< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الآيات الدالة على اختصاص القتال بالمحارب

بعد ما فرغنا عن دراسة الآيات والسيرة النبوية والروايات نطلّ إطلالة سريعة في نهاية المطاف على بعض الآيات التي ترشدنا بوضوح،إلى انّ القتال محصور في المعاند من الكفار، دون غيرهم وأنّ الاسلام حريص على حفظ الأرواح الّا عند الضرورة، و كما ان في القصاص من القاتل حياةٌ لسائر الناس وهو يدرء القتل، كذالك في قتال المحاربين حياةٌ ودرءٌ للفتنة والقتل، وهذا ما يستشم من الادلة الشرعية في تشريع القتال. واليك تلك الآيات:

قال الله تعالى في شأن المشركين المقاتلين:

﴿ وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ . وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرينَ . فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ . وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمينَ [1] ففي الآية الاولى ربُّنا يأمرنا بقتال من يقاتلنا ثم يحذِّرنا عن الإعتداء، وهو قتال النساء والأطفال والمرضى ومن لا يقاتلنا فالميزان هو ما يعطينا صدر الآية، الّا أنّ المفسرين جعلوا المراد من الفتنة هنا الشرك قال في الامثل: ((و قد وردت مفردة الفتنة و مشتقاتها في القرآن الكريم عشرات المرّات و بمعان مختلفة. فتارة جاءت بمعنى الامتحان مثل أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. و تارة وردت بمعنى المكر و الخديعة في قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ. و تارة بمعنى البلاء و العذاب مثل قوله يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ .و تارة وردت بمعنى الضّلال مثل قوله وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً . و تارة بمعنى الشرك و عبادة الأوثان أو سد طريق الإيمان أمام الناس كما في الآية مورد البحث و بعض الآيات الواردة بعدها فيقول تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ . و لكنّ الظاهر أنّ جميع هذه المعاني المذكورة للفتنة تعود إلى أصل واحد (كما في أغلب الألفاظ المشتركة)، لأنه مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ معنى الأصل هو وضع الذهب في النار لتخليصه من الشوائب فلهذا استعملت في كلّ مورد يكون فيه نوع من الشّدة، مثل الامتحان الّذي يقترن عادة بالشّدة و يتزامن مع المشكلات، و العذاب أيضا نوع آخر من الشّدة، و كذلك المكر و الخديعة التي تتّخذ عادة بسبب أنواع الضغوط و الشدائد، و كذلك الشرك و إيجاد المانع في طريق ايمان الناس حيث يتضمّن كلّ ذلك نوع من الشّدة و الضغط).

و لكن أخذ المراد من الفتنة هنا بمعنى الشرك، شيئ لا ينسجم مع سياق الآية وتحكّم في تعيين المراد بل المراد من الفتنة هو إختراق الأمان ونشر الإرهاب في المجتمع وهذا المعنى يناسب مقارنته مع القتل لان القتل فعل صادر من القاتل، والشرك وصف واعتقاد قائم على المشرك، ولو كان المراد من الفتنة الشرك لكان الاولى ان يقول والفتنة أقبح من القتل، فظاهر الآية كلا الامرين صادران من الفاعل ولكن الاول اشد من الثاني، فان القتل ازهاق لحياة أحد من الناس، و نقض الأمان مخلّ براحة الناس جميعاً .

وقد عبّر الله عن ذالك بالفساد في الأرض و وشدد في عذاب مرتكبيه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْديهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ [2] ، مفهوم الآية الثانية ،(فان قاتلوكم فاقتلوهم) ومنطوق الثالثة،(فان انتهوا فان الله غفور رحيم) ونفي العدوان مشروطاً بالشرط المذكور في الآية الرابعة، كلها تدل على عدم جواز القتال المسالم وانما يقاتل المحارب من المشركين.

وهكذا يقول تعالى: ﴿ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين. وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فان انتهوا فان الله بما يعملون بصير [3]

هنا كذلك الغفران في الآية الاولى بمعنى ترك القتال و الاغماض عما سلف من المعاداة و الظاهر من الآية الثانية ان الغاية من القتال رفع الفتنة التي وجودها داعية للقتال وهي الامور المذكورة في سائر الايات و ملخصها القتال و المؤامرة والظلم والاعتداء واستضعاف الناس، ولكن أمد القتال انتهاء المشركين عن معاداتهم.

ويقول تعالى:﴿ ...فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون [4] .

هذه الاية تنص على ان الداعي في قتال ائمة الكفر انتهائهم عن العدوان.

ويقول تعالى: ﴿ فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا...﴾[5]

هنا ايضاً جُعل غاية القتال دفع بأس الكافرين، والبأس هو الحرب فلو لم يكن لهم بأسٌ فلا داعي لقتالهم.

ويقول ايضاً: ﴿ ...فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا [6] ثم في الاية التي تليها يقول: "فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم و يكفوا ايديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا".

في الاية الاولى اعتبر اعتزال المشركين و تركهم للقتال واقتراحهم على المسلمين السلام رافعاً للسبيل عليهم، وفي الثانية، اعتبر عدم خضوعهم لما ذكر في الآية الاولى مجوزاً لاخذهم وقتلهم حيثما وُجدوا ويحصر السلطان المبين للمسلمين على مثل هؤلاء.

كل هذه الآيات وردت في المشركين او اعم منهم ومن أهل الكتاب و رُخِّصت في ترك قتالهم، وبما انه لا يمكن ان يكون امر المشركين أخف من أهل الكتاب و نعرف ان أهل الكتاب لايتركون وشأنهم بل تؤخذ منهم الجزية ويشترط عليهم شروط الذمّة، فالمشركون أحقّ بان لا يتركوا من دون شرط ولا قيد. مضافاً الى ما أشرنا اليه سابقاً من مرسلة حسن بن محبوب عن ابي جعفرعليه السلام: ( .....فَمَنْ دُعِيَ إِلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَى قُتِلَ وَ سُبِيَ أَهْلُهُ وَ لَيْسَ الدُّعَاءُ مِنْ طَاعَةِ عَبْدٍ إِلَى طَاعَةِ عَبْدٍ مِثْلِهِ وَ مَنْ أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ لَمْ يُتَعَدَّ عَلَيْهِ وَ لَمْ تُخْفَرْ ذِمَّتُهُ وَ كُلِّفَ دُونَ طَاقَتِهِ ) وغيرها التي اطلاقها يشمل المشركين.

استنتاج: ما رأينا من خلال تصفح الآيات القرانية والروايات أولاً: لم نجد دليلاً معتبراً يحصر الجزية على أهل الكتاب وعدم جواز أخذ الجزية من المشركين لانّ الآية الفريدة التي يستفاد منها أخذ الجزية من خصوص أهل الكتاب هي قوله تعالى: ﴿ قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الاخر-الى قوله- من الذين اوتوا الكتاب حتى يؤتوا الجزية عن يد وهم صاغرون [7] . ولا مفهوم لهذه الآية ينفي الجزية من غيرهم. وفي رواياتنا كذلك لم نجد رواية صحيحة او موثقة تفيد هذا المعنى. وفقهائنا رضوان الله عليهم اما يستندون الى روايات عاميّة، في عدم قبول الجزية من غير أهل الكتاب واما بروايات ضعيفة من أحاديثنا.

نعم هناك روايات عاميّة يمكن ان يستفاد منها الاطلاق في جواز قتال الكفار ولو لم يكن محارباً، كرواية سنن ابي داوود عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله :"امرت ان أُقاتل الناس حتى يقولوا لااله الا الله فاذا قالوها منعوا منّي دمائهم و اموالهم الا بحقّها و حسابهم على الله" (سنن ابي داوودج1ص594ح2640). ورواه الصدوق في العيون بإسناده عن علي ع قال قال النبي ص: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماؤهم و أموالهم". عندما نتأمل في هذين الحديثين نرى ان التعبيرين متوازيان فيستشف منهما ان ما رواه الصدوق ايضاً تسريب مما ورد من طريق العامة.وسنده من طريق الصدوق ضعيف جداً. وبما انّ سيرة السلاطين كانت على المبادرة الى فتح البلاد وتوسعة سلطانهم على الاصقاع. كان في البلاد الاسلامية داعي قوي لجعل روايات تبرّر ممشي السلاطين و تشجّع الناس على المشاركة في الحرب بداعي فتح البلاد والحصول على الغنائم و توفير الضرائب. مما لم نعرف لها نظير في سيرة النبي ولا في سيرة علي ولا في سيرة الحسن عليهم السلام و لم نجد محاولة في حياة ائمتنا الكرام لجمع الجيش والاعوان ليحاربوا الناس على الاسلام.

هنالابدمن البحث حول التعامل مع المشركين


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo