< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

قد إنتهينا في البحث عن أدلّة التي اُستدلّ بها المرحوم آية الله آصفي إلى الآيات التي إستفاد من إطلاقها وجوب قتال المشركين بحيث يشمل المسالم منهم أيضاً و قد ذكرنا آية منها و ناقشنا الاستدلال بها على وجوب قتال المسالمين من المشركين.

الآية الثانية: التي إستند بإطلاقها لإثبات وجوب قتال كل مشرك سواء كان محارباً او مسالماً هي قوله تعالى: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصيرُ (التوبة73). فقال رضوان الله عليه: (فمتعلق المتعلق مذكور هنا أيضاً وهو "الكفار" ولم يُعيّنه الإطلاق حتى يقال: إنّ التعيين ليس من وظيفة الاطلاق، بل وظيفته نفي القيود الإضافية، فلا مانع إذَن من إجرائه فيه، و هو ليس متعلق الوجوب الذي يكون الاطلاق فيه بدليّا و ليس شمولياً بل هو متعلق المتعلق الذي لا إجمال فيه فيثبت وجوب قتالهم سواء كانوا مقاتلين للنبي صلى الله عليه واله والمؤمنين فعلاً ام لم يكونوا كذالك).(الآثارالفقهيةج4ص43)

فنقول: انه رضوان الله عليه اولاً: بيّن معنى الاطلاق من انه ليس بمعنى جمع القيود بل هو رفض القيود فان المتكلم الملتفت اذا أراد شيئاً يلاحظ جميع الانقسامات في مطلوبه فما راى فيه دخل لمراده فيقيد مطلوبه به او رأى منافي لمطلوبه يقيد المطلوب بعدمه و ما رأه لا دخل له في مطلوبه وجوداً وعدما لا يقيده بها ويرفض التقيد بالنسبة اليه، وليس الاطلاق كما قد يزعم البعض إن مطلوب المولى جميع أفراد القيود وهذا الكلام متين كما اتّضح في محله.

ثم أشار إلى نقطة اُخرى بانّ –الكفار- في الآية ليس متعلّق الوجوب بل هو متعلق الجهاد الذي هو متعلق الوجوب فهو متعلق متعلق الوجوب و قال بانّ متعلق الوجوب يكون بدلياً و ليس شمولياً. وهذا قابل للنقاش لان متعلق الوجوب قد يكون بدلياً كقوله ان افطرت فاعتق رقبة، وقد يكون شموليا كقوله اكرم العالم، و لكن كل هذه المطالب لا دخل لها لما نحن فيه وانما ما قاله رضوان الله عليه في ذيل كلامه كان فيه كفاية وهو عدم الإجمال في عنوان الكفّار فيشمل المقاتلين منهم فعلاً و من ليس بمقاتل. ولا يخفي ان الكفار يشمل جميع افرادهم بالعموم الافرادي ويشمل أصنافهم بالاطلاق الأحوالي فتأمل.

ولكن الذي يرد عليه انه إن نظرنا إلى هذه الآية لو خليت وطبعها فلا نقاش في دلالتها على وجوب جهاد جميع اصناف الكفار من المعاند والمسالم، و لكن لمّا نلاحظ الآية اللاحقة بها نرى فيها قرائن تدلّ على أن الأمرتعلق بجهاد المعاند واليك تكملة الآية: " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَليماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصيرٍ (التوبة74) فيذكر منهم المعاندة في جهات عدة،

فأولاً: كانوا تكلموا ببعض ما يكشف عن نياتهم اللئيمة فلما اكتشف أمرهم انكروا ذالك،

و ثانياً: كفروا بعد إسلامهم فهذا المحاولة كان منهم اسلوب لابعاد الناس من الاسلام كما قال تعالى في مكان آخر: " وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (ال‌عمران‌72). فكان من نيتهم اضلال الناس وابعاد من مال إلى الاسلام عن الاسلام.

وثالثاً: همّوا بمؤامرات لم ينجحوا فيها وذالك بعد ما نالوا من الاسلام خيراً وفضلاً ومع ذالك يقول تعالى "فان يتوبوا يك خيراً لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا شديدا في الدنيا والآخرة"الآية والظاهر من عذاب الدنيا اما قتالهم او قتلهم. فهل هذه التعابير يناسب مع قتال المسالم الذي لم يتآمر على المسلمين ولم يسعى لفتنة؟

و رابعاً: ان الكلام في المنافقين ولذالك قال بعض المفسرين ان المراد من الجهاد في الآية اعم من القتال لان رسول الله لم يكن من سيرته قتال المنافقين. وعلى كل حال لا يمكن ان نستفيد من هذه الآية أيضاً وجوب جهاد كل من لم يعترف بنبوة نبينا صلوات الله عليه ولو لم يصدر منه تهديد للاسلام والمسلمين.

مما استدل بها على وجوب الابتداء بمقاتلة الكفارقوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَ لْيَجِدُوا فيكُمْ غِلْظَةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ" (التوبة123). قال رضوان الله عليه: (اي لما تبدأوا بتطهير الأرض منهم ابدأوا بالأقرب فالأقرب، فالحكم –يجب- ومتعلق الحكم هو -القتال- ومتعلق المتعلق الموضوع هو –الكفار- و الاطلاق يجري في متعلق المتعلق بدون اشكال كالسابق).

هنا كذالك ياتي ما قلناه في الآية السابقة في اسلوب الاستدلال فلا حاجة إلى هذا التكلّف وانّما يكفي أن نقول ان الكفار شامل لكل من ليس مسلماً فيشمل المعاندين والمسالمين من الكفار.

ولكن الذي يمكن ان نورد على هذا الاستدلال هو أنّ هذه الآية انما وردت في التأكيد على اسلوب الجهاد وهو الاختيار الاولى فالاولى فان الأقرب هو الاولى غالباً. وبما ان الآية بصدد الاسلوب و لا عناية له بتفاصيل الموضوع فلا يمكن استفادة الاطلاق من هذه الناحية وموضوع الجهاد يعرف من سائر الآيات مما قال: "قاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا و قوله: ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين الآية وقوله: "ألا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدأوكم اول مرة" وقوله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين" في أكثر من مورد، و قوله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبرّوهم وتقسطوا اليهم ألآية وما ورد في من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وغير ذالك من الآيات التي ظاهرة في عدم جواز القتال الا للمقاتل والمفسد ومن استنجد مَن تحتَه من الرعيّة المسلمين لاخراجهم عن ظلمهم .

ثم على فرض قبول الاطلاق الشامل للمسالم والمعاند فهل تلك الايات الكثيرة لا يمكن ان نجعلها مقيدا ومخصصاً للعموم والاطلاق.

ثم انه رضوان الله عليه يذكر آيتين يقيسهما على الاية الاولى في الدلالة فيقول: (وهكذا نفس الكلام في قوله تعالى : "فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً (النساء76) وقوله تعالى: "فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (التوبة12).

وبعد ما مرّت بنا من المباحث لا حاجة لتطويل الكلام في الردّ، وانما يكفينا النظر إلى صدر الآية الاولى حيث يقول تعالى: " وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيراً (75) الَّذينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الَّذينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً (النساء76). فاذا اردنا ان نستفيد من قوله أولياء الشيطان لشموله لمطلق الكفار فلابد نجعله شاملا للفاسقين ايضاً؟ والاية السابقة عليها وصدر الاية اللاحقة صريح في قتال الطاغوت الظالم المقاتل. وكذالك آية سورة التوبة يامرنا بقتال ائمة الكفر وهم الطغاة منهم والآيات السابقة يبين حال هؤلاء مفصلاً وصدر هذه الآية هكذا: "وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا في‌ دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) وفي اللاحقة قال: "أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ" (التوبة13). وبعد هذه الوضوح نحن نغمض العين عن الاشكالات التي ترد على ما جاء به رضوان الله عليه للاستدلال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo