< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

39/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: روايات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قبل متابعة بحثنا نودّ أن نتدارك ما قلناه سابقاً من ترجيح كون –مِن- في قوله تعالى : "ولتكن منكم" لمعنى النشوء دون التبعيض مستظهرا بأن مفردة -اُمّة- عادة تستعمل في اتباع كل نبي بتمامها، ولكن رأينا ان في رواية مسعدة بن صدقة أخذ الامام الصادق (عليه السلام) من للتبعيض واليك نصها: قال مسعدة بن صدقة «سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أ واجب هو على الأمة جميعا؟ فقال: لا، فقيل و لم؟ قال إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا- إلى أن قال- و الدليل على ذلك كتاب اللّٰه عز و جل «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ» إلى آخرها، فهذا خاص غير عام، كما قال اللّٰه عز و جل: «وَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» و لم يقل على أمة موسى و لا على كل قوم، و هم يومئذ أمم مختلفة، و الأمة واحد فصاعدا‌ً‌ كما قال اللّٰه عز و جل «إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ» يقول مطيعا للّٰه عز و جل، و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له و لا عدد و لا طاعة»[1]

ولو ان سند الحديث غير موثق ولكن جلء فيها بآيات استعملت الامة فيها للبعض فنتنازل عما قلناه سابقاً.

بعد ما عرفنا موضوع البحث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و حكمهما، تطرق المصنف الى تقسيمهما فقال: (والمعروف ينقسم إلى الواجب و الندب ف‌الأمر بالواجب واجب و بالمندوب مندوب.و المنكر لا ينقسم فالنهي عنه كله واجب) [2]

عدم تقسيم النهي عن المنكر من قبل المصنف ناشئ عن موقفه من المنكر حيث حصره على القبيح في مقابل الحسن الذي استعمله لكل ما يجوز فعله فشمل الاحكام الاربعة دون الحرام. فلم يترك للمنكر الا الحرام و النهي عنه واجب. كما يمكن القول بانه بدّل النهي عن المكروه بالامر بترك المكروه فجعله في اطار الامر بالمعروف المندوب كما فعل الشهيد الثاني في المسالك.

مشهور الفقهاء ذهبوا الى أن: (الأمر بالواجب واجب، و بالمندوب مندوب) حتى ادعى البعض اجماع عليه. وقد ذهب البعض الى انّ الامر بالمعروف واجب سواء كان المعروف في نفسه واجبا او مستحبا، ولكن في الامر بالمستحب لابد من مراعات الرفق بالمخاطب.

ويمكن الاستدلال على عدم وجوب الأمر بالمستحبات

اولاً: بعدم صحة زيادة الفرع على الاصل فلا يمكن القول بوجوب الامر بالمستحب.

وثانياً: لسان ما ورد في التحريض على المستحبات منها: ماورد عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام بْنِ بَابَوَيْهِ: قَالَ: مِنْ أَلْفَاظِ رَسُولِ‌ صلى الله عليه وآله: «الدال على خير كفاعله[3] »

و ما رواه الصدوق في الخصال: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ (عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ- أَوْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ أَوْ أَشَارَ بِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ- وَ مَنْ أَمَرَ بِسُوءٍ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ. »‌ [4]

وعن الصدوق في ثواب الأعمال: وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لَا يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِكَلِمَةِ حَقٍّ يُؤْخَذُ بِهَا- إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَخَذَ بِهَا- وَ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةِ ضَلَالٍ يُؤْخَذُ بِهَا- إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ أَخَذَ بِهَا.[5] »

إلى غير ذلك مما رواه في الوسائل ( بَابُ اسْتِحْبَابِ إِقَامَةِ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ وَ إِجْرَاءِ عَادَاتِ الْخَيْرِ وَ الْأَمْرِ بِهَا وَ تَعْلِيمِهَا وَ تَحْرِيمِ إِجْرَاءِ عَادَاتِ الشَّرِّ[6] )‌ وغيرها من الروايات الكثيرة مما فيها حث على الأمر بالخير بل جميع ما في الكتاب و السنة من المدح على الأمر بالمعروف شامل للمستحب ايضاً.

وخلاصة القول في المسألة: ان الامر بماهو راجح فعله راجح فان كان مما لا يجوز تركه فالامر به واجب اي راحج لا يجوز تركه وان كان مما يجوز تركه فالامر به راجح يجوز تركه. والنهي عما هو مرجوح فعله راجح ايضاً فان كان مما لايجوز فعله فيجب النهي عنه وان كان مما يجوز فعله فالنهي عن راجح يجوز تركه. وهذا ما ذهب اليه جل فقهائنا العظام من القدماء والمتأخرين. سواء عممنا الحسن الى كل جائز ليشمل المباح والمكروه؟ او خصصناه بكل راجح ليرادف المعروف في المعنى فلا يشمل الا الواجب والمستحب. وكذلك القبيح سواء عممناه الى كل مرجوح ليشمل المكروه ايضا او خصصناه بالحرام فالنهي عن المكروه ايضا راجح بمفاد الادلة كالنهي عن البول قائما او عن النوم بين الطلوعين فالنهي عن المكروه انما يكون على درجة الحث والارشاد دون الاصرار والالزام كما يكون الامر بالمستحب ايضاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo