< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : احكام الارضين

كان بحثنا حول الغنائم و طرداً للباب فتح المصنف فصلًا خاصاً باحكام الأرضين فقال:

(الثاني في أحكام الأرضين: كلّ أرض فتحت عنوة و كانت محياة، فهي للمسلمين قاطبة.و الغانمون في الجملة و النظر فيها إلى الامام ولا يملكها المتصرف على الخصوص. و لا يصح بيعها، و لا هبتها، و لا وقفها و يصرف الامام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور، و معونة الغزاة، و بناء القناطر)

انّ الأراضي تنقسم من حيث الطبيعة الى أربعة اقسام: الأراضي الموات بالاصالة، وهي التي لم يسبقها إعمار بفعل البشر، والأراضي الموات التي طرء عليها الموت، والاراضي المحياة بالاصالة كالغابات والمراتع، والأراضي المحياة بفعل البشر. ثم الأراضي المحياة بفعل البشر تنقسم من الناحية السياسية الى أربعة أقسام ايضاً: الأراضي المفتوحة عنوة، وأراضي الجلاء و أراضي الصلح، والأراضي التي أسلم عليها أهلها. وكلامنا هنا القسم الاول وهو المفتوحة عنوة مما كان محياة بفعل البشر وهذا النوع هو محطّ البحث عند المحقق رضوان الله عليه في هذا المقطع من كلامه. فاولاً علينا أن نحدّد الموضوع لغة واصطلاحاً:

قال في لسان العرب: (قال الله تعالى: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. قال الفراء: عَنَتِ الْوُجُوهُ نَصِبَتْ له و عَمِلتْ له، و ذكر أَيضاً أَنه وضْعُ المُسْلِمِ يَدَيْه و جَبْهَته و ركْبَتَيْه إِذا سَجَد و رَكَع، و هو في معنى العَرَبيَّة أَن تقول للرجل: عَنَوْتُ لَكَ خَضَعْت لك و أَطَعْتُك، و عَنَوْتُ للْحَقِّ عُنُوّاً خَضَعْت. و قيل: كلُّ خاضِعٍ لِحَقٍّ أَو غيرِه عانٍ، و الاسم من كلّ ذلك العَنْوَة. و العَنْوَة: القَهْرُ. و أَخَذْتُه عَنْوَةً أَي قَسْراً و قَهْراً،.... و فُتِحَتْ هذه البلدةُ عَنْوَةً أَي فُتِحَت بالقتال، قُوتِل أَهلُها حتى غُلِبوا عليها، و فُتِحَت البلدةُ الأُخرى صُلْحاً أَي لم يُغْلبوا، و لكن صُولِحُوا على خَرْج يؤدُّونه).

اما كيف يمكن تعيين المصاديق فقد ذكروا له طرقاً عديدة:

منها: بنقل من يوثق بنقله، ومنها: الاشتهار بين المؤرخين، ومنها: ضرب الخراج من الحاكم و ان كان جائراً، و منها: أخذ المقاسمة من ارتفاعها، مستدلاً بأصالة الصحّة في تصرّفات المسلمين، و منها: كونها عامرة وقت الفتح بالقرائن المفيدة للظّن المتاخم للعلم، كتقادم عهد البلد، و اشتهار تقدّمها على الفتح، وكون الأرض مما تقتضي القرائن المذكورة بكونها مستعملة في ذلك الوقت، لقربها من البلد و عدم‌المانع من استعمالها عادة، و نحو ذلك مما لا يضبطه إلّا الأمارات المفيدة للعلم أو ما يقاربه. هذه الوجوه التي ذكرها الشهيد في المسالك. ولكن لا يمكن ان نلتزم بالموضوعية لهذه الاسباب وانما الميزان هو حصول الاطمينان من خلال هذه الاسباب. و قد عدّوا من المفتوحة المكّة المشرّفة، و سواد العراق، و بلاد خراسان، و الشام.

اما بالنسبة الى الحكم فقال المحقق: (كلّ أرض فتحت عنوة و كانت محياة، فهي للمسلمين قاطبة) ومما يستدل به لهذا الحكم الاجماع قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا،... بل في الغنية و المنتهى و قاطعة اللجاج للكركي و الرياض و موضِعين من الخلاف بل و التذكرة على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه، بل هو محصل). فلا يبقى شبهة في الحكم.

ومما يستدل بها الروايات منها : صحيحة الحلبي: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ: "سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ السَّوَادِ مَا مَنْزِلَتُهُ- فَقَالَ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ هُوَ الْيَوْمَ- وَ لِمَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْيَوْمِ- وَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ- فَقُلْتُ الشِّرَاءُ مِنَ الدَّهَاقِينِ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ- إِلَّا أَنْ تُشْتَرَى مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُصَيِّرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ- فَإِذَا شَاءَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا- قُلْتُ: فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ؟ قَالَ يَرُدُّ عَلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ- وَ لَهُ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَا عَمِلَ"(الوسائل ج17 كتاب التجارة باب21من ابواب عقد البيع ح4).

اما السند فصحيح اعلائي ، والدلالة واضحة صريحة والمراد من السواد أراضي العراق التي هي من المفتوحة.

منها: رواية ابي الربيع: وَ عَنْهُ – في التهذيب باسناده عن حسين بن سعيد- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا تَشْتَرِ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ شَيْئاً- إِلَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَإِنَّمَا هُوَ فَيْ‌ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ"(المصدرح5). اما السند ففيه خالد بن جرير لم يرد له توثيق صريح ولكن الكشي يروي عن محمد بن مسعود في شأنه انه قال: (سألت علي بن الحسن عن الخالد بن جرير الذي يروي عنه حسن بن محبوب فقال كان من بُجيلة وكان صالحاً). وكذالك ذكر عرضُ دينه الى الامام الصادق عليه السلام وشهد بوجوب طاعة الائمة الى الصادق عليه السلام، فصدّقه الامام على عقيدته وقال له عليه السلام: "حسبك اُسكت الأن فقد قلتَ حقاً" فعلى من يتجمد على التوثيق لم يقتنع به. كذالك فيه ابي الربيع الشامي ولم يرد له توثيق ايضاً ولو انّ صاحب الجواهر عدّ الرواية صحيحة. واما الدلالة فنَهيُ الامامِ عليه السلام عن شراء أرض السواد معلّلاً بانّها فيئٌ للمسلمين ظاهرةٌ في المقصود.

منها: خبر شريح: (وَ بِإِسْنَادِهِ – الشيخ في التهذيب - عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ شِرَاءِ الْأَرْضِ- مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَكَرِهَهُ- وَ قَالَ: إِنَّمَا أَرْضُ الْخَرَاجِ لِلْمُسْلِمِينَ- فَقَالُوا لَهُ: فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ وَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا؟- فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إِلَّا أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ عَيْبِ ذَلِكَ".

اما السند ففيه :حسن بن محمد بن سماعة قال فيه الشيخ في الفهرست: (الكوفي واقفي المذهب الا انه جيد التصانيف نقي الفقه حسن الانتقاد – انتقاء - وله ثلاثون كتاباً...) وقال فيه النجاشي: (ابو محمد الكندي الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث ثقة فقيه وكان يعاند في الوقف و يتعصب...) وهو الذي قال في الامام الهادي عليه السلام لما رأى منه بعض المعجزات: انّه ساحر او كاهن. وفيه عبد الله بن جبلة قال فيه النجاشي: (بن حنان بن أبجر الكناني أبو محمد عربي صليب ثقة –الى ان قال- وكان فقيها مشهورا ثقة له كتب..) وفيه علي بن حارث وهو مجهول. وفيه بكار بن ابي بكر الحضرمي ولم يرد له توثيق. فالرواية ساقطة سنداً. وام الدلالة فكراهة الامام عليه السلام لشرائها والتعليل بانّها ارض الخراج للمسلمين يكفينا دلالة على المطلوب.

منها: رواية ابي بردة: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع كَيْفَ تَرَى فِي شِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ- قَالَ وَ مَنْ يَبِيعُ ذَلِكَ؟ هِيَ أَرْضُ الْمُسْلِمِينَ- قَالَ قُلْتُ: يَبِيعُهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ- قَالَ وَ يَصْنَعُ بِخَرَاجِ‌ الْمُسْلِمِينَ مَا ذَا؟- ثُمَّ قَالَ لَا بَأْسَ اشْتَرَى حَقَّهُ مِنْهَا- وَ يُحَوَّلُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ- وَ لَعَلَّهُ يَكُونُ أَقْوَى عَلَيْهَا وَ أَمْلَأَ بِخَرَاجِهِمْ مِنْهُ". في سندها ابي برده ولم يرد له توثيق والجواهر يعبر عن هذا الحديث بصحيح صفوان، فكانّه غفل عن من يروي عن الامام. واما الدلالة فتحدثنا عنها سابقاً. ولا باس بها.

ومنها: مارواه الكليني رواية مفصلة عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ ع قَالَ: من جملتها: " وَ الْأَرَضُونَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً بِخَيْلٍ وَ رِجَالٍ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ مَتْرُوكَةٌ فِي يَدِ مَنْ يَعْمُرُهَا وَ يُحْيِيهَا وَ يَقُومُ عَلَيْهَا عَلَى مَا يُصَالِحُهُمُ الْوَالِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنَ الْحَقِّ النِّصْفِ أَوِ الثُّلُثِ أَوِ الثُّلُثَيْنِ وَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكُونُ لَهُمْ صَلَاحاً وَ لَا يَضُرُّهُمْ" وسندها مرسلة مجهولة ودلالتها لا بأس بها.

وعلى كل حال يكفينا الاجماع على الحكم و في هذه الروايات الرواية الاولى كانت صحيح السند وتام الدلالة فكون الاراضي المحياة بعمل البشرالمفتوحة عنوة للمسلمين اي ملك لهم بعنوانهم، يستفيدون من ارتفاعها دون عينها امر مسلّم مقبول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo