< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل يجوز قتل المريض من الكفار والمشركين؟

بعد ما بحثنا عن الموارد التي لا يقتل بقي علينا مبحث آخر، ينبغي الإشارة اليها هو أنه هل يجوز قتل المريض من الكفار والمشركين؟

قد قسموا المريض الى قسمين : من يرجى برئه فهو يقتل و حكمه حكم الجريح الذي يجهز به. ومن لا رجاء لبرئه فهو كالمقعد اذا كان مرضه الى درجة اقعده عن القتال، فلا يقتل، وهذا الكلام ليس بعيداً عن القواعد فالذي يرجى برأه فعمومات القتال تشمله اما من لا يتوقع برئه فهو مصداق للمقعد.

قال العلامة في المنتهى : (المريض يقتل إذا كان بحالة لو كان صحيحاً لقاتل؛لأنّ ذلك بمنزلة الإجهاز على الجريح، أمّا لو آيس من برئه، فالوجه: أنّه يكون بمنزلة الزّمن؛ لأنّه لا يخاف منه أن يصير إلى حالة يقاتل فيها.[1]

ولكن يظهر من صاحب الجواهر أنه رفض التفصيل بين من يرجى برئه ومن لا يرجى فحكم في كلا القسمين بجواز قتلهم حيث قال: (نعم لو يئس من برئه ففي المنتهى و التحرير لم يقتل كالنساء، مع أنه لا يخلو من بحثٍ، للعموم، و كونهم شر الدواب، و في قتلهم تطهير للأرض منهم.و من هنا يقتل الفلاح الذي لم يقاتل)[2] ، ونحن ناقشنا في العموم و الاستدلال بشر الدواب و أما الاستدلال بأنّ قتلهم تطهير للأرض، فمنتقض بعدم جواز قتل أهل الذمة والنساء والاعمى والمقعد وغيرهم ممن لايجوز قتله، والاستدلال بمثل هذه الادلة من الاستحسان، و أما قياس المريض بالفلاح فهو قياس مع الفارق لأن الفلاح سليم قادر للقتال بخلاف المريض الذي لايتوقع برئه. هذا اولاً، وثانياً على ما اخترناه من المبنى من انه انما يقاتل المقاتل والذي لا يؤمن جاره فلا يجوز قتل المسالم. واما ما قال صاحب الجواهر من أنّ: (قول عمر بن الخطاب: اتقوا اللّٰه في الفلاحين الذين لا يبغون لكم الحرب،‌ ليس بحجة)، فلا نقاش فيه ولكن الرد الثاني لهذا الحديث بقوله: (خصوصا مع معارضة الكتاب و السنة) فهو غير صحيح بما بيناه سابقاً من عدم دلالة الادلة على وجوب قتال كل كافر او مشرك فما حكاه (عن الشافعي في أحد قوليه من عدم قتل أرباب الحرف و الصناعات و السوقة الذين لا يتعاطون القتال و لا يمارسون الأسلحة) موافق لما قلناه.

ومن الموارد الذي ذكرها الفقهاء لعدم جواز قتل الكافر هو رسولهم كما قال العلامة في التذكرة: (لا يقتل رسول الكافر)، ولعله مصداق للمستأمن قال تعالى: ﴿ وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [3] ولهذا البحث مجال آخر نذكره انشاء الله وهذا الحكم في الجملة من المسلمات، وقد ذكر في الجواهر حديث عامي كشاهد على هذا الحكم فقال:(روى العامة عن ابن مسعود: «أن رجلين أتيا النبي صلى اللّٰه عليه و آله رسولين لمسيلمة فقال لهما: اشهدا أني رسول اللّٰه فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول اللّٰه فقال النبي صلى اللّٰه عليه و آله: لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقيكما»‌ و منه يستفاد الأمان للرسل الذي هو مقتضى المصلحة و السياسة، ضرورة مسيس الحاجة إلى ذلك كما هو واضح، و اللّٰه العالم). ودلالتها على المقصود لا نقاش فيها.

بعد الفراغ من ذكر موارد عدم جواز القتل دخل المحقق في أفق جديد من البحث فقال:

(و لا يجوز التمثيل بهم و لا الغدر). مادة التمثيل تأتي بمعاني كثيرة جداً والمعنى الذي يناسب ما نحن فيه هو ما قاله في المحيط في اللغة: (و المُثْلَةُ و المَثُلَاتُ و المُثَلُ: العُقُوْبَةُ و التَّنْكِيْلُ، و مَثَلْتُ به أمْثُلُ، و منه قَوْلُه عَزَّ و جَلَّ: وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلٰاتُ ، و قُرِئَ: (المُثُلَاتُ) بضَمِّ المِيْمِ و (المُثْلاتُ) بتَسْكِيْنِ الثّاءِ.و امْتَثَلْتُ من فلانٍ: اقْتَصَصْتُ منه. و امْتَثِلْني من فلانٍ. و المَثْلُ: أن يُقْتَلَ مِثْلٌ بمِثْلٍ. و‌في الحَدِيْثِ : «لا تُمَثِّلُوا بنَامِيَةِ اللَّهِ» ‌يقولُ: لا تَقْتَصُّوا من خَلْقِ اللَّهِ بالقَتْلِ فتَقْتُلُوا المِثْلَ بالمِثْلِ). وجاء في النهاية في غريب الحديث: (فيه «أنه نهى عن المُثْلَة»‌يقال: مَثَلْتُ بالحيوان أَمْثُلُ به مَثْلًا، إذا قطعت أطرافه و شوّهت به، و مَثَلْتُ بالقتيل، إذا جدعت أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئاً من أطرافه. و اللإسم: المُثْلَة. فأمّا مَثَّلَ، بالتشديد، فهو للمبالغة.و منه‌ الحديث «نهى أن يُمَثَّلَ بالدّوابّ»‌أى تنصب فترمى، أو تقطع أطرافها و هى حيّة.زاد فى رواية «و أن تؤكل المَمْثُول بها»‌.

وعلى كل حال حرمة التمثيل بالعدو من المسلمات حتى قال في الجواهر: (و لا يجوز التمثيل بهم بقطع الآناف و الآذان و نحو ذلك في حال الحرب بلا خلاف أجده فيه)، وقد ورد هناك نصوص في النهي عن التمثيل. فقد ورد في صحيحة ابي حمزة: لَا تَغُلُّوا وَ لَا تُمَثِّلُوا وَ لَا تَغْدِرُوا[4] [5] وكذالك في خبر مسعدة بن صدقة. مضافا إلى ما‌ عن علي عليه السلام في وصيته بابن ملجم وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ التَّبَاذُلِ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَ التَّقَاطُعَ لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ [أَشْرَارُكُمْ‌] شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ 3968 تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ [قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ‌] أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورعن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أنه قال: «لا تجوز المثلة و لو بالكلب العقور»‌.


[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب15، ج2، ط آل البیت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo