< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: دفع المنکر بالقلب/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

في مراتب الأمر بالمعروف قال المصنف: (يجب دفع المنكر بالقلب أولا كما إذا عرف أن فاعله ينزجر بإظهار الكراهية و كذا إن عرف أن ذلك لا يكفي و عرف الاكتفاء بضرب من الإعراض و الهجر وجب و اقتصر عليه. و لو عرف أن ذلك لا يرفعه انتقل إلى الإنكار باللسان مرتبا للأيسر من القول فالأيسر. و لو لم يرتفع إلا باليد مثل الضرب و ما شابهه جاز. و لو افتقر إلى الجراح أو القتل هل يجب قيل نعم و قيل لا إلا بإذن الإمام و هو الأظهر)

هناك كلام عند الفقهاء بانه: ما مدى صلاحية عامة المكلفين في تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذه المراحل؟ فالمصنف اجاز التنفيذ بالقلب و باللسان اما باليد، فإنّما أجاز ذلك بما لا ينتهي الى الجرح او القتل. فهذه المرحلة خارجة عن صلاحية عامة المكلفين الا بإذن الإمام. وهنا معركة الآراء بين الفقهاء.

قال في الجواهر: (قيل و القائل السيد و الشيخ في التبيان و الحلبي و العجلي و الفاضل في جملة من كتبه و يحيى بن سعيد و الشهيد في النكت على ما حكي عن بعضهم نعم يجب)

و قيل و القائل الشيخ و الديلمي و القاضي و فخر الإسلام و الشهيد و المقداد و الكركي على ما حكي عن بعضهم لا يجوز إلا بإذن الإمام عليه السلام بل في المسالك هو أشهر، بل في مجمع البرهان هو المشهور بل عن الاقتصاد الظاهر من شيوخنا الإمامية أن هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلا للأئمة عليهم السلام أو لمن يأذن له الإمام عليه السلام فيه و هو الأظهر)

قال الشيخ في النهاية: (و الأمر بالمعروف يكون باليد و اللّسان. فأمّا باليد، فهو أن يفعل المعروف و يجتنب المنكر على وجه يتأسّى به النّاس. و أمّا باللّسان، فهو أن يدعو النّاس الى المعروف، و يعدهم على فعله المدح و الثّواب، و يزجرهم، و يحذرهم في الإخلال به من العقاب. فمتى لم يتمكّن من هذين النّوعين، بأن يخاف ضررا عليه أو على غيره، اقتصر على اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف بالقلب، و ليس عليه أكثر من ذلك). فهو حصر بالقلب واللسان و فسر اليد بما لا يجري على فاعل المنكر او تارك المعروف وانما هو ما يقوم بنفس المكلف بهما فهو من اقسام الموعظة.

ثم يصرح بعدم جواز استعمال اليد في تنفيذهما الا بإذن الحاكم فقال: (و قد يكون الأمر بالمعروف باليد بأن يحمل النّاس على ذلك بالتأديب و الرّدع و قتل النّفوس و ضرب من الجراحات، إلّا أنّ هذا الضّرب لا يجب فعله إلّا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرّئاسة. فإن فقد الإذن من جهته، اقتصر على الأنواع التي ذكرناها. و إنكار المنكر يكون بالأنواع الثلاثة التي ذكرناها: فأمّا باليد، فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب: إمّا الجراح أو الألم أو الضّرب، غير أنّ ذلك مشروط بالإذن من جهة السّلطان حسب ما قدّمناه. فمتى فقد الإذن من جهته اقتصر على الإنكار باللّسان و القلب. و يكون الإنكار باللّسان، بالوعظ و الإنذار و التّخويف من فعله بالعقاب و الذّمّ. و قد يجب عليه إنكار المنكر بضرب من الفعل، و هو أن يهجر فاعله، و يعرض عنه و عن تعظيمه، و يفعل معه من الاستخفاف ما يرتدع معه من المناكير)[1]

و قال محقق الأردبيلي في مجمع الفوائد والبرهان في شرح ارشاد الاذهان: (قوله: (و لو افتقر الى الجراح أو القتل افتقر إلى اذن الامام على رأى)هذا هو المشهور و يشعر ما نقل- في المنتهى عن الشيخ- بالإجماع، و نقل الجواز بغير اذنه عن السيد المرتضى و الشيخ في التبيان أيضا و قال: و هو عندي قوى.

و دليل السيد: ان المنع عن المنكر واجب مهما أمكن مع الشرائط، و الجرح و القتل مرتب على المنع و الدفع، لا انه مقصود أصالة، و الموقوف على اذنه هو الذي يكون مقصودا بالذات مثل الحدود و التعزيرات، لا الذي يحصل بالعرض بسبب الدفاع مثل الدفع عن المال و النفس الذي يؤل الى الجرح.

هذا صحيح لو سلم وجوب المنع بمهما أمكن مع الشرائط، و الدليل عليه غير واضح، و دليل الأمر و النهي لا يدل عليه، لان الجرح و القتل ليسا بأمر و لا نهى، و دلالة دليلهما على أكثر من ذلك غير ظاهر. و ليس العقل مستقلا بحيث يجد قبح المنكر الواقع و حسن الجرح و القتل لدفعه. و الأصل عدم الوجوب، بل لا يجوز الإيلام إلا بدليل شرعي لقبحه عقلا و شرعا، بل لو لم يكن جوازهما بالضرب إجماعياً، لكان القول بجواز مطلق الضرب بمجرد أدلتهما المذكورة، مشكلا.

و يمكن الاستدلال على مذهب السيد: بأنه لو لم يكن ذلك، يلزم كثرة الفساد في زمان الغيبة، لأمن الناس من الجرح و القتل.

و قد يمنع فان الضرب و نحوه مانع (مع خ ل) من ان الحد ممنوع من غير لزوم محذور، مع أنّ موجبه أكثر فسادا لتعلقه بالنفس و البضع و المال. و يمكن تجويز القصاص من بين الحدود كما صرح به البعض، و ان قال المصنف بعدمه أيضا، و سيجي‌ء في باب الحدود. و قد علم مما تقدم سبب الخلاف في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذا أدّى الى القتل و الجرح و عدمه في الحدود، لكونه مقصودا بالذات فيناط بالإمام، و الجرح و القتل فيهما ليسا بالذات بل بالتبع و لأجل الدفاع، فتأمل. و لعل في بعض الروايات إشارة إلى عدمهما بمهما أمكن مثل رواية يحيى الطويل المتقدمة و ما روى في نزول ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً﴾ و في بعضها إشارة إليهما مهما أمكن: مثل ما في رواية جابر عن ابى جعفر عليه السّلام: ان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحل المكاسب و ترد المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الاعداء، و يستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، (إلى قوله):فجاهدوهم بأبدانكم، و أبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا، و لا مريدين بالظلم ظفرا، حتى يفيئوا إلى أمر اللّه، و يمضوا على طاعته. قال: (أبو جعفر- يب) و اوحى اللّه الى شعيب النبي عليه السّلام انى معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم و ستين ألفا من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ اليه داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي.

و روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: من ترك إنكار المنكر بقلبه و لسانه و يده فهو ميت بين الاحياء.

و عن الصادق عليه السّلام انه قال لقوم من أصحابه انه قد حق لي ان آخذ البري منكم بالسقيم (بالشقي خ ل) فكيف لا يحق لي ذلك و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه.

فيها دلالة على وجوب المهاجرة عن الفاسق فافهم، و الدلالة غير بعيدة في بعضها، لكن الصحة غير واضحة)[2] .


[1] النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص299.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo