< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ذكرى بيعة الغدير

أود قبل أن نتابع بحثنا الفقهي نتبارك بكلام من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ونحن نعيش ذكرى الغدير الذي يتعلق بأمر الولاية، قال عليه السلام: "لنا حقٌّ فإن اُعطيِناه، و الّا رَكِبنا أعجازَ الإبل وإن طال السُرَى" نستفيد من هذا الكلام أن الحق لا يفرض نفسه على الناس قهرا عليهم بل يدعوا الناس الى نفسه ويدلهم على الحق فإن خضعوا له يحكم بينهم و يأخذ بذمامهم الى كل خير والا يتركهم ونفسهم ولا يخرب عليهم وهذا كان سيرة الانبياء مع اممهم ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم مع أهل المكة و المدينة وسائر نقاط جزيرة العرب وكذالك امير المؤمنين ولا يعني ذالك ان الناس مخيرون شرعا في أن يخضعوا للحق او لم يخضعوا بل بجب عقلا وشرعا الخضوع والتسليم للحق دون الباطل وللافضل دون المفضول ويظهر هذا الكلام مما جاء في النهج البلاغة عنه عليه السلام بعد مقتل عثمان لما اراد النس أن يبايعوه فقال:

"دَعُونِي وَ الْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَ إِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ الْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَ اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَ عَتْبِ الْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً"[1] فمن تأمل في هذا الكلام يجد بوضوح انه لم يكن رافضاً للبيعة بل انما يريد الاشارة الى عدم مسالمة الناس له و ميلهم الى الباطل فيتركهم وشأنهم ولكن لو كانت القلوب راضية به لما قال بذالك، نعم هو لم يكن ليفسد الامور على الامة و يثير الفتنة في المجتمع ككثير من السياسيين حيث اذا لم يستطب الامور لهم يريدون أن لا يستطيب لأحد غيرهم أيضاً. فينبغي لمن هو ناصح للامة ان يسير بهذه السيرة المباركة ويجتنب عن الفتنة والخلافات المبيدة للحرث والنسل. وقانا الله تعالى من سرور انفسنا وسيئات أعمالنا و ثبتنا الله على تولي الحق ورفض الباطل.

كان بحثنا في الطرف الرابع من الركن الثاني في الجهاد وهذا الطرف خصه المحقق باحكام الأسرى وقد مر بنا بعض الفروع في هذا المبحث فوصلنا قبل التعطيل بمناسبة عيد الاضحى والغدير الى قول المحقق: (و يجب أن يُطعَم الأسير و يُسقى و إن أريد قتله و يكره قتله صبراً و حمل رأسه من المعركة).[2]

في هذا المقطع من كلام المحقق وردت ثلاثة فروعٍ:

الأول: وجوب أطعام الأسير، هو المشهور بين الفقهاء قال صاحب الجواهر في هذا القول انه : (نسب إلى ظاهر الأصحاب، بل نفي الخلاف عنه عدا شاذ من المتأخرين). و لكنه رضوان الله عليه بعد سرد أدلّة قول المشهور على وجوب الإطعام قال: (و لكن الإنصاف انسياق الندب من النصوص المزبورة بملاحظة بعض القرائن فيها، سيما خبر أبي بصير المشتمل على تفسير الآية المساقة للمدح، مضافاً إلى معلوميّة عدم احترام نفس المشرك الذي هو شرّ الدواب المؤذية، بل طلب إتلافها نعم قد يقال بإطعامه لبقاء حياته حتى يصل إلى الإمام عليه السلام، و اللّٰه العالم.)

فهو يستدل على نفي الوجوب اولاً بسياق النصوص وثانياًعدم احترام نفس المشرك بل طلب اتلافها.

وقد خصّص صاحب الوسائل باباً بالموضوع أعلاه ويظهر من عنوان الباب انه أيضاً أفتى بالاستحباب لا الوجوب، و إليك عنوان الباب:

َابُ 32 اسْتِحْبَابِ الرِّفْقِ بِالْأَسِيرِ وَ إِطْعَامِهِ وَ سَقْيِهِ وَ إِنْ كَانَ كَافِراً يُرَادُ قَتْلُهُ مِنَ الْغَدِ وَ أَنَّ إِطْعَامَهُ عَلَى مَنْ أَسَرَهُ وَ يُطْعَمُ مَنْ فِي السِّجْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)‌[3]

فعلينا أن نلقي نظرة فاحصة على الروايات في اسنادها و دلالاتها فهناك روايات كثيرة ناطقة بذالك:

منها: صحيحة زرارة: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِطْعَامُ الْأَسِيرِ حَقٌّ عَلَى مَنْ أَسَرَهُ- وَ إِنْ كَانَ يُرَادُ مِنَ الْغَدِ قَتْلُهُ- فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ وَ يُسْقَى- وَ يُرْفَقَ بِهِ كَافِراً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ".[4]

وهذا السند صحيح مضافاً الى أنّ الحديث رواه الكليني والتهذيب بأسناد اُخرى صحيحة ايضاً فلا شبهة في سندها، واما من حيث الدلالة، فوجه الحمل على الاستحباب هو أنّ صدر الحديث و لو هو ظاهر في وجوب الإطعام حيث جعله حقاً على من أسره، ولكن قوله "فانّهُ يَنبَغي" –يقلّب- ظاهر الوجوب الى الاستحباب.

و يرد على هذا الوجه أنّ مُفردة ينبغي يستعمل في الاعم من الاستحباب فهي تدل على مطلق المحبوبية كما أن -لا ينبغي- يستعمل في الكراهة بالمعنى الاعم من التنزيه والتحريم . فلا يبقى وجه لرفع اليد عن مايظهر من صدر الحديث من الوجوب.

ومنها: وَعَنْهُ – محمدبن الحسن عن صفار- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ- عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً قَالَ هُوَ الْأَسِيرُ- وَ قَالَ الْأَسِيرُ يُطْعَمُ وَ إِنْ كَانَ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ- وَ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ يُطْعِمُ مَنْ خُلِّدَ فِي السِّجْنِ- مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.[5]

اما السند ففيه محمد ابن الحسين بن أبي الخطاب، وقد وثّقه الكشي والشيخ وقال النجاشي في حقّه: (محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب أبوجعفر الزيّات الهمداني واسم أبي الخطاب زيد، جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون الى روايته) وذكر كتبه بعد ذالك. و وهيب بن حفص أيضاً وثّقه النجاشي فسنده صحيح.

و وجه الاستدلال على الاستحباب أن الآية المسؤول عنها تتحدّث عن صفات الأبرار وهي من مكارم الأخلاق التي لا يجب التحلّي بها، لأنّها فوق أداء الواجبات فلا تدل على وجوب إطعام الأسير وأما فعل الامام أقصاه دلالته على الاستحباب وعلى فرض دلالته على اللزوم فانما يثبت وجوب إطعام المُخَلّدون في السجن لبقاء حياتهم لأنّهم لم يكونوا مهدوري الدم. فلا يثبت أكثر من استحباب إطعام الأسير.

ويرد عليه بأن قوله عليه السلام: "الْأَسِيرُ يُطْعَمُ وَ إِنْ كَانَ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ" جملة خبرية وهي ابلغ من صيغة الأمر في الطلب فيدلّ على الوجوب كالأمر، واما الآية فموضوعها ليس إطعام الاسير بواسطة من اسره، كما يظهر مما ورد في شأن نزولها من أنّ المسكين واليتيم والاسير راجعوا أهل البيت عليهم السلام، خصوصاً انّ الاسير وقع في سياق اليتيم والمسكين. والموضوع المبحوث عنها هو حكم الاسير على من هو تحت يده، فظهور وجوب المستفاد من الجملة الخبرية لا صارف عنه. ونحن نتابع البحث غدا انشاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo