< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد ما انتهينا من البحث حول دُور عبادة اهل الذمة، تطرّق المصنف الى حكم المساكن فقال: و أما المساكن ‌فكل ما يستجده الذمي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من‌ ‌مجاوريه و يجوز مساواته على الأشبه، و يُقرّ ما ابتاعه من مسلم على علوه كيف كان، و لو انهدم لم يجز أن يعلو به على المسلم و يقتصر على المساواة فما دون.[1]

 

فذكر هنا اربعة فروع:

اولاً:عدم جواز ترفيع الذمي بنائه على مجاوريه المسلمين،

ثانياً: جواز مساواته مع المسلمين،

ثالثاً: اقرار ما ابتاعه من مسلم ولو كان اعلى من بيوت المسلمين،

رابعاً: إنْ هدم بيته الأعلى لا يجوز له في تجديد البناء أن يعلو ببيته عن بناء مجاوريه.

 

هنا أوُدّ أن نُطلّ إطلالة على كلمات بعض الفقهاء:

 

قال الشيخ في المبسوط: أما دور أهل الذمة فعلى ثلاثة أضرب: دار محدثة و دار مبتاعة و دار مجددة. فأما المحدثة فهو أن يشترى عرصة يستأنف فيها بناء فليس له أن يعلوا على بناء المسلمين لقوله عليه السلام: الإسلام يعلوا و لا يعلى عليه. فإن ساوى بناء المسلمين و لم يعل عليه، فعليه أن يقصره عنه، و قيل: إنه يجوز ذلك، و الأول أقوى. و أما الدور المبتاعة فإنها تقر على ما كانت عليه لأنها هكذا ملكها. و أما البناء الذي يعاد بعد انهدامه فالحكم فيه كالحكم في المحدث ابتداء لا يجوز أن يعلوا به على بناء المسلمين و المساواة على ما قلناه، و لا يلزم أن يكون أقصر من بناء المسلمين [من] أهل البلد كلهم، و إنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلته[2] .

وقال العلامة في المنتهى: (دور أهل الذمّة على أقسام ثلاثة:أحدها: دار محدثة.الثاني: دار مبتاعة.الثالث: دار مجدّدة. فالمحدثة: هو أن يشتري عرصة يستأنف منها بيتا، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين إجماعاً؛لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»‌. و لأنّ في ذلك رتبة على المسلمين، و أهل الذمّة ممنوعون من ذلك، و لهذا منعناهم من صدور المجالس. و هل يجوز أن يساوي بناء المسلمين؟ قال الشيخ- رحمه اللّه-: ليس له ذلك، بل يجب أن يقصر عنه. و للشافعيّ وجهان: أحدهما: هذا. و الثاني: أنّه يجوز ذلك.

لنا:قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»‌ و لا يتحقّق علوّ الإسلام بالمساواة. و لأنّا منعناهم من المساواة للمسلمين في اللباس و المركوب، فكذا هنا.احتجّوا: بأنّه ليس بمستطيل على المسلمين. و الجواب: القول بموجبه، لكنّا نقول: إنّه كما يمنع من الاستطالة، يمنع من المساواة؛ لما تقدّم.

 

و أمّا الدار المبتاعة: فإنّها تترك على حالها من العلوّ و إن كانت أعلى من المسلمين؛ لأنّه هكذا ملكها، و لا يجب هدمها؛ لأنّه لم يبنها، و إنّما بناها المسلمون، فلم يعل على المسلمين شيئا.و كذا لو كان للذمّيّ دار عالية، فاشترى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها، أو بنى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها، فإنّه لا يجب على الذمّيّ هدم علوّه. أمّا لو انهدمت دار الذمّيّ العالية، فأراد تجديدها، لم يجز له العلوّ على المسلم إجماعا، و لا المساواة على الخلاف.و كذا لو انهدم ما علا بها و ارتفع، فإنّه لا يكون له إعادته.و لو تشعّب منه شي‌ء و لم ينهدم، جاز له رمّه و إصلاحه؛ لأنّه استدامة و إبقاء، لا تجديد.و أمّا المجدّدة فكالمحدثة سواء، و قد تقدّم.

 

إذا عرفت هذا: فإنّه لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد، و إنّما يلزمه أن يقصّره عن بناء محلّته[3] ).

 

وقال في الجواهر تعليقا على كلام المحقق: ( لا غيرهم كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا في الظاهر كما اعترف به في الرياض بل في المسالك «المنع من العلو موضع وفاق بين المسلمين» و في المنتهى «دور أهل الذمة على أقسام ثلاثة: أحدها دار محدثة، و الثاني دار مبتاعة، و الثالث دار مجددة، فالمحدثة هي أن يشتري عرصة يستأنف فيها بستانا فليس له أن يعلو على بناء المسلمين إجماعا- إلى أن قال-: و أما المجددة فكالمحدثة سواء» و نحوه عن التذكرة، و هو الحجة بعد إمكان استفادته من ‌قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»‌ و من قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ» و غير ذلك مما دل على رجحان‌ رفعة المؤمن و ضعة الكافر في جميع الأحوال. بل لعل المستفاد من ذلك خلاف ما ذكره المصنف من أنه يجوز مساواته على الأشبه و إن حكي عن المبسوط نسبته إلى القيل، بل ربما حكي عن بعض منا، بل هو مقتضى الأصل، إلا أن الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين و غيرهم على المنع، بل هو المشهور لما عرفت و به يخص الأصل[4] ).

 

والشيخ انما استدل بالنبوي. ولكن العلامة جعله دليل المجمعين، فقال: إجماعاً؛لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»

 

لكن الجواهر اعتبر الشهرة متممة لحجية النبوي.

وعلى كل حال يمكن ان نلخص الادلة التي استندوا اليها لهذا الحكم في امور:

 

احدها: حديث المشهور: المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: "الاسلام يعلو ولا يعلى عليه" (صحيح البخاريّ 2: 117)

 

ثانيها: ما مضاف العلامة على النبوي في استدلاله فقال: (و لأنّ في ذلك رتبة على المسلمين، و أهل الذمّة ممنوعون من ذلك)

 

ثالثها: الاجماع. وقد ادعاه العلامة وقال الشهيد في المسالك: «المنع من العلو موضع وفاق بين المسلمين[5] »ولكن صاحب الجواهر انما قال: (كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا في الظاهر) ولكنه جعل نقل الاجماع حجة اذا كان استنادهم حديث الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.

 

رابعها: ما جاء في الجواهر من قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ» و غير ذلك مما دل على رجحان‌ رفعة المؤمن و ضعة الكافر في جميع الأحوال،.

 

فنقول: اما حديث "الاسلام يعلو"الحديث، فلم يرد الا من طريق العامة، ولم يرد في موسوعاتنا الحديثية الا عن الصدوق في الفقيه في ميراث المسلم من الكافر وعدم ميراث الكافر من المسلم حيث قال: "فَالْإِسْلَامُ يَزِيدُ الْمُسْلِمَ خَيْراً وَ لَا يَزِيدُهُ شَرّاً، وَ مَعَ قَوْلِهِ ع‌ الْإِسْلَامُ‌ يَعْلُو وَ لَا يُعْلَى عَلَيْه[6] . وكما ترون لم يذكر له سند فلا عبرة بنقله والشهرة الروائية لا تفيدنا في مثل هذه المسئلة التي عرفنا من فقهائنا عدم الاهتمام بها وانما ساروا فيها على مسار العامة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo