< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: ادلة المهادنة/ احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

في مبحث المهادنة مررنا على كلام المحقق مروراً عابراً لعرض الفكرة بالاجمال، ثم دخلنا الى التفاصيل فعرضنا بعض التعاريف و هي كانت متقاربة فوصل بحثنا الى بيان الفرق بين عقد الذمة وعقد المهادنة واهم ما ذكروا كفارق ان عقد الذمة دائم مستمر، وانما تنتقض الذمة باخلالهم للشروط الاصلية التي هي من المقومات، ولكن المهادنة مؤقت بأجل محدود، والفرق الثاني لا يصح عقد الذمة الا بالجزية ولكن المهادنة غير مشروطة بالمال.

والامام الخامنئي دام ظله بعد ما اشار الى بعض الفروق التي ذكروها قال: (و إن كان التحقيق أن ما ذكروه من الفارق ليس هو الفارق الأصلي بين ماهيتيهما، بل إنما هي من قبيل العوارض و العلامات.و الفرق بينهما جوهرياً هو أن الطرف المقابل في عقد الجزية هو العدو المغلوب الذي قد ظهر المسلمون عليه، و فتحت أرضه و أسقطت دولته و الحال يجعل عليه شي‌ء عوض الضرائب الموضوعة على المسلمين، فهو من جملة مواطني الدولة الإسلامية و لكن على غير دينهم. و أما الطرف المقابل في المهادنة فهو العدو المستقر على أرضه و الباقي على دولته و نظامه المدني، و ربّما يكون قويّاً و غالباً على أمره، بل أقوى أحياناً من المسلمين.

ففي صدر الإسلام كانت الجزية على أهل الكتاب القاطنين في الشام بعد ما فتحت و صارت من أراضي الإسلام، و لكن الهدنة انعقدت مع قريش مكة و لم يفتحها المسلمون بعد. و الحاصل: أن عقد الهدنة ينعقد مع الدولة المحاربة بما يتبعها من شعبها، و عقد الجزية ينعقد مع أناس من أتباع دولة الإسلام، هذا هو الفارق الجذري، و أما غيره من الفوارق فهي فروق في المظاهر و الأحكام)[1] . و نِعمَ ما انتبه اليه دام ظله.

اما بالنسبة الى جواز الهدنة في الجملة فلا شك فيه بل هو المجمع عليه بين الفريقين، ولكن مع ذالك استدلوا لجواز المهادنة بامور:

فاستدل الشيخ في المبسوط على جواز الهدنة بامرين فقال: (و ذلك جائز لقوله تعالى «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا[2] » و لأن النبي صلى الله عليه و آله صالح قريشاً عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين[3] ). ووجه الاستدلال بالآية الامر بالجنوح للسلم على فرض انهم جنحوا، لا يقال: ان هذه الآية انما يجوز الجنوح للسلم اذا اقترحه العدو والمهادنة اعم منه. للاننا نقول: هذه الشرطية لا تفيد الاحتراز بل انما سيق لتحقق الموضوع لانه لو لم يجنح العدو للسلم فلا يبقى موضوع للسلم كقوله ان رزقت ولدا فاختنه. لان السلام لا يتحقق الا بطرفين فلا يمكن للمسلمين ان يجنحوا للسلم الا اذا كان العدو جانح للسلم فتأمل.

واستدلوا ايضا بكلام امير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر حيث قال: "وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً‌ فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‌ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشْتِيتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخْيِسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ"[4] .

وقد استدل الامام الخامنئي أيضاً بقوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً"[5] ، و قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ"[6] ، و قوله تعالى: "الَّذِينَ عٰاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ"[7] . ثم قال: (فهذه الآيات بدلالتها اللفظية تدل على جواز عقد المعاهدة مع الكفار و تقرر ما صدر عن المسلمين من المعاهدة معهم، و المعاهدة و إن كانت غير مختصة بما تقع منها راجعة إلى شأن الهدنة و ترك القتال، إلا أن هذه هي القدر المتيقن منها). فافاد بهذا الكلام ان الآيات وردت حول المعاهدة وهي اعم من المهادنة فيشمل العهد على ترك القتال و هو المهادنة بل هي القدر المتيقن من افادة الآيات.

ولكن لنا مناقشة في التمسك بهذه الآيات على جواز المهادنة فانها كما قال: (مع العدو المستقر على أرضه و الباقي على دولته و نظامه المدني، و ربّما يكون قويّاً و غالباً على أمره، بل أقوى أحياناً من المسلمين). بينما هذه الآيات نزلت بعد فتح مكة حيث كان المشركون تحت هيمنة الحكومة الاسلامية فما كان من رسول الله رفع الامان عنهم بعد خيانتهم وانما امهلهم اربعة اشهر و استثنى منهم هؤلاء الذين لم يخونوا المسلمين، فلم يكن ما صدر عن رسول الله مصداق للمهادنة بل كان امهال لهم ورفع الامان بعد انتهاء المهلة. وعلى كل حال يكفينا في خصوص جواز المهادنة ما سبقت من الادلة.

 


[1] 1. المهادنة ص8/ مجلة فقه اهل البیت، ج8، ص7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo