< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : آداب القتال

قد ثبت انه لا يجوز التمثيل بالعدو، هنا أودّ أن اُشير الى نقطة هامة وهو أنّ أحد من الكفار اذا مثّل بأحد من المسلمين فظفر المسلمون عليه قبل قتله فهل يجوز التمثيل به اقتصاصاً منه؟

الجواب : نعم، لأن اطلاق أدلّة القصاص يشمله، فإنّ أمره ليس أصعب من امر المسلمين لان المسلم لو مثّل به أحد من المسلمين ثم قتله، يجوز التمثيل به بمثل ما فعل باخيه، ثم قتله قصاصاً عن القتل، فاذا كان الممثّل كافراً فبالاولى يجوز ذالك لانّ الكافر أهون عند الله من المسلم، فقوله تعالى: ﴿ وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ [1] وكذالك قوله: ﴿ من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [2] وغيرهما من الآيات تشمل ما نحن فيه.

مضافاً الى بعض الروايات الواردة في الموضوع، منها: مارواه الكليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ع فِي رَجُلٍ فَقَأَ عَيْنَيْ رَجُلٍ وَ قَطَعَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ- فَقَالَ إِنْ كَانَ فَرَّقَ ذَلِكَ اقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ يُقْتَلُ- وَ إِنْ كَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً- ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ[3] . في السند محمدبن ابي حمزة قال الكشي فيه : (سألت ابا الحسن حمدويه بن نصير عن علي بن ابي حمزة الثمالي وحسين بن ابي حمزة و محمد اخويه و أبيه، فقال: كلهم ثقات فاضلون)[4] وأما محمد بن قيس الذي يمكن أن يكون راويا عن احدهما فهو مشترك بين اربعة: قال النجاشي: (ولنا محمدبن قيس الاسدي أبو أحمد ضعيف روى عن ابي جعفر عليهما السلام ...ولنا محمدبن قيس الاسدي ابو عبد الله مولى لبني نصرايضا كان خصيصا ممدوحا.... محمدبن قيس الاسدي ابو نصر الكوفي ثقة ثقة...ولنا محمدبن القيس البجلي ابو عبد الله ثقة عين كوفي روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام) والأغلب فيما نحن فيه هو أحد الثقتين حيث كان لهما كتاب وهما كانا يرويان عن احدهما عليهما السلام. فالسند لا بأس به. واما الدلالة فظاهرة في جواز الاقتصاص قبل القتل. نعم لا دليل على جواز الاقتصاص بعد القتل وقد أفتى الفقهاء في كتاب القصاص في من أضر بطرف مسلم ثم قتله، فان مات قبل القصاص عنه فيجب دية الطرف في ماله ثم دية كاملة للقتل. ولم يفتوا بجواز الاقتصاص في جسده بقطع اطرافه مثل الذي فعل بمقتوله قبل قتله. فلا نطيل الكلام في هذا المجال لأن لا نخرج عن طور البحث.

ثم مما طرح في بحث الجهاد حكم نقل الرؤوس قال العلامة في القواعد: ( ويكره نقل رؤوس الكفار إلا مع نكاية الكفار به)[5] وقال في التذكرة: (و أمّا نقل رءوس المشركين إلى بلاد الإسلام: فإن اشتمل على نكاية في الكفّار، لم يكن مكروها. و كذا إن أريد معرفة المسلمين بموته، فإنّ أبا جهل لمّا قتل حمل رأسه . و إن لم يكن كذلك، كان مكروها، لأنّه لم ينقل إلى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله رأس كافر قطّ)[6] . ومراده من النكاية الإذلال، فظاهر كلامه دوران الامر بين الكراهة وعدمها فالجواز كان مقطوعا عنده.

ولكن قال في الجواهر بعد الاشارة بهذا القول: (لعل ذلك ليس من التمثيل أو هو مستثنى، لكن يتوقف على الدليل، و اللّٰه العالم.)[7] فانه انما اشار الى حكم قطع الرأس للنقل. وكانه لم يرى لاصل النقل اشكال. ولكن قد يخطر ببالي انه اذا لم يُفعل ذالك قط، في غزوات وسرايا عصر النبي صلى الله عليه وآله فهو كاشف عن منعه من ذالك، اذ كان المتعارف في الحروب قطع الرؤوس وحملها الى البلاد ووضعها امام المنتصرين، ولو لم يكن منع من رسول الله لفعلوا ذالك.

ثم ما قال الشهيد من رفع الكراهة إذا كان فيه نكاية بالعدو، او لمعرفة المسلمين بموته، يرد عليه فلما ذا لم يستعملوا هذه الوسيلة للنكايه او للاعلام بموت العدو في عهد رسول الله ؟

فمن ذالك يمكن ان نستلهم المنع لأنه لو جاز ولو كراهة لفعلوا ذالك في عصر النبي او عصر علي عليهما وآلهما السلام. ولذا نري ان قطع الرؤوس وحملها كان شائعاً قبل الاسلام و في حكومة خلفاء بني الأمية وبني العباس لعنهم الله.

اما الغدر الذي جاء في كلام المصنف عطفاً على التمثيل في الحرمة حيث قال: (ولا يجوز التمثيل بهم و كذا الغدر بهم)[8] اصل الغدر الترك والمغادرة من هذا الباب وفي الاصطلاح هو: ترك الوفاء بالعهد و نقضه و الخيانة مع الاخر، وهذا من المحرمات حتى مع العدو، و الغدرهو قتلهم بعد الأمان، وحرمة الغدر من الامور الشرعية والعقلائية حتى كان العرب في عصر الجاهلية يسقبحون الغدر وقد نطق بقبح الغدر و حرمة نقض العهد: الكتاب والسنة، كما أشادا بالوفاء بالعهد والقرارات بين الافراد والمجتمعات. فقال تعالى: ﴿ واوف بالعهد ان العهد كان مسئولا [9] وقال: ﴿ والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون[10] [11] وقال: ﴿ اوفوا بالعقود ﴾ وغيرها من الآيات وكما مرت بنا في اكثر من حديث قوله ص: ﴿ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تُمَثِّلُوا وَ لَا تَغْدِرُوا ﴾ وكذالك ما رواه الكليني: عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا‌ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ص يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ- قَالَ لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا- قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَشْرَفَ رَجُلٌ فَقَالَ- أَعْطُونِيَ الْأَمَانَ حَتَّى أَلْقَى صَاحِبَكُمْ وَ أُنَاظِرَهُ- فَأَعْطَاهُ أَدْنَاهُمُ الْأَمَانَ وَجَبَ عَلَى أَفْضَلِهِمُ الْوَفَاءُ بِهِ[12] .- وسنده موثق والدلالة صريحة في المقصود.

2- و ما عن الكليني عَنْ علي ابن ابراهيم عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام: ( أَجَازَ أَمَانَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِأَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْحُصُونِ- وَ قَالَ هُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )[13] . سنده ضعيف بالمسعدة ولكن دلالته لابأس فيها. وعن كلينيَ عَنْ علي بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ آمَنَ رَجُلًا عَلَى ذِمَّةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْغَدْرِ.وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَهُ وَ رَوَاهُ فِي عِقَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ نَحْوَهُ . يحيى بن عمران وثقه نجاشي بقوله ثقة ثقة و عبد الله بن سليمان مذكور في الرجال ولم يرد له قدح ولا توثيق والرواية مروية عن المحمدون الثلاثة و مثل هذا معتمد عند كثير من الفقهاء والدلالة صريحة في المقصود. وَ ما عن الكليني عَنْ علي بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَوْ أَنَّ قَوْماً حَاصَرُوا مَدِينَةً فَسَأَلُوهُمُ الْأَمَانَ- فَقَالُوا لَا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ- فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ كَانُوا آمِنِينَ[14] . وَ كذلك الشيخ روى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنِ ائْتَمَنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ خَاسَ بِهِ- فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِي‌ءٌ وَ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ فِي النَّارِ[15] .


[10] سورة المعراج، الآية32.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo