< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهادنة/ احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

كان بحثنا في اليوم الماضي حول مدة المهادنة فاستدلوا على جوازها لمدة اربعة اشهر بقول الله تعالى: "فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" [1]

كما استدلوا على عدم جواز الزائد منها بقوله تعالى: " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ".[2]

اقول:

الاستدلال بالآية الاولى من سورة البراءة قابل للنقاش:

اولاً: كما اشرنا سابقاً انّ الآية تفيد امهال المشركين الذين كانوا تحت مهادنة الاسلام لأربعة أشهر، بعد نقضوا الهدنة.

و يتضح هذا الامر اذا لاحظنا انّ هذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وقد هادن رسول الله صلى الله عليه وآله المشركين بعد فتح المكة فقال: إذهبوا فانتم الطلقاء فاصبح عامة الناس من مشركي المكة المكرمة تحت أمان الاسلام. كما ان في صلح الحديبية هادن المشركين فبعض القبائل نقضوا الهدنة، و بقي بعضهم اوفياء لهدنتهم، مضافاً الى بعض القبائل الخارجة من المكة بعد صلح الحديبية فهادنوا رسول الله ولم ينقضوها، كما يظهر من أقوال بعض المفسّرين، أنّ الذين كانت لعهدهم مدة، هم جماعة من بني كنانه و بني ضمرة، فقد بقي من عهدهم في ترك المنازعة تسعة أشهر، و قد بقي النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عهده وفيّا، لأنّهم بقوا أوفياء لعهدهم و لم يظاهروا المشركين في مواجهة الإسلام حيت انتهت مدّتهم. وبهذه الموارد تشير قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى‌ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [3]

وجاء في تفسير مجمع البيان (عن الإمام الباقر عليه السلام: أنّ الإمام عليا خطب في موسم الحج ذلك العام فقال: «لا يطوفنّ بالبيت عريان، و لا يحجّن البيت مشرك، و من كان له مدة فهو إلى مدته، و من لم تكن له مدّة فمدّته أربعة أشهر [4] ».

ثانياّ: هؤلاء الذين امهلهم الله كانوا في هدنة اطول، إمّا من السنة السابعة في صلح الحديبية، او الثامنة في فتح المكة.

فلما ذا لا نجعل تلك العقود ميزاناً لمدة الهدنة؟

وقد مضى من بعضها سنتين ومن بعضها سنة واحدة.

ثالثاً: ما ورد في هذه السورة انما هي في المشركين الذين نقضوا العهد فهي قضية خارجية لا اطلاق لها ولا عموم، كي نستنتج منها الحكم الكلي فالبراءة تعلقت بمشركي مكة المكرمة وفي الآيات التي تليها -الالف واللام- في المشركين للعهد كما انّ الضمائر تعود اليهم ، وعمدة ما استدلوا بها فقهائنا لوجوب قتال الكفار والمشركين هو الأخذ باطلاق ما ورد في هذه الآيات في شأن المشركين.

فهنا نودّ ان نطلّ اطلالة على آيات الاولى من سورة البراءة ونتأمل فيها:

قال تعالى: "بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِي‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى‌ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‌ قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)

رابعاً: الاستدلال بالآية الخامسة على عدم جواز الهدنة الى سنة فما زاد، و وجوب القتال لا اقل سنويا ولكل عام بعد انتهاء الاشهر الحرم لقوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ"الآية. ليس بصحيح، فالاشهر التي اُشير إليها في هذه السورة كانت من اليوم الاضحى الى اليوم العاشر من ربيع الثاني وهذا التحديد كان لقتال هؤلاء بخصوصهم ولا اطلاق لها.

خامساً: على فرض التنازل عن كل ماقلناه والتزمنا بأنّ أربعة أشهر كانت مصداقاً للهدنة، و اردنا ان اتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم كما تمسك بها الشيخ وغيره من الفقهاء، ففعلُ النبي صلى الله عليه وآله لا يدلّ على اكثر من الجواز ولا ينفي غيره كما ان الامر بالقتال بعد انتهاء المدة لا يدل اكثر من جواز شروع القتال و جواز صدور الامر بالقتال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo