< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تترس العدو بمن يحرم قتله

لقد ثبت في المباحث السابقة جواز قتل الترس عند ما تترس العدو بمن لا يجوز قتله سواء كان مسلماً او غير مسلم، و قلنا انما يجوز ذالك عند الضرورة و بمقدارها.

ثم ورد المحقق رضوان الله عليه في مسألة أخرى فقال: (و لا يلزم القاتل دية و يلزمه كفارة و في الأخبار و لا الكفارة)[1] هنا أمامنا مسائل ثلاثة: وهي القصاص والدية والكفارة، اي ما هو موقع هذا القتل من هذه الامور الثلاثة؟ أن المصنف لم يتعرض هنا لسقوط القود و القصاص عن القاتل لأنه انما قتل الترس في فرض جوازه بحكم شرعي والقصاص مجازات للقاتل لما ارتكب من القتل، و القود انما يكون في قتل العمد المحرّم، و أما اذا لم يتعمد او كان القتل جائزاً بأي سبب فلا معنى للقود، و صاحب الجواهر نصّ على هذا الحكم الذي استغنى عنه المحقق لوضوحه مستدلاً بالأجماع بقسميه و خبر حفص حيث يصرح فيه بعدم القود والكفارة و اعتضد الحكم بالأصل وهو اما استصحاب العدم الأزلي او اصالة البراءة ان جعلناها شاملة للشك في استحقاق المكلّف للعقاب، ولو ان الحد ليس فعل المحدود، ويمكن اجراء قاعدة درء الحدود بالشبهات. ثم يعقب الادلة المذكورة بقوله: وغيره، ولعله أراد أن يشير إلى حكم العقل لأنه ليس من الحكمة الترخيص في فعل شيء ثم الحكم بعقاب فاعله. وعلى كل حال لا مجال للشك في سقوط القصاص.

أما الدية: وقال في الجواهر: (ولا دية عندنا كما صرح به الشيخ و الفاضل و الشهيدان و غيرهم، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه)، تعبير صاحب الجواهر عندنا مشعر بانه يرى هذا الحكم من المسلمات عند الشيعة، فالإجماع هو اول الادلة.

و ثانياً : الاستدلال بالأصل بعد إذن الشارع بالقتل، اي أن الدية في القتل غير المأذون أمر مسلم فلا ندري هل في المأذون منه ايضا يجب الدية او لا؟ فأصالة البراءة تفيدنا عدم وجوب دفعها على القاتل.

و ثالثاً : بخبر حفص حيث ورد في ذيله: "وَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَا كَفَّارَةَ".

و رابعاً : استظهار عدم وجوب الدية من قوله تعالى: "وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‌ أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‌ أَهْلِهِ وَ تَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ عَليماً حَكيماً"[2] . ففي هذه الآية المباركة بيّن حكم حالاتٍ ثلاثة: قتل المؤمن خطأ ذكر فيه الكفارة والدية، ثم بيّن حكم المقتول المؤمن في بين الأعداء، وانّما ذكر له الكفارة ولم يتحدث عن الدية، ثم ذكر حكم المقتول من المعاهدين فذكر فيه الدية والكفارة، فالحالة الثانية لم يذكر لها الدية واكتفى فيها بذكر الكفارة وهذه الحالة تشبه ما نحن فيه، ولو ليس مصداق قتل الخطأ ولكن هو القتل الغير المقصود فيستظهر من عدم ذكر الدية عدم التكليف بها.

و خامساً : ذكروا للتأييد حكماً استحسانياً وهو أن ايجاب الدية في قتل الترس يوجب التساهل في أمر الجهاد، لخوف الرامي اصابة مسلم وتوجه الدية اليه.

ولكن أهم الأدلة هو الاجماع وعلى فرض الشك اصالة البراءة. وسائر الادلة انما تفيد للتأييد و الاستظهار والتقريب، فان خبر حفص ضعيف السند والآية غير منطبقة على محل النزاع، لأن الآية تتحدث عن قتا الخطأ وما نحن فيه قتل متعمد مأذون فيه، والأمر الاخير هو مجرد الاستحسان فلا يمكن الاعتماد عليها.

نعم هنا ذكر احتمال آخر وهو كون الدية على بيت المال مستندا إلى ما ورد عن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ خَضِرٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْداً- فَلَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَ لَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ- حَتَّى خُولِطَ وَ ذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ إِنَّ قَوْماً آخَرِينَ- شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَا خُولِطَ أَنَّهُ قَتَلَهُ- فَقَالَ إِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ حِينَ قَتَلَهُ- وَ هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ بِهِ عِلَّةٌ مِنْ فَسَادِ عَقْلٍ قُتِلَ بِهِ- وَ إِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ- وَ كَانَ لَهُ مَالٌ يُعْرَفُ دُفِعَ إِلَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ- الدِّيَةُ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ- وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أُعْطِيَ الدِّيَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ- وَ لَا يَبْطُلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ.[3]

والسند جيد الا خضير الصيرفي وهو خضير ابن عيسى الذي يروي عنه محمد ابن علي ابن محبوب ولم يرد له توثيق الا قول نجاشي فيه: (انه لا بأس به) وهو ظاهر في التوثيق. ووجه الاستدلال اطلاق قوله عليه السلام: "ولا يبطل دم امرئ مسلم". مضافاً إلى ما يظهر من حكم الشرع انه اذا رفع الحكم التكليفي لضرورة فالحكم الوضعي لا يسقط، وفيما يعود الحكم لتأمين المصالح العامة فالمؤنة تكون على بيت المال و لهذا الحكم نرى مصاديق متعددة في الشريعة المقدسة. كمن حكم القاضي بإعدامه خطأً

ثم قال المحقق : (و لو تعمد الغازي مع إمكان التحرز لزمه القود و الكفارة).

 


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص283.
[2] النساء، اية 92.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ابواب القصاص، ي29.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo