< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الجهاد من الواجبات التوصيلية
قد ذكرنا في اليوم الماضي ادلة التي يمكن ان يستدل بها على عدم وجوب اقامة العاجز من الجهاد جسميا غيره بماله،
واول الادلة : كان التمسك باصالة البرائة، ويرد عليه بأنّ الاصل دليل حيث لادليل فلابد نري هل هناك دليل على الوجوب او، لا؟
وكان الدليل الثاني: نفي الحرج وتقريره ان المريض يكون الجهاد عليه حرجياً فيسقط عنه وجوبه وما يلازمه من النفقة. ولكن اذا دل دليل على وجوب الإنفاق وهو ليس حرجياً على الغني فلا مانع من الالتزام به.
وكان الدليل الثالث: كما انّ سقوط الجهاد عن الفقير ليس مشروطاً بالضعف فكذالك سقوط الجهاد عن الضعيف ليس مشروطا بالفقر. ويمكن الجواب عنه أولاً: بان هذا مجرد القياس لانه لا تلازم عقلا بين الحكمين. ثانياً: في مورد الفقير كذلك دل الدليل على وجوب الجهاد عليه اذا وجد باذل لمؤونات الجهاد. فالمقيس عليه مثل المقيس.
وكان الدليل الرابع: انه لم يفرِّق أحدٌ بين المعذورين. ويمكن الجواب عن ذالك بان هذا الكلام منقوض بمن أفتى بوجوب الجهاد على الفقير اذا وُجد باذلٌ وعلى الضعيف اذا كان غنياٌ بالنسبة الى مؤونة الجهاد. ولعل هذا القول ايضاً يُلتزم به اذا كان العذر نهي الوالدين او الدائن وهكذا.
وكان الدليل الخامس: ان الضعف والمرض اذا سقط معه فرض الجهاد، فلا معنى للاستنابة لان النائب ياتي بما كان على ذمة المنوب عنه. ويُردّ عليه نقضاً وحلاً، اما النقض ففي كثيرٍ من الموارد يجب على المعذور ان يستنيب غيره، كالعاجز عن الطواف ومن نسي صلاة الطواف حتى رجع الى بلده او اكتشف بطلان صلاته بعد الرجوع الى بلده وهو لا يقدر على العوده، وكذالك الاستنابة في رمي الجمار. واما الحل انه قد يكون المولى طلب من عبده شيئاً و أمره في صورة العجز أن يستنيب الآخر وهذا ليس محالا في مقام الثبوت وقد تحقق له أمثلة في مقام الاثبات.
ثم ان صاحب الجواهر قال: (و دعوى كون الوجوب أصالة لا بطريق البدل، يدفعها أنه خلاف ظاهر فرض موضوع المسألة،) [1] ويرد عليه بانّ فرض المسئلة ليس حصراً في الإستنابة، بل يشمل إعانة المجاهد بمال يستعين به للجهاد، فكلام المحقق ليس ظاهرا في الإستنابة حيث يقول: (و من عجز عنه بنفسه و كان مؤسراً وجب إقامة غيره و قيل يستحب و هو الأشبه) [2] وكذالك الشيخ بقوله: (وجب عليه إقامته، و إزاحة علّته في ما يحتاج اليه) وأوضح من ذالك كلام قطب الراوندي حيث استدل بقول تعالى: "وانفقوا في سبيل الله": ثم قال: (من كان له مال و لا يمكنه القيام إلى الحرب يجب عليه إقامة غيره مقامه فيما يحتاج إليه و ينفق عليه و يعين المحاربين بالسلاح و المركوب و النفقة فعموم الآية يتناول جميع ذلك) فلم يشترطوا قصد النيابة عن المنفق. فليس ايجاب الانفاق للجهاد على المؤسر الذي لا يطيق الجهاد بنفسه خلاف المفروض في المسألة.
ثم انه ينبغي ان نتوجه الى نقطة هامة في ما نحن فيه، وهي ان الجهاد من الواجبات التوصلية مما لا يتوقف امتثالها على النية وليس تعبديا وكذالك هو واجب كفائي لا خصوصية لصدوره عن شخص دون شخص، وانما اريد منه دفع العدو فيجب على المكلفين جميعا القيام به فاذا اقدم من به الكفاية يسقط عن الاخرين وهو متوقف على امرين بذل النفس وبذل المال، فلو فرضنا الكفاية تتحقق بحضور ماة مقاتل بعِدّته وعُدّته، وقد توفّر تسعين رجلا جاؤوا بملزومات الحرب المالية معهم، وهناك عشرة من الفقراء وهم لايجدون ما ينفقوا و افراد مؤسر يستطيعون مساعدة هؤلاء باموالهم، فيجب عليهم كفاية تأمين هذه الحاجة حتى تتم بذالك الكفاية و يتحقق به مراد المولى تعالى. ومن تأمل في الآيات يستشف منها هذه الحقيقة بوضوح، واليك بعض تلك الآيات:
قال الله تعالى: "وَ أَنْفِقُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ" [3] فهذه الاية تأمرنا بالانفاق الذي يتم به حاجة الجهاد حتى لا نقع في التهلكة بسلطة العدو علينا.
وقال ايضاً: "لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالْمُتَّقينَ" [4] فجعل علامة الايمان عدم الاعتذار عن بذل المال والنفس في الجهاد فهما واجبان مستقلان. وقال ايضاً "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ . فَلْيَضْحَكُوا قَليلاً وَ لْيَبْكُوا كَثيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" [5] [6] فأوعد المتخلفين والكارهين عن بذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله النار. وهكذا قوله: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" [7] وقوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‌ تِجارَةٍ تُنْجيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَليمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً في‌ جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ [8]
فنستخلص من هذا البحث ان الجهاد واجب كفائي وهو قائم بأمرين بذل النفس والمال فما دام لم يكتمل ما به الكفاية من كل من الامرين يجب على المكلفين ان يبذلوهما حسب استطاعتهم واذا كملت الحاجة يستحب المشاركة ايضا لتقوية الميدان. فلا أظن أحد من الفقهاء يفتي بعدم وجوب تأمين الحاجات المادية للجهاد قبل اكتمال ما به الكفاية، ولا أحد منهم يفتي بعدم وجوب بذل النفس للجهاد مادام لم يكتمل عدد اشخاص الذين عرضوا انفسهم للجهاد. فمن قال بالاستحباب في بذل المال لمن لايقدر على الجهاد لابد ان نحمل كلامه على حالة توفر المال بما فيه كفاية، و ان نحمل كلام من قال بوجوب بذل المال واقامة من ليس واجدا بالمال الى حالة عدم كفاية المال الموجود لحاجة الجهاد.
ولذا قال في الرياض بعد ما دافع عن القول بالاستحباب: (ثم إن هذا اذا لم يحتج الى الاستنابة بان يعجز القائمون بدونها والا فيجب قولا واحداً) [9] [10] (رياض الأحكام ج8) وغيره من الفقهاء قالوا بذالك وصاحب الجواهر ايضاً في نهاية المطاف يفيد كلامه ما قلناه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo