< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :وجوب جهاد المحارب

 

قد ذكرنا في المباحث السابقة الآيات التي يستدل بها على وجوب قتال المشركين وأهل الكتاب بعنوانهما، و ثبت عدم دلالتها على المدعى بل ان دلّت على شيئ فانما تدل على وجوب جهاد المحارب والمقاتل منهم، وبما أنّ هذه المسئلة مسئلة مصيرية في مبحث الجهاد وتعطي اطارا شاملا لجميع الفروع فيه ينبغي ان نقف عندها أكثر، فإن المسئلة لم تؤد حقّها إلى الأن في كتبنا الفقهية، بل و كذالك في كتب العامّة حيث انهم ايضاً لمعاصرتهم مع الخلفاء والملوك أفتوا على ما يكون تبريرا للأجواء السائدة عندهم، حيث ان الخلفاء والسلاطين في المجتمعات الاسلامية لم يختلف سيرتهم في الحرص على توسع نطاق حكوماتهم عن سائر الحكومات طيلة تاريخ البشرية، كما نرى كثير من مورخينا و مؤلفينا يعتبرون فتوحات الملوك والسلاطين بعد الاسلام شاخصاً للحضارة الاسلامية و يتباهون بها، ولو كان في ظلها الظلم والطغيان و إراقة الدماء وارغام الشعوب ونهب الاموال. ولذالك يجب علينا أن نتأمل في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة فارغاً عن كل حكم مسبق كي نستخلص حكم الاسلام وسيرة النبي و الأئمة المعصومين عليهم السلام من خلالها دون التأثّر بالاجواء التي مرّت على الأمّة الاسلامية.

وقبل كل شيئ لابد من تاسيس الاصل في موضوع القتال، من انه هل الاصل في القتال الجواز بالمعنى الأعم الا ما خرج بالدليل فنبحث عن مواطن الحرمة، او الاصل فيه الحرمة الا ما خرج بالدليل فلابد ان نبحث عن مواطن الجواز ونتحرى عن مبررٍ له.

فنقول: ان الله وهب لعباده الحياة فلايجوز سلبها عنهم الا بمجوزٍ والعقل يحكم بذالك فمن قتل انساناً يعتبر عمله ظلما واعتداء في حق المقتول ويسئلون عنه.

و قال تعالى: " وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي‌ حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (الاسراء33). ظاهر الاية حرمة قتل النفس مطلقا الا بمبرر شرعي كما قال صاحب الميزان في ذي الآية: (لعل في توصيف النفس بقوله: «حَرَّمَ اللَّهُ» من غير تقييد إشارة إلى حرمة قتل النفس في جميع الشرائع السماوية فيكون من الشرائع العامة) كما ورد نفس التعبير في سورة الانعام آية151 وفي سورةالفرقان68 وغيرها من السور بعبارات قريبة. وقال تعالى في سورة المائدة: " مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‌ بَني‌ إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً...الآية" فهنا ذكر مبررين فقط القصاص ودفع الفساد عن الارض.

وقال تعالى في سورة الحج ببيان يفيد تاسيس الاصل في القتال فقال: " أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ نَصْرِهِمْ لَقَديرٌ . الَّذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ . الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ(الحج39-41). فإنّما المأذون في القتال هو المظلوم، وقد بيّن مَصاديق الظلم الذي مجوِّز للقتال في تعقيب الآيات والأهداف المقدسة التي تكون وراء القتال.

فالاصل قائم على عدم جواز القتال في نفسه والمفروض انه كما بحثنا لم يتم دليل على وجوب القتال لمجرد عدم اعتناق الاسلام .

وهنا اَوُدُّ أن أُطل إطلالة على الآيات التي ترسم لنا رؤية الاسلام في هذا الباب،

فمما يُعيّن لنا حالات جواز القتال قول الله تعالى: "وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ (البقرة190) ففيها عقد ايجابي وهو قتال الذين يقاتلوننا وعقد سلبي وهو قوله: وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ" . وقوله تعالى: " وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمينَ (البقرة193) و في هذه الآية أيضاً توقف القتال على الفتنة ونفى العدوان الا على الظالمين.

وكذالك قوله تعالى: "....فَالَّذينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا في‌ سَبيلي‌ وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (آل عمران195). فالمبرر فيهذه الآية هو الاخراج من الديار والإيذاء في سبيل الله.

وقال تعالى أيضاً: "وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيراً" (النساء75) فالمبرر للقتال والموجب له هو انقاذ المستضعفين من براثن الظلم والاعتداء.

وقال تعالى أيضاً: "وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَ لا نَصيراً (89) إِلاَّ الَّذينَ يَصِلُونَ إِلى‌ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ ميثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبيلاً(النساء90). في الآية الاولى يامرنا بالوقوف امام المؤامرات التضليلية ثم في الآية الثانية يستثني حالتين الاولى: هؤلاء الذين ينخرطون في ضمن قوم قد عقدوا معكم على عدم التعرض والثانية: هؤلاء الذين بسبب ضعفهم اعتزلوا عن الحرب ولو كانوا اقوياء لكانوا قاتلونكم مع ذالك اذا القوا اليكم السلم فلا يجوز قتالهم .

وقال تعالى: "وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‌ أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‌ أَهْلِهِ وَ تَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ عَليماً حَكيماً (النساء92).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo