< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مناقشة فی ادلة جواز المهادنة / احکام اهل الذمة / کتاب الجهاد

قلنا مما استدل بعض الفقهاء كالعلامة و الامام الخامنئي على جواز المهادنة، قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً"[1] ، و قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ"[2] ، و قوله تعالى: "الَّذِينَ عٰاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ[3]

مفاد كلامه في الاستدلال ان الآيات وردت حول المعاهدة وهي اعم من المهادنة فيشمل العهد على ترك القتال و هو المهادنة بل هي القدر المتيقن من افادة الآيات.

ولكن لنا مناقشة في التمسك بهذه الآيات على جواز المهادنة فانّها كما قال: (مع العدو المستقر على أرضه و الباقي على دولته و نظامه المدني، و ربّما يكون قويّاً و غالباً على أمره، بل أقوى أحياناً من المسلمين). بينما هذه الآيات نزلت بعد فتح مكة حيث كان المشركون تحت هيمنة الحكومة الاسلامية، فما كان من رسول الله رفع الامان عنهم بعد خيانتهم، وانما أمهلهم اربعة اشهر و استثنى منهم هؤلاء الذين لم يخونوا المسلمين، فلم يكن ما صدر عن رسول الله مصداق للمهادنة بل كان امهال لهم و رفع الامان عنهم بعد انتهاء المهلة.

وقد ورد في تفسير مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام قال : خَطَبَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِالنَّاسِ،وَ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ،وَ قَالَ: لاَ يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ،وَ لاَ يَحُجَّنَّ بِالْبَيْتِ مُشْرِكٌ وَ لاَ مُشْرِكَةٌ،وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ مُدَّةٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ،وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُدَّةٌ فَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ[4] »

نعم يمكن ان نقول انهم كانوا مشركي خارج المكة الذين لم يكونوا تحت سيطرة المسلمين كانوا يأتون الى المكة ويطوفون بالبيت فوردت هذه الآيات لردعهم وتهديدهم بالقتل فتفيد جواز الهدنة معهم.

وعلى كل حال يكفينا في خصوص جواز المهادنة ما سبقت من الادلّة.

وقال العلامة في التذكرة: (الهدنة ليست واجبة على كلّ تقدير،لكنّها جائزة، لقوله تعالى: "وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا" بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك برخصة قوله "وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" و بما تقدّم، و إن شاء، قاتل حتى يلقى اللّٰه تعالى شهيدا [عملا] بقوله تعالى: "وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَكُمْ" و كذلك فعل مولانا الحسين عليه السّلام، و النفر الذين وجههم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى هذيل و كانوا عشرة فقاتلوا مائة حتى قتلوا و لم يفلت منهم أحد إلّا خبيب، فإنّه أسر و قتل بمكة[5] . وقريب منه ما في المنتهى[6] .

الظاهر انه اراد الجائز بالمعنى الاخص بمعني ان المهادنة لا تزيد عن الجواز ولا تصبح واجبا ابداً بل المكلف مخير بين القتال والمهادنة. والتخيير قسمين احدهما من الاصول الاربعة وهو اذا تيقن المكلف بتكليف ولكنه مردد بين احد الامرين ولا يمكن فيه الاحتياط بالجمع ولا ترجيح لاحدهما فهو مخير في اختيار أيّا منهما شاء، وتخيير آخر هو المستفاد من الدليل كما في خصال كفارة الصوم، و قد يثبت التخيير كما اذا وردت ادلة مختلفة ايجابية لموضوع واحد. كما اذا ورد نص قائلاً: ان افطرت فاعتق رقبة مؤمنة ثم جاء نص قائلا: ان افطرت فاطعم ستين مسكيناً، ثم جاء نص ثالث قائلاً: ان افطرت فصم شهرين متتابعين. فيستفاد من تلك الثلاثة ان افطرت فاعتق رقبة او اطعم ستين مسكينا او صم شهرين متتابعين، ففي القسم الاول يعرف المكلف ان حكم الله واحد لا يخلو من احدهما وهو لا يعلمه بعينه فيختار احدهما رجاء مصادفة الواقع، بخلاف القسم الثاني فمجموع الادلة تفيد ان حكم الله ورد مرددا بين الخيارات الثلاثة.

اذا عرفت ذلك. فنقول ظاهر كلام العلامة هو القسم الثاني: يعني ان ادلة القتال ظاهرة في وجوبه تعييناً ولكن ادلة الهدنة رخصت في ترك القتال فهي تخرج ادلة القتال عن ظاهرها في الوجوب بالامر المرخص في تركه وهو الاستحباب او فقل تجوّز لنا ان نختار بديل القتال الذي هو المهادنة.

ولكن نحن لا نرتضي بهذا الجمع بل يختلف موضوع وجوب القتال و جواز واحيانا وجوب المهادنة بما ذكر فقهائنا في مبررات المهادنة

واليك نص كلام سماحة الامام الخامنئي في الموضوع:

قال دام ظله: ( يشترط في جواز الهدنة أن يكون فيها مصلحة في الجملة.و الظاهر وضوح حكم العقل بأن هذا مقتضى الحكمة، كما أنه المستشعر من المناسبة بين الحكم و الموضوع.فبعد ما وردت عمومات كثيرة في الأمر بالجهاد و الحث على مقاتلة الكفار مع ما في لسان بعضها من التهديد و التوعيد على تركه ، ثم ورد في آية أو آيات الأمر بالصلح، ففي مثل هذا الظرف لا معنى‌ للقول بأن الصلح و السلم أمر جائز في كل زمان و لو مع عدم الحاجة إليه و فقد مصلحة فيه، فضلا عن صورة وجود مصلحة في تركه إذ لازم ذلك لغوية ذاك الحث و التوكيد و التهديد و التوعيد، و تكون النتيجة هي أن تلك الأوامر الأكيدة بالجهاد في آيات الذكر الحكيم لا تحمل حكما إلزاميا، بل إنما هي مسوقة لبيان جواز قتال العدو، و كونه أمرا راجحا غير ممنوع عنه! و هذا خلاف مقتضى الحكمة في كلام الباري الحكيم عز اسمه، فتلك الآيات و هكذا المناسبات العرفية بين الحكم و الموضوع بنفسهما كافية لإثبات أن الإقدام على السلم مع العدو المحارب ليس أمرا جائزا و مباحا في أي وقت و على أي حال، بل جوازه متوقف على وجود ما يكفي في تبرير الإقدام عليه من الشرائط و الأحوال التي يعبر عنها بالمصلحة[7] ).

 


[7] 7. المهادنة، السید علی الخامنه ای، ص10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo