< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : في الاسارى

كان بحثنا في قول المصنف رضوان الله عليه: (الطرف الرابع في الأسارى و هم ذكور و إناث فالإناث يُملكن بالسبي و كذا الذراري)[1] بعد ما قلنا أن اعتراف الاسلام بمبدء السبي في قتال الكفار مما لا نقاش فيه فنريد أن نتحدث عن تفاصيل المسئلة ، فاوّل ما طرحه المحقق جواز تملك النساء و الذراري بالسبي وكان ينبغي له قبل ذالك ان يتحدث عن عدم جواز السبي الا في الحرب والإثخان في الأرض فنحن نتحدث عن حصر السبي بالقتال دون الاصطياد و دون الاختطاف او الهجوم الى المشركين لسبي نسائهم و ذراريهم او ترقيق رجالهم فنقول مما يدل على هذا المعنى قول الله عزوجل: ﴿ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‌ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُريدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُريدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ [2] وكذالك قوله تعالى: ﴿ فَإِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها...الآية [3]

ففي الآية الاولى نفى حق الأسر الا بعد الاثخان في الارض، وفي الثانية امر بشد الوثاق بعد ما اثخنوا الكفارفعلينا آن نعرف معنى مادة الاثخان:

جاء في المنجد في اللغة: (أثخن في الأمر: بالغ في العدو: بالغ وغلظ في قتلهم، أثخن في الأرض أكثر القتل فيها).

وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: (أثخن في العدو: بالغ الجراحة فيهم، وحتى اذا أثخنتموهم، اي غلبتموهم و كثر فيهم الجراح)[4] .

وقال ابن منظور في لسان العرب: (وفي التنزيل "حتى اذا اثخنتموهم فشدو الوثاق" قال أبو العباس معناه غلبتموهم وكثر فيهم الجراح فأعطوا بأيديهم....و قال ابو اسحاق في قوله تعالى: "حتى يثخن في الارض" معناه حتى يبالغ في قتل أعدائه ويجوز أن يكون: حتى يتمكّن في الارض، والاثخان في كل شيئ قوته وشدته...)[5]

وقال الزمخشري في اساس البلاغة: (ثخن الشيء: كثف و غلظ ثخنا وثخانة وثخونة، وثوب ثخين ومن المجاز أثخنته الجراحات و تركه مثخنا وقيذا، و أثخن في العدو بالغ في قتلهم و غلظ وأثخن في الارض أكثر القتل وأثخن في الامر بالغ فيه)[6]

و قال في الامثل: (و الفعل «يثخن» مأخوذ من «الثخن» على زنة «المحن» و معناه في الأصل الضخامة و الغلظة و الثقل، ثمّ استعمل هذا اللفظ بمعنى الفوز و القوّة و النصر و القدرة).

فمعنى الإثخان في الآيتين واحد وهو التقدم على العدو و مطاردته و ملاحقته وقتله والمبالغة في ذالك، وليس كما زعم البعض بان المراد في آية الاولى عدم جواز الاسر الا بعد قوة الاسلام ومنعته.

فالمراد في الآيتين أنّه لا يحقّ أسر العدو الا بعد قتال شديد انتهى الى الغلبة والانتصار واستسلام العدو فيعاتب في الاية الاولى هؤلاء الذين كانت همتهم في الحرب أسر العدو ليستفيدوا منها في امر دنياهم، وفي الآية الثانية في سورة محمد يأكد على مواصلة الحرب حتى الانتصار الكامل ثم القاء القبض على العدو ليختاروا بعد الهدوء وانتهاء الحرب أحد الامرين منّاً او فداءً.

نعود الى كلام المحقق رضوان الله عليه حيث قال: (فالإناث يملكن بالسبي و كذا الذراري يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة) فهذا الكلام يشتمل على حكمين احدهما: ان اناث يملكن بالسبي، وثانيهما: هذا الأمر يجوز في أثناء الحرب ايضاً ولا حاجة الى انتهاء الحرب.

قال في الجواهر: (فالإناث من الكفار الأصليين الحربيين غير معتصمين بذمة أو عهد أو أمان يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة، و كذا الذراري أي غير البالغين بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك كما اعترف به في المنتهى بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة مع ‌ما أرسله في المنتهى، من أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان، و كان يسترقهم إذا سباهم)[7] ،

وهذا الكلام يفيد الدلالة على كلا الحكمين فاستدل لذالك على عدم خلاف الاصحاب في ذالك ثم ترقّى الى الاجماع و جعله حجة ثم أيّده بمرسلة علامة في المنتهى.

قال في المنتهى: (فالنساء و الأطفال- و هم من لم يبلغ خمس عشرة سنة من الذكور- يملكون بالسبي، و لا يجوز قتلهم بلا خلاف؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان و كان عليه السلام يسترقّهم إذا سباهم)[8] (ج14 ص202) وهذا الكلام انما يدل على جواز تملك النساء والاطفال بالسبي ولم يدل على جواز سبيهن اثناء الحرب.

وقال العلامة في التذكرة: (فالنساء و الأطفال يملكون بالسبي، و لا يجوز قتلهم إجماعا، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان . و يكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة: الخمس لأهله، و الباقي للغانمين)[9] .

ولا يظهر من هذا الكلام الا الاجماع على عدم جواز قتلهم، و اما سبيهم في اثناء الحرب فلا دلالة فيه على ذالك. والحديث الذى اشير اليه في التذكره والجواهر وغيرهما حديث عامي ورد في عدة من كتبهم فلا حجية له وظاهر الامر ان العلامة ايضا اخذ الحديث من العامة مضافا الى ان الحديث انما يدل على عدم جواز قتل النساء ولكن لا دلالة على جواز سبيهن قبل إنتهاء الحرب. فالمرجع اذاً فيهن أيضاً قول الله تعالى: ﴿ ما كان لنبي أن يكون له اسرى حتى يثخن في الارض [10] وقوله تعالى: ﴿ فَإِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً [11] فاطلاق الآيتين يشمل الذكور والإناث.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo