< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: شرط الاول/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

كان بحثنا في ذيل شرط الاول من شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال المصنف: (أن يعلمه منكرا‌ً ليأمن الغلط في الإنكار). في انه هل العلم بالمعروف والمنكر شرط للوجوب فلا يجب على الجاهل بهما التعلّم، او انه شرط للواجب فالوجوب فعليٌّ ويجب تحصيل العلم بهما لصحة امره ونهيه كما ان وجوب الصلاة فعلي على المحدث فيجب عليه التطهير للقدرة على اداء صلاة صحيحة.[1]

ونحن اخترنا الثاني ولكن بما ان وجوبهما كفائي فوجوب تحصيل العلم بالمعروف والمنكر للامر والنهي ايضا واجب كفائي فيجب على جماعة من المسلمين ان يتفقهوا في الدين كي يستطيعوا ان يقوموا بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهنا اودّ ان اتوقف عند التطلع على مدى سعة نطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجهة نظر الاسلام. من انه هل هو مجرد توجيه النهي قولا او الممانعة عملا الى مرتكب المنكر؟. وفي الامر بالمعروف مجرد توجيه الامر الى تارك واجب من الواجبات او الزامه عملا بامتثال الواجب طبقا للمراتب التي ذكروها فقهائنا العظام في هاتين الفريضتين؟ او لهما مجال اوسع من ذلك؟ فنحن عندما نراجع النصوص الحاثّة على القيام بهذه الفريضة نستشف بوضوح انّ دائرة هذه الفريضة أوسع بكثير من الأوامر الفردية والنواهي الفردية الموجهة الى كل من تارك الواجب او المرتكب للحرام.

لاحظوا وصية الحسين عليه السلام الخالدة التي هي تبين استراتجيته في قيامه المقدس قال: (خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، خرجت لآمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي رسول الله صلى الله عليه واله و ابي علي بن ابي طالب عليه السلام) فمن هذا القول اما اراد من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تلبية اهل الكوفة في انشاء حكومة اسلامية او المراد ما كان يعرف امراً يئول اليه وهو الامتناع من البيعة حتى ينتهي الى قتله و قتل جميع رجال اهل بيته و اصحابه. كما عندما يشير الى سيرة جده وابيه اي تصديهما لمشروع كامل لهداية الأمّة. فمفهوم الامر والنهي هنا عبارة عن خلق اجواء تحيى الاسلام وتنجيه عن الانحراف عن حقيقته الذي اُبتُليت به الامة.

والحسين عليه السلام في احد المنازل بعد الحمد الثناء قال: "اما بعد انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون وان الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ولم يبق منه الا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل اما ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً فانّي لا أرى الموت الا السعادة ولا الحياة مع الظالمين الا برما" فعدم العمل بالحق وعدم التناهي عن الباطل دفعه الى نهضته.

فی منزل بیضة مع اصحاب حر قال عليه السلام بعد الحمد والثناء: "أيها الناس؛ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله‌] و سلّم قال: «من رأى سلطانا جائرا مستحلّا لحرم اللّه؛ ناكثا لعهد اللّه؛ مخالفا لسنّة رسول اللّه؛ يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول، كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله» ألا و إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن، و اظهروا الفساد، و عطّلوا الحدود، و استأثروا بالفي‌ء، و أحلّوا حرام اللّه، و حرّموا حلال اللّه، و أنا أحقّ من غيّر". فهو عد بعض المنكرات على مستوى المجتمع الاسلامي و رأي نفسه احق من كافحها.

كليني: عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ (عمر بن)عَرَفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع يَقُولُ: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ- وَ لَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ- أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ- فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ" ان في هذا الكلام اشارة الى الاثر الطبيعي لترك هذه الفريضة لا مجرد الإخبار عن معاقبة مجهولة العلاقة مع سببها.

كليني: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ قَاضِي مَرْوَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع مما قَالَ في حديثه الطويل: "إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ‌ الْفَرَائِضُ" وفي فقرة من كلامه قال: "إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَ مِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ يُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ يَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ وَ الْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ صُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ وَ لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَإِنِ اتَّعَظُوا وَ إِلَى الْحَقِّ رَجَعُوا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ هُنَالِكَ فَجَاهِدُوهُمْ بِأَبْدَانِكُمْ وَ أَبْغِضُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ غَيْرَ طَالِبِينَ سُلْطَاناً وَ لَا بَاغِينَ مَالًا وَ لَا مُرِيدِينَ بِظُلْمٍ ظَفَراً حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَ يَمْضُوا عَلَى طَاعَتِهِ الحديث".[2]

خطبة الحسين عليه السلام في المنى: "اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: ﴿لولا ينهيهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم﴾ وقال: ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل﴾ إلى قوله: ﴿لبئس ما كانوا يفعلون﴾.

وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون، والله يقول: ﴿ولا تخشوا الناس واخشون﴾ وقال: ﴿المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾. فبدء الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقها.ثم أنتم أيها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف،" الى ان قال: "وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمة رسول الله محقورة، والعمي والبكم والزمن في المداين مهملة لا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعتبون، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون.ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البيتة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع. ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لايدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ والمعيد. فيا عجبا ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك، فإنكم إلا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير".هذه المواعظ دعوة الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا في مجال سعة نطاق هذه الفريضة. واما من ناحية كيفية القيام بهذه الفريضة فهي لا تنحصر في الكلام، بل المطلوب هو معالجة نشر المعروف و تطهير وجهة المجمع من المنكر بسعة مجالاتهما والواجب هو الاستفادة من كل الوسائل القديمة والحديثة من انشاء القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية و تدوين افلام و روايات و مسرحيات تفيد هذا المعنى بل القيام بنشاطات اقتصادية وانمائية تشد الناس الى اوطانهم وثقافاتهم الاسلامية وتبعدهم عن الثقافات الغربية والمضللة والتصدي للشبهات والمغريات التي تنشر من خلالها الباطل و تزهّد الشباب عن الحق وتنشر روح الاباحية و عدم المبالات بالدين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo