< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا في الآيات التي استدلوا بها على وجوب جهاد الكفار سواء كانوا مسالمين او محاربين وقد ذكرنا بعض الآيات التي ذكرها المرحوم الآصفي.

ومما استدل بها عموم الآيات: ولم يذكر هنا الا آية واحدة وهي قوله تعالى: " وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ (التوبة36). قال رضوان الله عليه: (فلفظة – كافة - من أدوات العموم بلا ريب. و حينئذ يكون المعنى هكذا: قاتلوا المشركين كافة، سواء كانوا في موقع الهجوم أم في موقع الدفاع، و قتالهم وهم في موقع الدفاع هو القتال الإبتدائي. وأمّا قوله: "كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" في نفس الآية، فبيان النكتة فيه على العموم، هو نفس البيان الذي ذكرناه سابقاً في قوله تعالى: " وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا"(البقرة 190). فالآية فيها بيان للحيثية التعليلية للقتال لا بيان لنوعيته، اي لماذا تقاتلونهم؟ لأنهم يقاتلونكم كافة، لابمعنى لو كنتم في موقع دفاع فحسب.

وبعبارة أخرى: أن حيثية تشريع قتال المشركين كافة مرتبطة بكونهم يقاتلونكم كافة، ويكون موقفهم منكم موقفاً عدائياً عقائدياً وحضارياً، وان كانت هذه الحيثية مضمرة وقت نزول الآية. ومثل قوله تعالى: "كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" اي لايزالون يضمرون لكم العداء والحقد ويريدون الكيد بكم وقتالكم فيما لو تهيأت لهم الفرصة وتمكنوا منكم، لا بمعنى أنهم يقاتلونكم فعلاً وواقعاً، والشاهد على ذالك ان الكثير منهم بعد لم يسمع بأمر الاسلام، إن لم يكن مشغولاً عنه بأمور دنيوية وحياتية شتّى، و ظرف نزول الآية يدعم ذالك. فالآية إذن بعد هذا التوضيح تظهر دلالتها على وجوب القتال الإبتدائي بشكل صريح لانحتاج معه إلى دليل آخر، لأن العموم أقوى من الاطلاق كما هو ثابت اصولياً).

نحن ذكرنا نص كلام سماحته حتى لا نقصِّر في حقه، ولكن لنا ملاحظات فيما افاد في الاستدلال بالآية: أولاً: كما اشرنا سابقا انّ في الآيات التي وردت في اوائل سورة التوبة انما يتحدث عن مشركي مكة المكرمة ، فالقضية خارجية لا اطلاق و لاعموم لها حتى يشمل غيرهم، الا بتنقيح المناط وهو غير حاصل فيما نحن فيه.

ثانياً: انّما أمر بقتال المشركين كافة بشرط ان يكونوا يقاتلونكم كافّة ولا يشمل ما اذا كان المشركون مسالمين.

ثالثاً: هذا التعبير في معنى الآية غير دقيق (قاتلوا المشركين كافة، سواء كانوا في موقع الهجوم أم في موقع الدفاع، و قتالهم وهم في موقع الدفاع هو القتال الإبتدائي) لان موقع الهجوم وموقع الدفاع ليسا ضدان لا ثالث لهما بل في حالة المسالمة ليس هجوماً ولا دفاعاً وكلامنا في انه هل يجوز قتال المسالم او لا؟

رابعاً: قياسكم قوله: "كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" بقوله: "وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا " (البقرة 190) ثم الاستنتاج بأنها (بيان للحيثية التعليلية للقتال لا بيان لنوعيته)، غير مقبول في المقيس عليه، وكذالك في المقيس، كما أثبتنا سابقاً بان قوله تعالى قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ليس بمعنى من يقاتلكم شأناً وقد ناقشنا هذا الإدّعاء كبرىً وصغرىً، اما الكبرى فان حمل يقاتلونكم على قتال الشأني خلاف الظاهر كما انّ في الخارج، الإدعاء بان جميع الكفار، يتربصون بالمسلمين فرصة لقتالهم هو خلاف الواقع، بل هناك كفار لا يريدون القتال أبداً بل يرجّحون السلام. فالمراد مِن قوله "الذين يقاتلونكم" هناك "وكما يقاتلونكم كافة" هنا المقابلة، فلا اطلاق ولا عموم لهما و القتال هو فعلي لا شأني. والحيثية في كلا الموردين حيثية شرطية وليست تعليلية. ففيما نحن فيه كذالك يامرنا بقتال من يقاتلنا كافة.

وخامساً: ان -كافة- لو كان حالا للمشركين فيأتي هذه البحوث ولكن لو كان حالاً عن ضمير الفاعل فلا مجال لهذا البحث، توضيحه: انّ لفظة -كافة- ان كانت حالاً عن المشركين في الأول وحالاً عن المسلمين في الثاني فيكون المعنى قاتلوا جميع المشركين كما يقاتل المشركون جميع المؤمنين. ولكن الأقرب ان -كافّة- حال عن الفاعل في كلا الموردين فمعناه قاتلوا المشركين مجتمعين جميعكم كما يقاتلونكم جميعهم، فكافة بمعنى جميعاً وهذا هو الأقرب والأظهر. لا يقال عود الضمير إلى الأقرب أولى من عوده إلى الأبعد، لأنّا نقول مجيئ الوصف للفاعل بعد ذكر المفعول هو الأفصح كما يكون مثله في المضاف والمضاف إليه، ف-كافة- حال لضمير الفاعل. وقد ورد في القران هذه المفردة في أربع مواطن وفي كلها وقع صفة للفاعل ففي سورة البقرة قال: " يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة"(البقرة208) وقوله تعالى: " وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة"(التوبة122) وقوله تعالى: " وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاس‌"(سبا28) فالمعنى دخولاً كافة ونفوراً كافة وإرسالاً كافة، و في الآية المبحوث عنها الكافة صفة حال للمقاتلين اي اجتمعوا على قتالهم كما هم يجتمعون على قتالكم، هذا ما ذهب اليه كثير من المفسرين و الاُدباء، ويشهد بذالك الآيات اللاحقة بهذه الآية حيث يعاتب هؤلاء الذين يهربون من القتال ويتقاعسون عنه واليك تلك الآيات: " يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ (38) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَليماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَديرٌ (39) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌ وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ (40) انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَريباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالْمُتَّقينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ في‌ رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) فهذه الآيات جاءت بد الآية المبحوث عنها فهي قرينة على ان المراد فيها قاتلوهم مجتمعين كما انهم يتحدون في قتالكم نظير ما ورد عن امير المؤمنين حيث كان يعاتب اصحابه على تكاسلهم عن القتال وقال لهم ما مضمونه: ان اصحاب معاوية اشد على باطلهم منكم على حقكم

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo