< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/12/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تكملة بحث الاسارى

و الذكور البالغون يتعين عليهم القتل إن كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا و الإمام مخير إن شاء ضرب أعناقهم و إن شاء قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و تركهم ينزفون حتى يموتوا و إن أسروا بعد تقضي الحرب لم يقتلوا و كان الإمام مخيراً بين المنّ و الفداء و الاسترقاق. ‌و لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم و لو عجز الأسير عن المشي لم يجب قتله لأنه لا يدري ما حكم الإمام فيه و لو بدر مسلم فقتله كان هدراً.

بقي علينا في تكملة البحث ثلاث نقاط نتحدث عنها، أحداها: ما يقال بان الامام مخير ما دامت الحرب قائمة بين ضرب أعناقهم و قطع ايديهم وارجلهم من خلاف حتى يموتوا من نزيف الدم ما الدليل على ذالك؟ ثم هل هذه الطرق متعينة في القتل او ذُكر كمصداق لاساليب القتل؟

قال في الجواهر بعد ذكر المسئلة: (كما صرح به غير واحد، بل هو المشهور بين الأصحاب بل ربما ظهر من بعض عدم الخلاف فيه، بل من آخر دعوى الإجماع عليه)[1] و بعض الفقهاء خالفوا الحكم قال ابي الصلاح الحلبي: (و إذا أسر المسلمون كافراً عُرض عليه الإسلام و رُغِّب فيه فان أسلم اُطلق سراحه، و ان أبى و كان أسره و الحرب قائمة، فالإمام مخيّر بين قتله و صلبه حتى يموت و قطعه من خلاف و تركه يجوز في دمه حتى يموت أو الفداء به)[2] فهو جعل أطراف التخيير بين مطلق القتل، والصلب حتى يموت، والقطع من خلاف والفداء. وقال ابن براج: (الأسارى على ضربين: أحدهما ما يجوز استبقائه- و الأخر لا يستبقي)[3] الى أن قال: (و اما الضرب الثاني فحكمه الى الامام أو من نصبه أيضا، و هو مخير في قتلهم بأي نوع اراده من أنواع القتل). ومن الفقهاء من اطلق وجوب القتل من دون بيان للكيفية.

واستندوا في لزوم القتل بأحد الطريقين بخبر طلحة بن زيد الآنف الذكر حيث قال: (سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: كان أبي يقول إن للحرب حكمين إذا كانت الحرب قائمة و لم يثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم، ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت و هو قول اللّٰه عز و جل ﴿ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ الآية، الحديث)[4] .

وهذا الحديث مضافاً الى ضعف سندها اسند الحكم بما ورد في الآية الشريفة وفيها اولاً: يقتلوا وهو مطلق يشمل انواع القتل ثم الخيار الثاني هو الصلب وليس في الحديث منه أثر وفي الأخير جاء: او ينفوا من الأرض، ولم يقل به أحد وهو ليس فيه القتل وما ذكر من المعنى و هو هروب العدو خلاف الظاهر مضافا الى أن في مبحث المحاربة فسر الاخير بنفي البلد لاهروب العدو. فحمل الحديث على أن المراد من ذكر قطع الرقبة او قطع اليد والرجل حتى يموت من النزيف ذكر المصداق الميسور من القتل في تلك الازمنة، أولى، فيجوز قتلهم بالبندقية او قنبلات اليدوية وما شابه من الاسلحة الموفورة في ميادين الحرب. فالرواية ضعيفة سندا وقاصرة دلالة. فيمكن القول بجواز القتل باي طريق امكن ويكون اصلح حسب الظروف فما قاله المحقق من أنّ: (الإمام عليه السلام مخير في كيفية القتل إن شاء ضرب أعناقهم و إن شاء قطع أيديهم و أرجلهم و تركهم ينزفون حتى يموتوا)[5] لابد من حمله على ذكر مصداق كان أسهل في تلك الظروف. اذ لا دليل على التعين في الخيارين.

النقطة الثانية: دراسة ما قاله المحقق: (و لو عجز الأسير عن المشي لم يجب قتله لأنه لا يدري ما حكم الإمام فيه و لو بدر مسلم فقتله كان هدراً).

قوله لم يجب قتله ظاهر في الجواز قتله، ولو أن عدم الوجوب يجتمع مع الأحكام الأربعة خلافه، ولذا قال الشهيد في المسالك: تعليقاً على كلام المحقق: (و المراد بالأسير هنا المأخوذ و الحرب قائمة، لا بعد انقضائها)[6] ،ثم يستشهد لقوله: ( بأن القتل عن الثاني مرتفع أصلا، و التعليل يشعر بذلك، للعلم بأن الإمام لا يحكم بقتل هذا النوع). (و أمّا الأول فلأنّه لا يعلم ما حكم الامام فيه بالنسبة إلى نوع القتل الذي يقتله به

ثم يأتي بدليل آخر فيقول: (و أيضا فقتله بعد انقضاء الحرب إلى الامام، فلا يجوز لغيره، كما في الزاني المحصن و نحوه) ثم يقول: (و كان حقّ العبارة نفي الجواز، لا نفي الوجوب، لما عرفته من التقرير).

ثم يأتي باحتمال آخر فيقول: (و يمكن أن يكون نفي الوجوب على أصله، بمعنى أن الأسير إن عجز عن المشي، و لم يتمكّن من ركوبه، و لا من إيصاله إلى الإمام، فإنّه يحتمل هنا أن يقال:يجب قتله، لأن القتل متعيّن عليه، فلا يجوز للمسلم أن يتركه و ينصرف، لما فيه من الإخلال بالواجب و تقوية الكفار، فإنه يستريح و يذهب إليهم، و لأنه يؤدّي إلى جعل‌ ذلك وسيلة إلى الخلاص بالحيلة).

وفي الأخير يرجح عدم الجواز فيقول: (و على ما بيّناه لا يجوز قتله حينئذ، بل يتركه و يذهب. و عليه العمل، لقول زين العابدين عليه السلام: «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي، و لم يكن معك محمل، فأرسله و لا تقتله، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه».

و لو بدر و قتله مسلم أو كافر فلا قصاص و لا دية و لا كفّارة، لأنه كافر لا أمان له. نعم يعزّر قاتله. و كذا الحكم لو قتله قاتل من غير عجز).

والروايات مختلفة في هذه المسئلة: منها: (عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: إِذَا أَخَذْتَ أَسِيراً فَعَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ- وَ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ مَحْمِلٌ فَأَرْسِلْهُ وَ لَا تَقْتُلْهُ- فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ الْإِمَامِ فِيهِ- وَ قَالَ الْأَسِيرُ إِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ حَقَنَ دَمَهُ وَ صَارَ فَيْئاً)[7] . وهي ضعيفة السند وظاهرة في عدم جواز القتل.

ومنها: بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ‌ ‌مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِأَسِيرٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَبَايَعَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ ع- لَا أَقْتُلُكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ- فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَ أَعْطَاهُ سَلَبَهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ.[8] وهي كالسابقة

ومنها: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْداً مُشْرِكاً وَ هُوَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ- فَقَالَ الْعَبْدُ لَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ- وَ خَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَلْحَقَ الْعَبْدُ بِالْعَدُوِّ- أَ يَحِلُّ قَتْلُهُ قَالَ إِذَا خَافَ فَاقْتُلْهُ.[9] وهي تدل على جواز القتل ولا بأس بسنده.

و رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَافَ أَنْ يَلْحَقَ الْقَوْمَ يَعْنِي الْعَدُوَّ حَلَّ قَتْلُهُ [10]

فالمستفاد من هذه الروايات انه اذا عجز عن حمل الاسير وخاف لحوقه بالعدو يجوز قتله فهذه الحالة يستثنى من حرمة القتل. ولا منافات بين ما حرو القتل وما أجاز.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo