< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

39/10/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أدلة وجوب /حكم وجوب امر بالمعروف ونهي عن منكر/ أمر بالمعروف ونهي عن منكر

قد انتهينا في اليوم الماضي عن تحديد موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و قلنا بما يقوله المشهور من المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء بتعريفنا المعروف بكل فعل يستحق فاعله المدح والمنكر بكل فعل يستحق فاعله الذم فيشملان الواجب والمستحب والحرام والمكروه.

والمصنف بعد بيان الموضوع بيّن حكمهما بقوله: (و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان إجماعاً و وجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيه غناء و قيل بل على الأعيان و هو أشبه[1] ).

لا مجال للشك في وجوبهما بعد ما سمعت من الآيات والروايات الكثيرة ولذا قال في الجواهر: (واجبان إجماعا من المسلمين بقسميه)[2] انما وقع الخلاف بين الفقهاء بان الحاكم بوجوبهما هو العقل والشرع مؤكد له او الحكم بالوجوب هو الشرع من خلال الكتاب والسنة.

وقد اشار في الجواهر على القائلين بحكومة العقل على الوجوب بقوله: (وعن الشيخ و الفاضل و الشهيدين و المقداد أن العقل مما يستقل بذلك من غير حاجة إلى ورود الشرع، نعم هو مؤكد[3] ).

ونأتي بنماذج من ادلة الفقهاء على الوجوب العقلي:

 

قال الشيخ في الاقتصاد: (الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان بلا خلاف بقول الأمة، و ان اختلفوا في أنه هل يجبان عقلا أو سمعا:فقال الجمهور من المتكلمين و الفقهاء و غيرهم انهما يجبان سمعا و انه ليس في العقل ما يدل على وجوبه و انما علمناه بدليل الإجماع من الأمة و بآي من القرآن و كثير من الاخبار المتواترة، و هو الصحيح. و قيل: طريق وجوبهما هو العقل.و الذي يدل على الأول أنه لو وجبا عقلا لكان في العقل دليل على وجوبهما و قد سبرنا أدلة العقل فلم نجد فيها ما يدل على وجوبهما، و لا يمكن ادعاء العلم الضروري في ذلك لوجود الخلاف.و أما ما يقع على وجه المدافعة فإنه يعلم وجوبه عقلا، [لما علمنا بالعقل وجوب دفع المضار عن النفس، و ذلك لا خلاف فيه، و انما الخلاف فيما عداه.و كل وجه يدعى في وجوبه عقلا] قد بينا فساده في شرح الجمل، و فيما ذكرناه كفاية.و يقوى في نفسي انهما يجبان عقلا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لما فيه من اللطف، و لا يكفي فيه العلم باستحقاق الثواب و العقاب، لأنا متى قلنا ذلك لزمنا أن تكون الإمامة ليست واجبة، بأن يقال: يكفي في العلم باستحقاق الثواب و العقاب و ما زاد عليه في حكم الندب و ليس بواجب فالاليق بذلك أنه واجب[4] ).

قال العلامة في التذكرة: (مسألة 261: اختلف علماؤنا في وجوبهما.فقال بعضهم: إنّه عقليّ، فإنّا كما نعلم وجوب ردّ الوديعة و قبح الظلم، نعلم وجوب الأمر بالمعروف الواجب، و وجوب النهي عن المنكر.و قال بعضهم: إنّه سمعيّ، لأنّه معلوم من دين النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، و قد دلّ السمع عليهما كما تقدّم، و لو وجبا بالعقل، لما ارتفع معروف و لما وقع منكر، أو كان اللّٰه تعالى مخلّا بالواجب، و التالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله.بيان الشرطيّة: أنّ الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف، و النهي عن المنكر هو المنع منه، فلو كانا واجبين بالعقل، لكانا واجبين على اللّٰه تعالى، لأنّ كلّ واجب عقليّ فإنّه يجب على كلّ من حصل فيه وجه الوجوب، و لو وجبا على اللّٰه تعالى، لزم أحد الأمرين.و أمّا بطلانهما فظاهر[5] ).

وقال في المختلف: (لا خلاف في وجوب الأمر بالمعروف الواجب و النهي عن المنكر‌، و انّما الخلاف في مقامين:الأوّل: هل هما واجبان عقلا أو سمعا؟ فقال السيد المرتضى ، و أبو الصلاح و الأكثر بالثاني، و قوّاه الشيخ في كتاب الاقتصاد، ثمَّ عدل الى اختياره الأوّل. و الأقرب ما اختاره الشيخ، و الأوّل قول ابن إدريس. احتج السيد بأنّه لو كان واجباً بالعقل لم يرتفع معروف و لم يقع منكر، أو يكون اللّه تعالى مخلّا بالواجب، و اللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله.بيان الشرطية: انّ الأمر بالمعروف إذا كان هو الحمل عليه و حقيقة النهي‌ عن المنكر هو المنع منه، فلو وجبا بالعقل لكان واجبا على اللّه تعالى، لأنّ كلّ ما وجب بالعقل فإنّه يجب على كلّ من حصل وجه الوجوب في حقه، فكان يجب على اللّه تعالى الحمل بالمعروف و المنع من المنكر. فأمّا أن يفعلهما فلا يرتفع معروف و لا يقع منكر و يلزم الإلجاء، أو لا يفعلهما فيكون مخلا بالواجب، و فيه نظر، لاحتمال أن يكون الواجب علينا في الأمر و النهي غير الواجب عليه، فانّ الواجب يختلف باختلاف الآمرين و الناهين، فالقادر يجب بالقلب و اللسان و اليد، و العاجز يجب بالقلب لا غير، و إذا كان الواجب مختلفا بالنسبة إلينا جاز اختلافه بالنسبة إلينا و إليه تعالى، فالواجب من ذلك عليه تعالى التوعّد و الإنذار بالمخالفة لئلّا يبطل التكليف. لنا: انّه لطف و كلّ لطف واجب، و المقدمتان ظاهرتان[6] ).

اما صاحب الجواهر فاختار القول بعدم كفاية العقل على النهوض بالوجوب وذكر اسماء فقهاء ذهبوا الى هذا القول فقال: (و إن كان الأظهر أن وجوبهما من حيث كونهما كذلك سمعي كما عن السيد و الحلي و الحلبي و الخواجا نصير الدين الطوسي و الكركي و فخر المحققين و والده في بعض كتبه، بل عن المختلف نسبته إلى الأكثر بل عن السرائر نسبته إلى جمهور المتكلمين و المحصلين من الفقهاء[7] ).

ثم قال في الاستدلال على عدم قيام العقل بوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله: (ضرورة عدم وصول العقل إلى قبح ترك الأمر بذلك على وجه يترتب عليه العقاب بدون ملاحظة الشرع، و دعوى أن إيجابهما من اللطف الذي يصل العقل إلى وجوبه عليه جل شأنه واضحة المنع، كوضوح الاكتفاء من اللّٰه تعالى بالترغيب و الترهيب و نحوهما مما يقرب معه العبد إلى الطاعة و يبعد عن المعصية دون الإلجاء في فعل الواجب و ترك المحرم[8]

بل في المنتهى «لو وجبا بالعقل لما ارتفع معروف و لما وقع منكر، أو كان اللّٰه تعالى شأنه مخلا بالواجب، و التالي بقسميه باطل، فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف، و النهي عن المنكر هو المنع منه، فلو كانا واجبين بالعقل لكانا واجبين على اللّٰه تعالى، لأن كل واجب عقلي يجب على كل من حصل فيه وجه الوجوب و لو وجبا على اللّٰه تعالى لزم أحد الأمرين، و أما بطلانهما فظاهر، أما الثاني فلأنه حكيم لا يجوز عليه الإخلال بالواجب، و أما الأول فلأنه يلزم الإلجاء و هو ينافي التكليف، لا يقال: إن هذا وارد عليكم في وجوبهما على المكلف، لأن الأمر هو الحمل، و النهي هو المنع، و لا‌فرق في اقتضاء الحمل و المنع الإلجاء بين ما إذا صدرا من المكلف أو من اللّٰه تعالى، و ذلك قول بإبطال التكليف، لأنا نقول: لا نسلم أنه يلزم الإلجاء، لأن منع المكلف لا يقتضي الامتناع، أقصى ما في الباب أن يكون مقربا، و يجري مجرى الحدود في اللطفية، و لهذا تقع القبائح مع حصول الإنكار و إقامة الحدود»

ثم قال: (و إن كان لا يخفى عليك ما في ذلك كله، و العمدة الوجدان، ضرورة عدم وصول العقل إلى ذلك على وجه يترتب عليه الذم و العقاب، نعم يمكن دعوى وصوله إلى الرجحان في الجملة لا على الوجه المزبور، و الأمر سهل بعد ما عرفت من ثبوته بالشرع كتابا و سنة و إجماعا[9] .

 

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo