< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا حول بعض الآيات التي وردت في الجهاد والقتال كي نرى مدى دلالتها على وجوب قتال الكفّار، هل هو بمجرد عدم اعتناقهم للاسلام؟ او إنّما نقاتل الكفار الذين يقاتلوننا او يفسدون علينا او دفاعا عن المظلومين الذين استنجدونا؟ وقد ذكرنا عدة آيات في الأيام الماضية و من الآيات قوله تعالى: " لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‌ لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ (البقرة256) . قوله "لا إكراه في الدين" اما جملة إنشائية اي لا يجوز الاكراه في الدين. واما جملة خبرية فمعناه لا يمكن الاكراه في الدين وهذا الوجه أقرب لأنّ الدين من مقولة الاعتقاد و موطنه القلب فلا يمكن تحصيله في الغير، بالقوة، ولو اعتبرناه إنشائية فكذالك يفيدنا في هذا الباب فكيف نقاتله حتى يسلموا، نعم يمكن نقاتلهم حتى يستسلموا اذا لم يكونوا مسالمين. قال العلامة الطباطبائي في ذيل الآية: (لما أن الدين و هو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية، يجمعها أنها اعتقادات، و الاعتقاد و الإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه و الإجبار، فإن الإكراه إنما يؤثر في‌الأعمال الظاهرية و الأفعال و الحركات البدنية المادية، و أما الاعتقاد القلبي فله علل و أسباب أخرى قلبية من سنخ الاعتقاد و الإدراك، و من المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولد المقدمات غير العلمية تصديقاً علمياً، فقوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكما دينيا بنفي الإكراه على الدين و الاعتقاد، و إن كان حكماً إنشائياً تشريعياً كما يشهد به ما عقّبه تعالى من قوله: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد و الإيمان كرها، و هو نهي مُتّكٍ على حقيقة تكوينية، و هي التي مرّ بيانها أن الإكراه إنما يعمل و يؤثر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية).

وقوله تعالى: "وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَميعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنينَ (يونس99). فالاستفهام هنا استفهام انكاري يعني لا يتيسر إكراهك إيّاهم للايمان.

وقوله تعالى: " وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (عنكبوت46) عندما يامرنا ربنا ان لا نجادل أهل الكتاب الا باللتي هي أحسن و يلقِّننا هذا البيان اللطيف مما تفوه منه رائحة النصح والخير، ويمنعنا عن التشدد في الجدال ويأمرنا في الجدال ان نختار الأحسن منه، فهل ينسجم ذالك مع القول بشنِّ الحرب عليهم لمجرد عدم إعتناقهم لما نحن عليه؟ نعم استثنى الذين ظلموا منهم وهم المحاربين.

وقوله تعالى: "اسْتَجيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (الشورى48). في هذه الآيات دعوة و تحذير عن مغبّة الأعمال في القيامة، ثم رفع التكليف عن النبي صلى الله عليه واله، بمجرد الابلاغ، ثم بيان حالة الإنسان نفسياً تجاه النعمة والنقمة، فأين التهديد بالقتال؟

وقوله تعالى: "قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‌ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران64). فيه دعوة إلى الأخذ بالمشتركات و المنع من التعالي على الآخر وهو المراد من قوله: "ولايتخذ بعضناً بعضاً ارباباً من دون الله وليس المراد ان يجعل بعضنا البعض معبوداً لان هذا لم يكن يتوقع فهذا الكلام اريد منه نفي الاستعمار، وعلى فرض رفضهم لهذا الاقتراح و عدم قناعتهم بهذا الكلام المنطقي والعادل فأُمر النبي صلى الله عليه وآله بإشهادهم على مسالمة المسلمين، فهل تجد في هذه الآيات الا رسالة سلم إلى المسالمين وحصر الحرب على المحاربين.

بما أن بعض المفسرين جعلوا بعض آيات القتال ناسخة لبعضها ونحن نختار كلام المرحوم آية الله الآصفي كنموذج للقول بالنسخ ومرحلية احكام الجهاد.

قال رضوان الله عليه ما ملخصه: (الجهاد مر بمراحل عديدة هي كالتالي: المرحلة الاولى الكف(المنع) أو سياسة لاعنف....قال تعالى: "أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‌ أَجَلٍ قَريبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَليلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‌ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتيلاً"(النساء77).

انها تتحدث عن موقف اللاعنف الذي اُمر المؤمنون به في مكة، وبالخصوص في المراحل الأولى للدعوة إلى الله.

المرحلة الثانية: الإذن : قال تعالى: " أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ نَصْرِهِمْ لَقَديرٌ (39) الَّذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ (40) الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج41).

إذن بعد أن تم اخراج المؤمنين من مكة واستقروا في المدينة أذن الله عزوجل لهم بقتال من أخرجهم بغير حق، وقد عرف المؤمنون أن وراء هذا الإذن فرضا، و ولكن لماذا أذن لهم في هذه المرحلة المدنية من حياتهم ولم يكتب الجهاد عليهم؟ والجواب أن مرحلة الإذن ترتبط بالوضع النفسي للمؤمنين، إضافة إلى أن مرحلة الفرض تحتاج إلى نقلة لم يتهيأ بعد ظرفها النفسي كاملاً.

المرحلة الثالثة: تشريع وجوب الدفاع: قال تعالى: " وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ (190) وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرينَ (191).

وهنا خرج أمر الجهاد عن دائرة الإذن إلى دائرة الفرض والكتابة ، ولكن هذه الفريضة كانت دفاعية، لأنه تعالى يقول: " الذين يقاتلونكم".

المرحلة الرابعة: وجوب البدء بالقتال: قال تعالى مبينا ذلك: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‌ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة216). وكتب من أقوى تعبيرات الفرض و الكره في الآية يعبر عن مدى عمق معانات المسلمين في هذه المرحلة، ذالك لان الحكم قد عُمّم.

المرحلة الخامسة: التحريض والتأنيب والتهديد: وهكذا تصل النوبة إلى هذه المرحلة ونجد في القرآن آيات تشير إلى ذالك وهي كما يلي:

1-قوله تعالى: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن‌... "(الانفال 65)، ومن أقوى أساليب التحريض على القتال قوله تعالى: " فَقاتِلْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَك‌..."(النساء 84).

2- قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ (التوبة38).

3- قوله تعالى: "إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَليماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَديرٌ" (التوبة39).

المرحلة السادسة: النفير العام: قال تعالى مبينا ذالك: " انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة41).

هذه المراحل التي مر بها تشريع الجهاد

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo