< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: شرط الثانی/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

بعد ما فرغنا من البحث عن الشرط الاول للامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو العلم بهما وقلنا يجب كفاية على المكلفين ان يتعلموا الاحكام ليقوموا بهذه الفريضة و ذكرنا سعة نطاقها لجميع انحاء الحياة البشرية و عممنا هذه الفريضة لكل ماهو محقق للقيم الاسلامية و نافي للمحرمات وما يجب على الناس ان يجتنبوا منه و منجهة اخرى، لزوم توظيف جميع الطاقات والوسائل والفرص الميسورة في طريق انجاز هذه المهمة نأتي الى الشرط الثاني ، فقل المحقق:

(الثاني أن يجوز تأثير إنكاره، فلو غلب على ظنه أو علم أنه لا يؤثر لم يجب)

وقد ورد في المنتهى نفس العبارة الا انه زاد: ( و قد جعل أصحابنا هذا شرطا على الإطلاق، و الأولى أن يجعل شرط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باليد و اللسان دون القلب)[1] .

وهذا الامر واضح اذ انّ ما في القلب ما لم يخرج له اثر في الخارج ليس مصداقا للنهي. نعم هو انكار للمنكر او رضا بالمعروف وليسا من النهي والامر بشيءٍ وما ورد في الجواهر من التبرير بعد ايراد الاشكال عليه بقوله: (فلا بد من اعتبار أمر آخر في المرتبة الأولى به تعدّ في الأمر و النهي، و هو إظهار عدم الرضا بضرب من الإعراض و إظهار الكراهة و نحو ذلك). وهذا الكلام منه متين ولكنه يدخل اما في اللفظي واما في العملي خصوصا بما بيناه من ان كل قول او عمل داعي الى القيم و الى ما دعا اليه الاسلام فهو معدود في الامر بالمعروف بمعناه الواسع وكل قول او عمل نافي للمنكرات و و يوجب التزهيد فيها هو من النهي عن المنكر بمعناه الواسع.

وعلى كل حال لا شك في سقوط الوجوب عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذ علم انهما لا يؤثران في المخاطب وهذا مما لا خلاف فيه. انما الخلاف فيما اذا لم يتيقن بعدم التاثير وانما غلب على ظنه بعدم التأثير فالمشهور كالمصنف والعلامة وغيرهما من الفقهاء الحقوه بالعلم في سقوط التكليف. ولعل الوجه في ذلك الحاق الظن الغالب بالعلم عند العرف.

ومنهم من تمسك باطلاق ادلة وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فاثبت وجوبهما وانما أخرج عن الوجوب مورد العلم بعدم التأثير فبقي ما سواه من الظن والشك والوهم تحت دلالة الاطلاقات. نعم اذا كان احتمال عدم التأثير مقرونا باحتمال الضرر المعتنى به يسقط الوجوب. واحيانا يسقط الوجوب حتى مع العلم بالتأثير اذا كان احتمال الضرر منجزا لوجوب الاحتراز عنه و سوف نبحث عن شرط عدم احتمال الضرر في المستقبل القريب انشاء الله.

ثم لو كنا نحن وادلة الموجبة للقيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان هناك مجال للقول بوجوبهما مع احتمال ضعيف للأثر بل و حتى مع اليقين بعدم التأثير تعبدا في الاخذ باطلاق الادلة.

والذي يوجب الانصراف عن الاطلاق، اولاً: مناسبة الحكم والموضوع اذ من الواضح ان ايجابهما انما كان لدفع العباد الى طاعة ربهم وزجرهم عن عصيانه، فعندما نتيقن بعدم التأثير نتيقن بعدم طلب المولى بهما. ثانياً: استنادا الى النصوص الواردة في عدم وجوبهما عند العلم بعدم التأثير وقد استدلوا لذلك بروايات:

منها: ما عن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَ سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ- أَ وَاجِبٌ هُوَ عَلَى الْأُمَّةِ جَمِيعاً فَقَالَ لَا- فَقِيلَ لَهُ وَ لِمَ قَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوِيِّ الْمُطَاعِ- الْعَالِمِ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْمُنْكَرِ- لَا عَلَى الضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَهْتَدِي سَبِيلًا إِلَى أَيٍّ- مِنْ أَيٍّ يَقُولُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ- وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَوْلُهُ: "وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ- وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" فَهَذَا خَاصٌّ غَيْرُ عَامٍّ- كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: "وَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ- أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ" وَ لَمْ يَقُلْ عَلَى أُمَّةِ مُوسَى وَ لَا عَلَى كُلِّ قَوْمِهِ- وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ أُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ- وَ الْأُمَّةُ وَاحِدٌ فَصَاعِداً- كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ‌وَ جَلَّ: "إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ" يَقُولُ مُطِيعاً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَيْسَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ مِنْ حَرَجٍ- إِذَا كَانَ لَا قُوَّةَ لَهُ وَ لَا عَدَدَ وَ لَا طَاعَةَ . قَالَ مَسْعَدَةُ وَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ وَ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ص- إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ مَا مَعْنَاهُ- قَالَ هَذَا عَلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ- وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقْبَلُ مِنْهُ وَ إِلَّا فَلَا".[2]

(وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْخِصَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ وَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ كَذَلِكَ) هذين الحديثين في سندهما مسعدة بن صدقة ولم يرد له توثيق في الرجال ولكن لم يرد عليه قدح ايضاً و قد اجتمع المحمدون الثلاثة بنقل الحديث وهو الذي يوجب الوثوق عند كثير من الفقهاء.

ومنها: ما عن ال كليني عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى الطَّوِيلِ صَاحِبِ الْمُقْرِي قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ مُؤْمِنٌ فَيَتَّعِظُ- أَوْ جَاهِلٌ فَيَتَعَلَّمُ- فَأَمَّا صَاحِبُ سَوْطٍ أَوْ سَيْفٍ فَلَا.وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْخِصَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى الطَّوِيلِ الْبَصْرِيِّ مِثْلَهُ[3]

في هذا السند ورد يحيى الطويل ولم اجد اسمه في الرجال الا يحيى بن ام طويل وقد ينسب الولد الامّه اذا كانت لها ميزة وهو الذي مدحه الكشي حيث روى عن ابيعبد الله عليه السلام قال: "ارتد الناس بعد مقتل الحسين صلوات الله عليه الا ثلاثة، ابو خالد الكابلي و يحيى بن ام طويل و جبير بن مطعم الحديث" وتحدث عنه ايضا عن ابيجعفر عليهما السلام:قال: اما يحيى بن ام طويل فكان يظهر الفتوة وكان إذا مشى في الطريق وضع الخلوق ويمضغ اللبان ويطول ذيله فطلبه الحجاج فقال تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله" ولكن هذا المقدار من المدح لا يكفي في التوثيق قولا فكم من اصحاب الغيرة على الدين والفتوة ليس ملتزما في اقواله.

ومنها: ما عن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ- قِيلَ لَهُ وَ كَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ- قَالَ يَتَعَرَّضُ لِمَا لَا يُطِيقُ.وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ مِثْلَهُ" [4] هذا الحديث سنده جيد ولكن الدلالة موقوف على القول بان المراى مما لا يطيق يعني يريد اخضاع الغير ولا يقدر عليه ولكن هذا الاحتمال خلاف لظاهر الحديث بل الاقرب من المراى هو عرض النفس لاخطار لا يطيقها وهذا المعنى يناسب اذلال النفس.

ومنها: ما رواه الكليني عَنْهُمْ( عدة من اصحابنا) عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ خَطَّابِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَهُ لَأَحْمِلَنَّ ذُنُوبَ سُفَهَائِكُمْ عَلَى عُلَمَائِكُمْ إِلَى أَنْ قَالَ- مَا يَمْنَعُكُمْ إِذَا بَلَغَكُمْ عَنِ الرَّجُلِ مِنْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ- وَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهِ الْأَذَى- أَنْ تَأْتُوهُ فَتُؤَنِّبُوهُ وَ تُعَذِّلُوهُ- وَ تَقُولُوا لَهُ قَوْلًا بَلِيغاً- قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِذاً لَا يَقْبَلُونَ مِنَّا- قَالَ اهْجُرُوهُمْ وَ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَهُمْ".[5]

كليني: عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الدِّهْقَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ وَ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ جَمِيعاً عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كَانَ الْمَسِيحُ ع يَقُولُ- إِنَّ التَّارِكَ شِفَاءَ الْمَجْرُوحِ مِنْ جُرْحِهِ- شَرِيكُ جَارِحِهِ لَا مَحَالَةَ إِلَى أَنْ قَالَ- فَكَذَلِكَ لَا تُحَدِّثُوا بِالْحِكْمَةِ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتُجَهَّلُوا- وَ لَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَأْثَمُوا- وَ لْيَكُنْ أَحَدُكُمْ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ الْمُدَاوِي- إِنْ رَأَى مَوْضِعاً لِدَوَائِهِ وَ إِلَّا أَمْسَكَ".[6]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo