< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

قال المصنف: و أما المساكن ‌فكل ما يستجده الذمي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من‌ ‌مجاوريه و يجوز مساواته على الأشبه، و يُقرّ ما ابتاعه من مسلم على علوه كيف كان، و لو انهدم لم يجز أن يعلو به على المسلم و يقتصر على المساواة فما دون[1] .

قد تحدثنا حول هذه المسئلة وذكرنا نصوصا من كلمات فقهائنا واشرنا الى ادلتهم في إثبات عدم جواز اعلاء بناء الذمي عن جيرانه المسلمون و كان مما استندوا اليه النبوي المشهور: " الاسلام يعلو ولا يعلى عليه [2] " وقلنا انّ سنده عاميّ ولم يرد من طرقنا الّا عن الصدوق مرسلاً في باب الارث. فلا اعتبار بسنده.

واليوم نريد ان نستعرض دلالته؟ ثم نتطرق الى سائر الادلة فنقول: لو غمضنا العين عن السند وقلنا بحجيته، فلابد من التأمل في دلالته،

فنقول: ان هذا الحديث جملة خبرية يحتمل صدوره بقصد الانشاء، فيصبح معناه: يجب اعلاء الاسلام ومنع اعلاء غيره عليه، ولكن لو كان بهذا المعنى فانما يجب علينا اعلاء الاسلام لا اعلاء المسلم، نعم يمكن القول بملازمة الامرين، ثم ياتي الكلام في انّه هل ارتفاع البيت اعلاء لصاحبه وانخفاضه ضعة لمالكه؟ ما اظن ذلك، فكم من ابنية منخفضة اشرف من بعض الابنية العالية، مثلاً في هذا العصر فيلا أهمّ من آبارتمان و نظام الشقق في البنايات العالية، و لعل في القديم كذلك لم يكن العلو دائما دليل على الافضلية فعليكم ان تجعلوا موضوع الحكم، ان لا يكون بيت الذمي افضل من بيت المسلم، سواء في العلو او السعة او مواد البناء او الزخارف، ولم يلتزم بذلك احد من الفقهاء. ثم ان العدول عن ظاهر الجملة الخبرية عن معنى الخبر الى الانشاء امر يحتاج الى قرينة صارفة وهي مفقودة فيما نحن فيه، بل الظاهر ان الحديث بصدد البيان و الاخبار عن حقيقة الاسلام من انها حقيقة راقية لا يساويها دين ولا قانون، فالاسلام بمنطقه وبرامجه وقيمه العالية يفوق غيره ولا يُتفوّق عليه دين او نحلة. فقوله: الاسلام يعلوا لا علاقة له بعلو المسلم في البناء.

و ان ابيتم عن قبول هذا الظهور و توقفتم مترددا بين المعنيين واحتملتم كلا الامرين لا يبقى لكم مجال للاستدلال لانه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

امّا الاجماع فليس الا ما نقله او فقل ادعاه العلامة، وهو اثبت الاجماع لما روي فظاهره هو الاجماع المستنبط مما روي فهو اخبار عن الحدس ولا يخبر عن الحس، مضافاً الى ما قلناه مراراً من انّ الاجماع لا يحصل في مثل هذه المسائل التي سكت عنها كثير من الفقهاء العظام، واقصاها يمكن ادعاء لا خلاف وهو غير حجة. ولو ثبت الاجماع فهو مدركي، فعلينا ان نراجع المدرك ومدركه غير تام سندا ودلالة كما عرفت.

اما قول العلامة: و لأنّ في ذلك رتبة على المسلمين، و أهل الذمّة ممنوعون من ذلك[3] ، فنقول اولا: لم نفهم للرتبة هنا معنى محصل؟ ثم ما الدليل على ممنوعية الرتبة؟ ثم اذا اردنا ان نتمسك بمثل هذه الاستحسانات فلابد من القول بعدم جواز أوسعية بيوتهم عن المسلمين، و كذالك افضلية مواد البناء و زخرفته ايضا وهلم جرّاً؟

اما ما استند اليه في الجواهر مضافاً الى ما سبق من: قوله تعالى: وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِين و غير ذلك مما دل على رجحان‌ رفعة المؤمن و ضعة الكافر في جميع الأحوال ، فنقول ان الآية تتحدث مَعَنا عن العزة الواقعية التي لا يدركها المنافق، و ذلك يتضح من سياق الآية الكريمة قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [4] فالعزّة المذكورة لا تنفصم باقصرية الدار او ارفعيته بل هي عزة لازمة لله و لرسوله و للمؤمنين. ولو كانت العزّة بهذه الامور التافهة لقلنا هؤلاء المسلمون الاثرياء كانوا اعزّ من مولانا امير المؤمنين عليه السلام او عن رسول الله صلى الله عليه واله. مضافاً الى اننا لو تسلّمنا للزوم رفعة المسلم و ضعة الكافر في البناء لا وجه للاجازة في شراء بيت ارفع من جيرانه او لا اقل ان نمنع من سكنى الكافر فيه؟ وانتم التزمتم بجواز الشراء ثم السكن فيه بل عليكم ان تقولوا بنزع كل ما يميز الكافر في المال والرفاهية عن المسلمين وهذا لم يتفوه به احد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo