، و انما القصد المدافعة و الممانعة فإن وقع ضرر فهو غير مقصود).[1] (الاقتصاد ص150)

قال الشيخ في التبيان في ذيل قوله تعالى: ﴿وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[2] قال: (فان قيل هل يجب في إنكار المنكر حمل السلاح؟ قلنا: نعم إذا احتيج إليه بحسب الإمكان، لأن اللَّه تعالى قد أمر به، فإذا لم ينجح فيه الوعظ و التخويف، و لا التناول باليد وجب حمل السلاح، لأن الفريضة لا تسقط مع الإمكان إلا بزوال المنكر الذي لزم به الجهاد إلا أنه لا يجوز أن يقصد القتال إلا و غرضه إنكار المنكر. و أكثر أصحابنا على أن هذا النوع من إنكار المنكر لا يجوز الاقدام عليه إلا بإذن سلطان الوقت. و من خالفنا جوز ذلك من غير الاذن مثل الدفاع عن النفس سواء. و قال البلخي: إنما يجوز لسائر الناس ذلك إذا لم يكن إمام، و لا من نصبه، فأما مع وجوده، فلا ينبغي، لأحد أن يفعل ذلك إلا عند الضرورة).[3]

وقال الشيخ في ذيل قوله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[4] (فعلينا إزالة المنكر بما يقدر عليه من الأمور الحسنة دون القبيحة، لأنه لا يجوز إزالة قبيح بقبيح آخر، و ليس لنا أن نترك أحدا يعمل بالمعاصي إذا أمكننا منعه منها سواء كانت المعصية من أفعال القلوب مثل اظهار المذاهب الفاسدة أو من أفعال الجوارح، ثم ننظر، فان أمكننا إزالته بالقول، فلا نزيد عليه، و ان لم يمكن إلا بالمنع من غير إضرار لم نزد عليه، فان لم يتم إلا بالدفع بالحرب، فعلناه على ما بيناه فيما تقدم، و ان كان عند أكثر أصحابنا هذا الجنس موقوف على السلطان أو اذنه في ذلك. و انكار المذاهب الفاسدة، لا يكون إلا بإقامة الحجج و البراهين و الدعاء إلى الحق، و كذلك إنكار أهل الذمة فأما الإنكار باليد، فمقصور على من يفعل شيئاً من معاصي الجوارح، أو يكون باغياً على إمام الحق)[5]

قال العلامة في المختلف: (لو افتقر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الى ضرب من التأديب و الإيلام‌ و الإضرار به و الجراح و إتلاف نفسه، قال الشيخ في الإقتصاد: الظاهر من مذهب شيوخنا الإماميّة انّ هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلّا للأئمّة- عليهم السلام- أو لمن يأذن له الامام فيه، ثمَّ قال: و كان المرتضى- رحمه اللّه- يخالف في ذلك و يقول: يجوز فعل ذلك بغير إذنه، لأنّ ما يفعل بإذنهم يكون مقصودا، و هذا بخلاف ذلك، لأنّه غير مقصود، و انّما قصده المدافعة و الممانعة، فإن وقع ضرر فهو غير مقصود. و الشيخ وافق المرتضى في كتاب التبيان و نصره و ضعّف ما عداه، و في النهاية قال بقوله في الاقتصاد. و قال سلار: و أمّا القتل و الجراح في الإنكار فإلى السلطان و من يأمره ، و أبو الصلاح لم يشترط السلطان في ذلك، و به قال ابن إدريس ، و ابن البراج اشترط اذن الامام. و الأقرب ما قاله السيد).

ثم يستدل لقوله بأربعة ادلة فقال: (لنا: عموم وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) ثم استند الى روايات قد ذكرنا ها سابقا. ثم اضاف دليل آخر بقوله: (و لأنّهما واجبان لمصلحة العالم، فلا يقعان على شرط كغيرهما من المصالح). كانه اراد ان يقول رعاية المصالح الاجتماعية اولى من رعاية حقوق الافراد فاذا تنافيا تقدم مصلحة العامة.

ثم قال: (و لأنّهما واجبان على الامام- عليه السلام- و النبي- صلّى اللّه عليه و آله- فيجب علينا كما وجب عليهما، لوجوب التأسّي). ثم اشار الى رأي المخالف ودليله فقال: (احتج الآخرون بوجوب عصمة النفوس و تحريم الإقدام على إراقة الدماء. و الجواب: المنع من ذلك مطلقا).

و الشهيد الثاني رضوان الله عليه تسلم القول بجواز هما ولو انتهى الى الجرح ولكن لم يرتض وصولهما الى القتل فقال: (لأنّ الأدلّة لا تتناوله، لفوات معنى الأمر و النهي معه، إذ الغرض من هذه المراتب ارتكاب المأمور أو المنهي لما طلب منه. و شرطه تجويز التأثير، و هو لا يتحقق مع القتل، و كونه مؤثرا في غير المأمور و المنهي غير كاف، لأنّ المعتبر بالذات هو، و الشرط معتبر فيه خاصة)[6] .

ولنا في هذا التخصيص مناقشة فان الغرض في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حصراً على المأمور والمنهي بل مهمة هذه الفريضة نشر المعروف و اماتة المنكر سواء بالنسبة الى من يوجه الخطاب اليه او الى غيره كما ان من مصلحة اجراء الحدود هو تنبه الآخرين ايضاً و لذلك قال تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" وندب الشارع الى الإشهار بالحدود. فمن كان مصراً على المنكر او كان متجاهراً بترك المعروف الواجب، فان انتهى عن معصيته بما دون القتل فبها، والّا فبقتله تنتفي فعله في الخارج ولو بسلب الموضوع و يتّعظ الآخرون من ذلك ولذا ورد في الحديث بما مضمونه: أنّ بركة إجراء حدٍّ من حدود الله أكثر من بركة نزول المطر اربعين يوماً. كما أنّ تارك الصلاة او المفطر في شهر رمضان من دون عذر المتجاهر بهما يعزّر مرتين او ثلاثاً فان لم يرتدع يقتل في الثالثة او الرابعة.

 


[1] الاقتصاد ص150.
[2] سوره آل عمران/ .یه 104.
[4] سوره .آل عمران/آيه 113.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo