< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : المرابطة

كان بحثنا في مسئلة المرابطة وهناك موضوع قد تعرض له بعض الفقهاء من انه هل للمرابطة حد من ناحية القلِّة و الكثرةً ام لا؟ قد تشتّت الأقوال في هذه المسئلة، فمنهم من حدد المرابطة من جانب الأقل بثلاثة أيّام و من جانب الأكثر بأربعين يوماً وهو المشهور، ومنهم من حدد الأقلّ بيوم، ومنهم من نفي التحديد في جانب الأقل، و منهم من لم يحدِّد في جانب الأكثر، وعلى كل حال علينا النظر إلى أدلة كل فريقٍ كي نستخلص منها ما هو الأقرب، قال صاحب الجواهر: (الرباط أقله ثلاثة أيام و أكثره أربعون يوماً كما صرّح به في النهاية و المنتهى و التذكرة و الإرشاد و القواعد و الدروس و جامع المقاصد و الروضة و غيرها، بل في المنتهى نسبة الأول إلى علمائنا و التذكرة إلى الاتفاق عليه) فهذا قول المشهور وقد ادُعيَ الاجماع على كون ثلاثة ايام أقلّها.

ومما يدل على ذالك رواية زرارة ومحمد ابن مسلم واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ رَوَاهُ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالا الرِّبَاطُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَ أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً- فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَهُوَ جِهَادٌ".(وسائل ج15 باب 6من ابواب جهاد العدوح1).

السند لا بأس به لان نوح ابن شعيب هو نوح بن صالح، وصفه الكشي نقلا عن فضل بن شاذان: (بانه كان فقيهاً عالماً صالحاً مرضياً). ولو لم يصرح له بالوثاقة ولكن التعبيرات التي عبّر بها عنه، يكفي في الوثاقة من مثل فضل ورواية الكشي عنه. فظاهر الرواية تحديد الرباط بثلاثة ايام أقلها و أربعين يوماً أكثرها.

قال الشهيد في الدروس: (أقلّها ثلاثة أيّام، و نُقل عن ابن الجنيد ليلة، و أكثرها أربعون يوماً، فإن زاد‌ فله ثواب المجاهدين).( الدروس الشرعية في فقه الإماميةج‌2ص31‌) وظاهر قوله فله ثواب المجاهدين ان ما زاد عن اربعين يوماً لايخرجها عن كونها رباط وانّما أجرُها كاجر المجاهدين.

فكأن الشهيد لم يحدد الرباط باربعين يوماً، و عدم التحديد من ناحية الكثرة هو الأنسب بعنوان الرباط فقول الامام "فاذا جاوز ذالك فهو جهاد" ظاهر في بيان الفضيلة، لانّ ضمير المستتر في جاوز يعود إلى الرباط يعني فالرباط جهاد فنزّل الرباط منزلة الجهاد في الفضل.

وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة: (وأقله ثلاثة أيام فلا يستحق ثوابه و لا يدخل في النذر، و الوقف و الوصية للمرابطين بإقامة دون ثلاثة، و لو نذره و أطلق وجب ثلاثة بليلتين بينها، كالاعتكاف.و أكثره أربعون يوماً فإن زاد، ألحق بالجهاد في الثواب، لا أنه‌ يخرج عن وصف الرباط.)( الروضة البهية-بحاشية كلانتر-ج‌2ص386).

ونسب إلى ابن جنيد كما أشاراليه الشهيد في الدروس وحكي ايضاً عن أحمد الحنبل من العامة انّ أقله يوماً مستنداً إلى النبوي المعروف: " عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: رباط ليلة في سبيل اللّٰه خير من صيام شهر و قيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، و أجري عليه رزقه، و أمن الفتان"(كنز العمال ج2ص253). و وكأنّ صاحب الجواهر ايضاً رجح هذا القول على مبنى التسامح في ادلة السنن، فالاقل عنده هو يوم وليلة حملا لقوله عليه السلام: "رباط ليلة" بان المراد منه ما يشمل الليلة ببياض نهاره، فاستنتج انّ: ما في الروضة- من أن (أقله ثلاثة، فلا يستحق ثوابه و لا يدخل في النذر و الوقف و الوصية للمرابطين بإقامة دون الثلاثة، إلى أن قال: و لو نذره و أطلق وجب ثلاثة بليلتين بينهما كالاعتكاف) لا يخلو من نظر.(جواهر ج21ص42).

ولكن لنا ملاحظة في كلام الجواهر بانّ الإستناد إلى هذا الحديث مشكل سنداً ودلالة: اما السند فهي رواية مرسلة عامية ولو رواه العلامة في المنتهى أيضاً مرسلةً وغيره من فقهائنا. الّا ان نعتمد على قاعدة التسامح ولو قلنا بالتسامح ولكن شمولها بالنسبة إلى ما يتريب عليها من واجب مشكل لان التسامح وارد في المستحب بما انه مستحب ولكن المستحب بما يترتب عليه من الواجب كما اذا تعلق به النذر او الوصية وامثالهما لابد من الاحتياط بحيث ان الفاعل يتيقن باستحقاقه للمال و فراغ ذمته عن النذر والعهد والقسم فتأمل. ومن ناحية اخرى ان في الدلالة أيضاً يمكن القول بان الحديث ليس في مقام التحديد بل في مقام بيان الفضل كما ورد في صلاة الجماعة روايات تبين فضل ركعة من الصلاة في الجماعة منها: " وَ فِي الْمَجَالِسِ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُود الَى رَسُولِ اللَّهِ ص- فَسَأَلَهُ أَعْلَمُهُمْ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَهُ ع إِلَى أَنْ قَالَ- أَمَّا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّ صُفُوفَ أُمَّتِي كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ- وَ الرَّكْعَةَ فِي الْجَمَاعَةِ أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ رَكْعَةً- كُلُّ رَكْعَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- مِنْ عِبَادَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً- فَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ- فَيَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لِلْحِسَابِ- فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى إِلَى الْجَمَاعَةِ- إِلَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ- ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.(وسائل ج8ص287) وما ورد في ثواب ركعة في مسجد الحرام يعادل الف ركعة في غيرها. فلا يمكن ان نجعل مثل هذه الروايات مشرعة لصلاة ذات ركعة واحدة، وهنا ايضاً لا يمكن ان نستفيد من النبوي تحديد الرباط بيوم واحد من ناحية القلة فلا يمكن جعلها معارضاً لما سبق من توقف عنوان الرباط بثلاثة أيام.

واذا شككنا في صدق الرباط او في صدق الرباط الشرعي فالمرجع هو اصالة العدم ومن كان مكلفا بالرباط يجري اصالة الاشتغال فالاصل عدمه مضافا إلى انّ صحيحة محمد ابن مسلم وزرارة حدد الرباط بثلاثة ايام فلا وجه من رفع اليد منها لعدم وجود معارض لها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo