< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا فيما أفاد سماحة المرحوم آية الله الآصفي رضوان الله عليه حيث رأى انه قد تمّ إيجاب الجهاد في ستة مراحل:

المرحلة الأولى الكف(المنع) أو سياسة لاعنف واستند في ذالك إلى قوله تعالى: "أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‌ أَجَلٍ قَريبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَليلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‌ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتيلاً"(النساء77).

وقال: (إنّها تتحدث عن موقف اللاعنف الذي اُمر المؤمنون به في مكة، وبالخصوص في المراحل الأولى للدعوة إلى الله).

المرحلة الثانية: الإذن : مستدلاً بقوله تعالى: " أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ نَصْرِهِمْ لَقَديرٌ (39) الَّذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ (40) الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج41).

واعتبر ذالك بعد أن تم اخراج المؤمنين من مكة واستقروا في المدينة أذن الله عزوجل لهم بقتال من أخرجهم بغير حق، وقد عرف المؤمنون أن وراء هذا الإذن فرضاً. و علل وجه التدرج بأمرين الوضع النفسي للمؤمنين، وعدم حصولهم على تهيئة كاملة للقتال.

المرحلة الثالثة: تشريع وجوب الدفاع: واستند إلى قوله تعالى: " وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ (البقرة190)

وقال :هنا خرج أمر الجهاد عن دائرة الإذن إلى دائرة الفرض والكتابة ، ولكن هذه الفريضة كانت دفاعية، لأنه تعالى يقول: " الذين يقاتلونكم".

المرحلة الرابعة: وجوب البدء بالقتال: واستدل لهذه المرحلة بقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة216). وقال: كتب من أقوى تعبيرات الفرض و الكره في الآية يعبر عن مدى عمق معانات المسلمين في هذه المرحلة، ذالك لان الحكم قد عُمّم.

المرحلة الخامسة: التحريض والتأنيب والتهديد: و جاء كشاهد لهذه المرحلة بالآيات التالية :

1-قوله تعالى: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن‌... "(الانفال 65)، ومن أقوى أساليب التحريض على القتال قوله تعالى: " فَقاتِلْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَك‌..."(النساء 84).

2- قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ (التوبة38).

3- قوله تعالى: "إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَليماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَديرٌ" (التوبة39).

المرحلة السادسة: النفير العام، وجعل الآية التالية شاهداً لمقاله: " انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة41)

ولنا في استنتاج التدرج من هذه الآيات والإنتهاء إلى القتال البدوي في المرحلة الرابعة وما بعدها كلام: اما المرحلة الأولى يعني المنع عن القتال امر واضح وصريح في الآية لا يقبل النقاش، وانما تعيين المرحلة المكية وبالخصوص المراحل الأولى من الدعوة إلى الله، للمرحلة الأولى بعيد جداً لأن المسلمين قبل الهجرة وخصوصا الايام الاوائل لم يكونوا يوقعوا القدرة على القتال كي يطلبوه من رسول الله صلى الله عليه وآله بل الأقرب ان مرحلة المنع كانت الأشهُر الأولى إلى ما قبل غزوة البدر، حيث كان للقريش جولات إلى حول المدينة وتعرضات للمسلمين فطلب البعض التصدي لهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله الا بعد ما اتفق معركة بدرالكبرى على التفصيل المذكور في كتب التاريخ.

اما ما قاله رضوان الله عليه بالنسبة إلى المرحلة الثانية وسماها مرحلة الإذن، فنقول الإذن قد يأتي بمعنى خصوص الإباحة وما يكون مساوي الطرفين وقد ياتي لبيان نفي الطرف المقابل، اي قد يأتي الإذن في فعل شيئ بمعنى جواز فعله بمعنى الأعم: من الكراهة و الاباحة والاستحباب والوجوب فيفيد نفي حرمة ذاك الفعل، كما ان الاذن في ترك شيئ قد يأتي لبيان جواز الترك بمعنى الأعم من الحرمة والكراهة و الاباحة والاستحباب فيفيد نفي وجوب الفعل. وفي هذه الآية لم ينف وجوب الجهاد وخصوصاً عند ما يقول : " وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثيراً" هل يجوز ترك ما لو لم يكن ينتهي إلى خراب جميع المعابد. وكذلك الآية التي قبلها فيها طمئنة للمجاهدين وتحذيرعن ترك القتال بالخيانة والكفر، حيث يقول: " إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" (الحج38) مضافاً إلى ان تعليل التي قدمتموه لمرحلة الإذن دون الايجاب بالضعف النفسي وعدم توفر الامكانيات فهذا التعليل يقتضي اما المنع بتاتا واما الايجاب على الجميع لان الإذن في مثل تلك الآونة تعريض النفوس للهلاك، فهذه الآية تريد أن تبين ان الجهاد الدفاعي هو قوام للدين والشريعة. فلا يفيد الجواز بالمعنى الاخص اي الاباحة.

اما المرحلة الثالثة: اي وجوب قتال الدفاعي؟ نعم الآية تدل على ذالك بوضوح ولكن تصنيف الآية للمرحلة الثالثة لا يبقى له وجه بل هي من الآيات التي تدل على وجوب جهاد الذين يقاتلوننا وهو الجهاد الدفاعي كما أكّدنا عليه.

ثم المرحلة الرابعة التي صنفه رضوان الله عليه كمرحلة لتشريع الجهاد الابتدائي والستند لذالك بقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة216). فانما هذه الآية تحدثنا عن وجوب القتال ولم تتعرض لنوعية من نقاتله و ما قاله رضوان الله عليه من انّ: (كَتَبَ من أقوى تعبيرات الفرض و الكُره في الآية يعبر عن مدى عمق معانات المسلمين في هذه المرحلة، ذالك لان الحكم قد عُمّم). لا يثبت شيئاً من مراده، نعم انّ كَتَبَ يفيد الوجوب و متعلقه القتال فهو واجب بلا شك، ولكن هل يشمل المسالم اولا؟ لا دخل فيها لتعيين من يجب قتاله، وامّا التعميم في آخر الآية فهو تعميم افرادي للمسلمين وهي ساكتة عن تعيين من يجب جهاده وليس من هذه الناحية بصدد البيان حتى يستفاد منها الاطلاق الشامل للمحارب والمسالم، وجُلّ آيات الجهاد فيها مثل هذا التعميم.

اما الآيات التي ذكرها للمرحلة الخامسة للتحريض والتأنيب والتهديد التي أوردها كتأكيد على القتال البدوي وهي قوله تعالى: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن‌... "(الانفال 65)، ثمّ قال: (ومن أقوى أساليب التحريض على القتال قوله تعالى: " فَقاتِلْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَك‌..."(النساء 84).

فنقول: نعم انها تحريض على القتال ولكن لا علاقة لها بتعيين من نقاتله، كي تشمل باطلاقها المسالمين. وخصوصاً الآية الثانية فذيله شاهد على ان الكلام عن القتال الدفاعي حيث يقول: " فَقاتِلْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذينَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكيلاً (النساء84) فيظهر منها ان القتال لدفع بأس الذين كفروا.

وكذالك قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ (التوبة38).

وكذالك قوله تعالى: "إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَليماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَديرٌ" (التوبة39). فان هاتين الآيتين تلومان من التثاقل عن النفور للحرب وتهدد عن عن العصيان ولا علاقة لهما بتعيين من يجب قتاله. وكذالك النفير العام للمرحلة السادسة الذي اشار اليه في قوله تعالى: " انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة41) فهي نفير عام للمقاتلين لا لمن يجب قتاله فلا علاقة بالموضوع المبحوث عنها ابداً.

كما انه يرد الاشكال على سماحته من الترتيب المذكور في الآيات فاي مستند لذالك؟ كي نرسم لانفسنا مراحل للتشريع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo