< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهادنة/ مدة المهادنة/احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

كان بحثنا في عدم صحة عقد المهادنة بدون تعيين الأجل

فان سماحة الامام الخامنئي مدّظله بعد ما ذكر ان هذا الامر وقع عند فقهائنا ارسال المسلمات، أيّد كلامهم بما خلاصته: (انّ عدم ذكر المدّة في ضمن العقد يجعله مؤبداً وهو باطل لانه يقتضي وجوب الوفاء به ما لم يظهر نقض من العدو، و هذا خلاف المصلحة قطعاً، إذ لازمه تعطيل الجهاد، و من ضروريات الدين عدم رضا الشارع به، مضافاً إلى الاستبعاد القريب من الاستحالة، أن تبقى الظروف دائما على غرار واحد، فالعقد المقتضي للتأبيد خلاف المصلحة قطعاً، و منه يعلم بطلان العقد المصرّح فيه بدوام الهدنة بطريق أولى).

ثم بما انه رأي ضرورة قبول الهدنة في هذا العصر من دون تحديد بزمان، فعالج الموضوع بطريق آخر فقال: (ثم إن اشتراط صحة الهدنة بالتوقيت، لا يعني استلزام ذلك لحكم تكليفي في البين، أي حرمة عقد الهدنة بدون الوقت أو حتى مع التصريح بالتأبيد. و على هذا فلو فرض قيام مصلحة عظيمة في إلغاء المدة في الهدنة، كما إذا فرض أن العدو لا يقبل تقييد الهدنة بمدة و لا يقبلها إلا مطلقة أو مؤبدة، و فرض أن في استمرار الحرب ضرراً عظيماً على الإسلام و المسلمين، فلا مضايقة على الإمام حينئذ أن يعقد الهدنة بغير ذكر المدة، و لا يكون ذلك حراماً عليه، و إن كانت الهدنة في الواقع فاسدة غير منعقدة، فيستفيد المسلمون من متاركة الحرب ما يحتاجون إليه، و يكون الإمام بالخيار في أمر الحرب متى شاء[1] .

و يرد على هذا القول بان قبول الامام لهدنة غير مؤقتة في الظاهر وعدم التزامه بها، غدر والغدر ممنوع مطلقاً، كما ان العدو اذا زعم قبول المسلمين استجارته وهم لم يقبلوها، فلا يجوز حربه قبل الايصال الى مأمنه فما نحن فيه اولى بالوفاء، وقد ورد روايات شديدة اللحن في الغدر واليك نماذج منها: ما عن مولانا امير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر: "وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً‌ فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‌ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشْتِيتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ، فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخْيِسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ[2] "

هذه العبارات تفيد اهمية الوفاء بالعهد بمالا يمكن نفيه باللعب بالالفاظ.

منها: ماعن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ اقْتَتَلُوا ثُمَّ اصْطَلَحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الْمَلِكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُمْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَ لَا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَ لَا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا وَ لَكِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ وَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ". [3]

ان طلحة بن زيد قال فيه الشيخ في الفهرست (هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد)ثم ذكر سنده اليه وذكره سائر الرجاليون ولم يرد له قدح.

منها: عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام ذَاتَ يَوْمٍ وَ هُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَ لِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلَا وَ إِنَّ الْغَدْرَ وَ الْفُجُورَ وَ الْخِيَانَةَ فِي النَّارِ. [4]

قال الكشي في علي بن اسباط: (كان فطحياً و لعلي بن مهزيار رسالة في النقض عليه مقدار جزو صغير قالوا فلم ينجع ذالك فيه ومات على مذهبه) و قال النجاشي فيه: (ثقة وكان فطحياً جرى بينه و بين علي بن مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها الى ابي جعفر الثاني عليهما السلام فرجع علي بن اسباط عن ذلك القول وتركه وقد روى عن الرضا عليه السلام من قبل ذلك وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة)

وهنا يقدم التعديل على الجرح فتأمل.

ويعقوب بن سالم وثقه النجاشي وضعّفه الغضائري وتوثيق النجاشي مقدم علي تضعيف الغضائري. و ابي الحسن العبدي ان كان هو ابراهيم بن نعيم العبدي فهو ابي الصباح الكناني فقد ذكر فيه الكشي والنجاشي ما يفيد وثاقته ولكن لم يثبت عندي انه هو؟ وسعد بن طريف لم يرد له توثيق.

ومنها: ماعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: "ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً أَدَاءُ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ".[5] مالك بن عطية وثقه النجاشي ولكن عنبسة لم يرد له توثيق.

وعن علي عليه السلام: "وَ اللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَ لَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَ يَفْجُرُ وَ لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَ لَكِنْ كُلُّ غَدْرَةٍ فَجْرَةٌ وَ كُلُّ فَجْرَةٍ كَفْرَةٌ وَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(نهج خ191)[6]

اظنّ انّ هذه الروايات لكثرتها ومضامينها و انطباقها للاخلاق الكريمة تفيد الاطمئنان بعدم جواز الغدر مع الكفار ايضاً.

نعم ورد عن علي عليه السلام قال: "الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ"[7] [8]

فمضافاً الى عدم سند لهذا الحديث، يمكن ان يكون المراد بعد ما غدر الغادر بطل العهد فلا وجه لمماشاته بالعهد الذي نقضه الجانب الآخر بل البقاء عليه ذُلٌّ وهوانٌ فالفقرة الثانية تشجِّع على المقابلة بالمثل و ردّ غدرهم الى نحورهم، فلا تنافي بين هذا الكلام وما ورد في لزوم الوفاء بالعهد ولو مع الكفار. وللكلام تتمة نذكرها يوم الثلثاء انشاء الله وغدا نعطل الدرس احتفالا بيوم الانتصار الثورة الاسلامية.

 


[1] المهادنة، السید علی الخامنه ای، ج1، ص15.
[7] نهج حكمة، ج1، ص251.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo