< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كيفية الجهاد

بعد ما ذكرنا كلام المحقق في وجوب قتال الكفار حيث قال: فان بدؤوا فالواجب محاربتهم وان كفوا وجب بحسب المكنة ونحن ناقشنا هذا القول بالتفصيل الذي مر علينا واثبتنا عدم وجوب محاربتهم بل عدم جوازها ان كانوا مسالمين. ثم قال المحقق على المبنى المتبع عنده وعند المشهور: ( وأقله في كل عام مرة) كذالك ناقشنا هذا التحديد بل مقتضى وجوب قتالهم الاستمرار في القتال مادام يوجد على وجه الارض كافر من المشركين وأهل الكتاب.

ثم يقول المحقق رضوان الله عليه: ( وإن إقتضت المصلحة مهادنتهم جاز لكن لايتولى ذالك الا الامام عليه السلام او من يأذن له)

هذه المسألة مما قياساتها معها لان جميع الاحكام انما شرعت لمصالح تعود إلى المكلفين من ورائها ولذالك اذا تيقن الفقية بمصلحة ملزمة في شيئ يفتي بوجوبه وهذا ما يحكم به العقل و فيما نحن فيه نعرف يقينا ان الجهاد انما شُرِّع لحفظ بيضة الاسلام ونشره بين الناس ولذا قال صاحب الجواهر تعليقاً لكلام المحقق: (أو وجب) ولعل المحقق ايضاً أراد من الجواز نفي الحرمة الذي يجتمع مع الاحكام الأربعة دونها، فلا ينافي ما قاله صاحب الجواهر، و اما تقييد المحقق لمتولي الهدنة بالمعصوم ومن يأذن له، فلا بأس به خصوصا اذا جعلنا المأذون أعم من الخاص والعام.

ثم انه بما ان المحقق خصّ الأمر الخامس من الركن الثالث في أحكام أهل الذمة بالمهادنة، فنحن كذالك نترك البحث حول المهادنة بموقعه تبعاً للماتن رضوان الله عليه. إلى هنا فرغنا عن الطرف الأول من أطراف التي جعلها المحقق للركن الثاني من بحثه يعني: (في بيان من يجب جهاده وكيفية الجهاد.

قال المحقق: (الطرف الثاني في كيفية قتال أهل الحرب و الأولى أن يبدأ بقتال من يليه الا أن يكون الأبعد أشد خطراً)[1] . وهذا الكلام ظاهر في الاستحباب و لا بأس هنا أن نشير إلى كلمات بعض الفقهاء العظام في هذا المجال:

قال ابن ادريس في السرائر: (و ينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه من الكفار، الأقرب فالأقرب، و الأولى أن يشحن كلّ طرف من أطراف بلاد الإسلام بقوم يكونون أكفاء لمن يليهم من الكفّار، و يولّي عليهم أميراً عاقلاً ديّناً خيّراً شجاعاً يُقدم في موضع الإقدام، و يتأنّى في موضع التّأنّي.)[2] والظاهر أن اول من طرح هذه المسئلة من الخاصة هو ابن ادريس رضوان الله عليه، وقال المحقق الحلي: (و يبدأ بقتال من يليه إلا مع اختصاص الأبعد بالخطر)[3] ، وقال ابي سعيد الهزلي: (و يبدأ بحرب من دنا، الا ان يكون الا بعد أخطر منه، و لا يعطل الجهاد أصلا)[4] ، وقال: العلامة الحلي في ارشاده: (و يبدأ بقتال الأقرب، إلّا مع الخوف من الأبعد)[5] ، وقال ايضا (و يبدأ بقتال الأقرب إلّا أن يكون الأبعد أشدّ خطرا فيبدأ به)[6] ، وقال الشهيد (و يبدأ بقتال من يليه، إلّا أن يكون الأبعد أشدّ خطراً)[7] ، وقال الشهيد الثاني : (و يبدأ بقتال الأقرب إلى الإمام أو من نصبه- إلا مع الخطر في البعيد فيبدأ به)[8] ، وقال الشهيد الثاني في المسالك: (قوله: «و الأولى أن يبدأ بقتال من يليه. إلخ». هذا الحكم على وجه الوجوب،)

واستدلوا على وجوب البدء بالأقرب بقوله تعالى: "قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰار"[9] ِ و الأمر للوجوب . ولكن قد يناقش في هذا الاستدلال بان الآية الكريمة تفيد وجوب قتال من يلي المسلمين ولكن لا يأمر بالبدء بهم. لا يقال: أن اختصاص من يلي المسلمين من الكفار دليل على وجوب البدء بهم فهم الواجب الاول قتالهم، لأنا نقول لعل ذكر من يلي المسلمين من الكفار لأهمية قتالهم وهم عادة أكثر خطراً على المسلمين فالآية لا تنص على وجوب البدء بهم فنبقى نحن وعمومات وجوب القتال فان كان الأقرب أخطر ولم يكن مانع عن البدء بهم كما ان العُدّة والعِدّة قد لا تفي بعدو القريب و لابد أن نرفع الاخطار المحيط ثم قتال القريب. ولعل من قال: بالأولوية او قال: ينبغي اراد بذالك التهريب من الفتوى والتنبيه على أهمية قتال هؤلاء وهو الأقرب الى مفاد الآية و ما استثنوا من ذلك ما لو كان الأبعد أشدّ خطرا، فإنّه يسوغ حينئذ الانتقال إليه، فهو مقتضي القياس والقاعدة وقد اشار جمع من الفقهاء بفعل النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بالحارث بن أبي ضرار، لمّا بلغه أنّه يجمع له، و كان بينه و بينه عدوّ أقرب، و بخالد بن سفيان‌ الهذلي. وهذه قصص وردت عن طرق العامة، لا يمكن ان نستند اليها في الفتوى الّا من باب التأكيد والتقريب ، ومما يجعل الأبعد هو الأولى بالحرب المهادنة السابق مع الأقرب

ونِعم ما قال في الجواهر بهذا الصدد حيث قال: (و بالجملة ينبغي مراعاة المصلحة في ذلك، و هي مختلفة باختلاف الأحوال، و منه يعلم حال الأقرب فالأقرب فإن ذلك من أحكام السياسة التي ترجع إلى نظر الإمام عليه السلام و مأذونه)[10] .


[4] الجامع للشرائع، ابي سعيد الهزلي، ص233.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo