< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الثالث/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

كان كلامنا في الشرط الثالث للامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال المصنف:

(و أن يكون الفاعل له مصراً على الاستمرار‌فلو لاح منه أمارة الامتناع أو أقلع عنه سقط الإنكار). وقد فرغنا من دليل المسألة والإشارة الى الاقوال فيها واليوم أودّ ان أقف معكم شيئا مع كلام الجواهر فان فيه ما يزيدنا نفعاً في استيعاب جوانب الحكم.

قال في الجواهر:(الثالث أن يكون الفاعل له أي المنكر و لو ترك الواجب‌، مصراً على الاستمرار، فلو لاح منه أمارة الامتناع عن ذلك سقط الإنكار بلا خلاف مع فرض استفادة القطع من الأمارة بل و لا إشكال، ضرورة عدم موضوع لهما، بل هما محرمان حينئذ كما صرح به غير واحد،)

هنا يطرح سؤال نفسه وهو: ما وجه الحرمة؟ فانه قد يكون النهي او اللوم علي المعصية سببا لتنبّه سائر الناس ايضا وعدم ميلهم الى هذا الحرام وقد نرى ان الله تعالى حدد لبعض المحرمات حدودا تجرى على المرتكب ولو كان تائباً، فلعلّ من حكم بحرمتهما قال بها لما قد يكون فيه اهانة اوايذاء للمرتكب او ان الامر بالواجب والنهي عن الحرام حافز للجاج والتورط في المعصية فان كثرة الملامة تشب نار اللجاجة حكم ولو لا ذلك لا وجه للتحريم.

ثم قال رضوان الله عليه: (كما أنه لا إشكال في عدم السقوط بعد العلم بإصراره، إنما الإشكال في السقوط بالأمارة الظنية بامتناعه كما هو مقتضى المتن و غيره باعتبار إطلاق الأدلة، و استصحاب الوجوب الثابت، اللّٰهمّ إلا أن يريد الظن الغالب الذي يكون معه الاحتمال وهماً، لا يعتد به عند العقلاء، كما سمعته آنفا، بل قد يقال بوجوبهما في حال عدم العلم بالإصرار، للحكم بفسقه ما لم تعلم توبته، فيجري عليه حينئذ جميع الأحكام التي منها أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر ما لم تتحقق التوبة، و لو بالطريق الذي يتحقق به مثلها من إظهار الندم و نحوه). نعم يمكن الاشكال في هذا الاستدلال بان هذا يعني استصحاب عدم التوبة التي مساوق للفسق الذي هو موضوع لجواز توجيه الامر والنهي اليه. وقد يدافععن الاستصحاب بان عدم التوبة والفسق لا تغاير بينهما في نظر العرف بحيث يعتب العرف اثبات احدهما اثبات للآخر بالوحدة لا بالملازمة كي يأتي اشكال المثبتية.

ثم بعد ما دافع الجواهر عن القول بان عدم الاصرار مسقط لوجوب النهي عن المنكر فرد على قول من جعل الاصرار على المعصية شرط لوجوب النهي عن المنكر فقال:

(و من ذلك ينقدح الإشكال فيما عن السرائروالإشارة و الجامع من كون شرط وجوبهما ظهور أمارة الاستمرار، بل و فيما عن جماعة من كون الشرط الإصرار) واليك نص كلام الاعلام المذكورة فوقها: وقال بن ادريس: (أن يكون هناك أمارة الاستمرار عليه)[1] وقال يحيى بن سعيد الحلي: (و ظنه استمراره من المرتكب، أو المخل)[2]

قال الشيخ علي بن الحسن الحلبي:(و ظهورأمارات استمرار ما يجب إنكاره مستقبلا)[3]

ثم تابع بحثه في الجواهر فقال: (و لعل الأولى جعل الشرط عدم ظهور أمارة الإقلاع، بل لا بد من تقييد الأمارة بما يكتفى بمثلها في تحقق التوبة، بل لعل هذا هو المراد مما في الدروس من القطع بالسقوط لو لاح منه أمارة الندم، و لذا قال في الكفاية بعد حكايته عنه: و هو حسن إن أفادت الأمارة غلبة الظن، و حينئذ فلو شك في امتناعه و عدمه اتجه الوجوب كما صرح به في المسالك، قال فيها في شرح العبارة: لا إشكال في الوجوب مع الإصرار، و إنما الكلام في سقوطه بمجرد ظهور أمارة الامتناع، فإن الأمارة علامة ضعيفة يشكل معها سقوط الواجب المعلوم، و في الدروس أنه مع ظهور الأمارة يسقط قطعا، و يلحق بعلم الإصرار اشتباه الحال فيجب الإنكار و إن لم يتحقق الشرط الذي هو الإصرار، و مثله القول‌ ‌في الأمر بالمعروف، و هو موافق لكثير مما ذكرناه، خلافا لما سمعته من ظاهر السرائر و الجامع و الإشارة من اعتبار ظهور أمارة الاستمرار في الوجوب، بل و ظاهر من اعتبر الإصرار في الوجوب أيضا، ضرورة مخالفة ذلك كله لإطلاق الأدلة)،

ثم طرح خلاف آخر بين الفقهاء فقال: (و هل يكفي مجرد الامتناع أو لا بد من التوبة؟ استظهر بعض الناس من أكثر الأصحاب السقوط بالأول، ثم قال: نعم إن ظهر استمراره على ترك التوبة كان اللازم أمره بها، و لكن هذا غير الأمر بالمعروف الذي وجب عليه التوبة بتركه، و في الكفاية قالوا: لو ظهر الإقلاع سقط، و لا ريب فيه إن كان المراد بالإقلاع الندم، و لو كان مجرد الترك ففيه تردد، قلت: لا ريب في أولوية مراعاة التوبة كما أشرنا إليه سابقا، و اللّٰه العالم).[4]

والحق ان مجرد العلم بالاقلاع يكفي في سقوط التكليف بالنهي عن هذا الحرام الذي ارتكب او الامر بالواجب الذي ترك. وانما هناك واجب آخر وهو امره بالندم والتوبة الى الله عن الحرام الذي ارتكبه او الواجب الذي اهمله.

هنا ينبغي ان نلفت انتباهكم على ان سياق هذه المباحث في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما هو في مصداقهما الفردي ولكن في المصاديقهما العامة الاجتماعية والسياسية، من مكافحة الفساد وترويج القيم و الخيرات كلما زاد حالات الداعية الى الخير والاصلاح و مزيلة للفساد والاباحية فهو مطلوب بل قد لا يكفي القليل من الكثير بل يجب دائما السعي في رفع المستوى التربوي في المجتمع الاسلامي.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo