< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الاستدلال بالروايات على الجهاد الابتدائي

في اليوم الماضي اشرنا إلى ما مر بنا من الآيات و السيرة والروايات التي لا تدل على جواز قتال الكفار لمجرد عدم اعتناقهم للإسلام بل كثير منها دلت على حصر الجهاد بجهاد العدو المهاجم والمقاتل او الذي يتآمر على الاسلام والمسلمين وقد مرت بنا تسعة من الروايات ناقشناها في اسنادها و دلالتها.

والعاشرة ما رواه: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْمَجُوسِ أَ كَانَ لَهُمْ نَبِيٌّ فَقَالَ نَعَمْ أَ مَا بَلَغَكَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلِمُوا وَ إِلَّا نَابَذْتُكُمْ بِحَرْبٍ فَكَتَبُوا إِلَى النَّبِيِّ ص أَنْ خُذْ مِنَّا الْجِزْيَةَ وَ دَعْنَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ ص إِنِّي لَسْتُ آخُذُ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَتَبُوا إِلَيْهِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَكْذِيبَهُ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَا تَأْخُذُ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَخَذْتَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَّ الْمَجُوسَ كَانَ لَهُمْ نَبِيٌّ فَقَتَلُوهُ وَ كِتَابٌ أَحْرَقُوهُ أَتَاهُمْ نَبِيُّهُمْ بِكِتَابِهِمْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ جِلْدِ ثَوْرٍ.[1]

وجه الاستدلال بهذه الرواية المباركة ان رسول الله صلى الله عليه واله طلب من أهل مكة بقبول الاسلام ولولاه لنابذهم بالحرب، و كان لا يقبل من المشركين جزية فهم كانوا على خيار بين الاسلام والقتال كما ان قبوله الجزية من أهل الكتاب كان أحد خيارات الثلاثة لأهل الكتاب من الاسلام والجزية والقتال، بعبارة اخرى انّ قبوله الجزية من أهل الكتاب كان منّةً منه عليهم لدرء القتال، فمن لا تشمله هذه المنة فمعناه انه لو لم يسلم لا طريق له الّا القتال.

ولكن يرد عليه اوّلاً: بضعف سند الحديث بالأرسال

ثانياً : أن الموضوع هو كان أهل مكة وهم عاندوا رسول الله والمؤمنين ولم يكونوا مسالمين

ثالثاً : بما ان مورد السؤال هي القضية الخارجية فلا يستفاد منها الاطلاق الا بتنقيح المناط ولا مجال له هاهنا. فأقصى ما يستفاد من هذه الرواية مع غض النظر عن ضعف سندها ان من كان مثل أهل مكة معانداً يقاتل، فان كان من اهل الكتاب يقاتل حتى يؤتوا الجزية عن يد وهم صاغرون او يسلموا وان كانوا من المشركين لا تقبل منهم الجزية بل يقاتلون حتى يسلموا او يقتلوا. فالكلام في المعاندين ولا وجه لتعميمه إلى المسالمين؟

الرواية الحادية عشرة : هي ما عن (محمد بن يعقوب) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع إِنَّ عَلِيّاً ع سَارَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي أَهْلِ الشِّرْكِ قَالَ فَغَضِبَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ سَارَ وَ اللَّهِ فِيهِمْ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص يَوْمَ الْفَتْحِ إِنَّ عَلِيّاً ع كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ وَ هُوَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِي يَوْمِ الْبَصْرَةِ بِأَنْ لَا يَطْعُنَ فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ وَ لَا يَقْتُلَ مُدْبِراً وَ لَا يُجِيزَ عَلَى جَرِيحٍ وَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْقَرَبُوسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْرَأَهُ ثُمَّ قَالَ اقْتُلُوا فَقَتَلَهُمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ سِكَكَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ فَتَحَ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى بِمَا فِي الْكِتَابِ"[2]

السند صحيح وهذه الرواية المباركة تفيد اصرار الاسلام على عدم القتال الّا على من يعاند و يظهر من هذا الحديث ان سيرة رسول الله في المشركين كان دفعهم عن القتال و بذل قصارى جهده على ان لا ينتهي الامر الى القتال، بينما هم كانوا مشركين معاندين محاربين غير مسالمين ومع ذالك سعى لإنجاز الفتح من دون اراقة الدماء فهَمُّ الاسلام درء الفتنة والاجتناب من القتل الا بقدر الضرورة للدفاع عن بيضة الاسلام والمسلمين.

الرواية الثانية عشرة : عَنْهُ(شيخ بإسناده عن محمد ابن الحسن الصفار) عن عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنِ الْحَكَمِ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع بِمَا سَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع فَقَالَ إِنَّ أَبَا الْيَقْظَانِ كَانَ رَجُلًا حَادّاً رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا تَسِيرُ فِي هَؤُلَاءِ غَداً فَقَالَ بِالْمَنِّ كَمَا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي أَهْلِ مَكَّةَ"[3]

بيان: السند ضعيف لمجهولية حكم بن حناط. مضافا إلى ان هذه القضية وردت في الرواية السابقة مما يفيد عدم معرفة عمار عن رأي امير المؤمنين عليه السلام في الحرب وبعد ما فتح الرسالة عرف العمل بمضمونها وهذه الرواية تفيد استعلامه قبل يوم لما اراد عليه السلام. وعلى كل حال أنها في الدلالة تشبه سابقتها.

الرواية الثالثة عشرة : (كليني) عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَقَالَ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص رَخَّصَ لَهُمْ لِحَاجَتِهِ وَ حَاجَةِ أَصْحَابِهِ فَلَوْ قَدْ جَاءَ تَأْوِيلُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ وَ لَكِنْ يُقْتَلُونَ حَتَّى يُوَحَّدَ اللَّهُ وَ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ.(وسائل ج15باب 49ح2)

هذه الرواية صحيحة السند وقد مر بنا معناها عند دراستنا للآيات وقلنا ان المراد من الفتنة ليس الكفر بالمعنى الفقهي او الشرك بل المراد عدم الامان وخطر الحرب بقرينة قوله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين كما استعمل هذا المعنى للفتنة في اكثر من مورد في القران.

ولكن هذه الرواية تتحدث عن تأويل الآية وهو يأتي عند ظهور الحجة عليه السلام ولعل الوجه في عدم اقرار المشركين في ذالك العصر اتمام الحجة على جميع الناس فلا يُصرُّ اَحد على شركه الا اذا كان معانداً محارباً، فلابد من قتاله حتى يُقرّ بالتوحيد ودين الحق.

الرواية الرابعة عشرة : ما ورد في دعائم الاسلام قال: "رُوِّينَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ إِذَا بَعَثَ جَيْشاً أَوْ سَرِيَّةً أَوْصَى صَاحِبَهَا بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً وَ قَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ حَتَّى تَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِأَنْ تَدْعُوَهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ الْإِقْرَارِ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِنْ أَجَابُوكُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ –الى ان قال- فَإِنْ أَبَوْا مِنَ الْإِسْلَامِ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ فَإِنْ أَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَ كُفُّوا عَنْهُمْ وَ إِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ قَاتِلُوهُمْ وَ لَا تَقْتُلُوا وَلِيداً وَ لَا شَيْخاً كَبِيراً وَ لَا امْرَأَةً يَعْنِي إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَ لَا تُمَثِّلُوا وَ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تَغْدِرُوا‌". (دعائم الإسلام ج‌1 ص369‌).

ظاهر هذه الرواية بدواً قتال حتى يؤتوا الجزية فان ابوا المداومة على قتالهم حتى يقتلوا.

ولكن اولاً : سندها ضعيف بالارسال، وثانياً: انّها تدل على جواز قبول الجزية عن المشركين ايضاً، وهو خلاف المشهور عند الفقهاء، لايقال انها مطلقة تقيدها ما يدل على تخصيص الجزية بأهل الكتاب، لانا نقول: انها تروي سيرة رسول الله في بعث الجيوش والسرايا، بينما كان اكثر من ارسل اليهم الجيش كانوا مشركين، لقلة اهل الكتاب في جزيرة العرب فلا يمكن حملها الى سرايا المرسلة الى أهل الكتاب. نعم للبحث مجال في ان الجزية تختص بأهل الكتاب كما عليه المشهور؟ او يمكن تعميم الجزية الى المشركين ايضاً. ونحن سوف نتحدث عن جوازاخذ الجزية عن المشركين او عدمه انشاء الله.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ابواب الجهاد، ب49، ح1.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ابواب جهاد العدو، ب24، ح2.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ابواب جهاد العدو، ب25، ح4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo