< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجود الامام او من نصبه
قال المحقق رضوان الله عليه: (و فرضه على الكفاية بشرط وجود الإمام أو من نصبه للجهاد) بعد ما ثبت ان الجهاد واجب كفائي زاد المصنف شرطا آخراً وهو اشتراط وجوب الجهاد بوجود الامام او من نصبه للجهاد" كثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الجهاد وجود الامام او من نصبه الامام للجهاد. والمراد من الوجود ليس مجرد حياة الامام بل المراد هو بسط يد الامام كما صرح بذالك صاحب الجواهر-ره- و قد يتبادر إلى الذهن أنّ مرادهم من الامام هو الأئمة المعصومون. كما ان ما نلاحظ في فتوى الاصحاب هو ان عند فقد الامام لايجوز جهاد، معناه انّ الجهاد غير مشروعٍ الا عند حضور الامام و تحت إمرته او من جعله اميراً للمقاتلين.
فاليك بعض النصوص الفقهية لفقهائنا الكرام: قال الصدوق: (الجهاد فريضة واجبة من الله عزوجل على خلقه بالنفس والمال مع امام عادل..).( الهداية في الأصول و الفروع، ص: 58).
وقال الشيخ في النهاية: (و من وجب عليه الجهاد إنّما يجب عليه عند شروط، و هي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلّا بأمره و لا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهرا، أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين حاضرا، ثمَّ يدعوهم الى الجهاد، فيجب عليهم حينئذ القيام به. و متى لم يكن الإمام ظاهرا، و لا من نصبه الإمام حاضرا، لم يجز مجاهدة العدوّ. و الجهاد مع أئمّة الجور أو من غير إمام، خطأ يستحقّ فاعله به الإثم. و إن أصاب لم يؤجر عليه. و إن أصيب كان مأثوماً) (النهاية في مجرد الفقه و الفتاوى، ص: 290) ومثل هذه التعابير جائت في السرائرلابن ادريس،
وقال ابن برّاج في المهذّب عند بيان شروط وجوب الجهاد: ( ويكون مأموراً به من قبل الامام العادل او من نصبه الامام) وقريب من هذا التعبير ورد عن ابن زهرة في الغنية. وكذالك مثلها في الوسيلة لابن حمزة.
وقال المحقق في المختصر: (و إنما يجب مع وجود الإمام العادل، أو من نصبه لذلك، و دعائه إليه.و لا يجوز مع الجائر إلا أن يدهم المسلمين من يخشى منه على بيضة الإسلام أو يكون بين قوم و يغشاهم عدو فيقصد الدفع عن نفسه في الحالين لا معاونة الجائر).(مختصر النافع ج1ص109).
وقال العلامة الحلي في القواعد: (و إنما يجب بشرط الإمام أو نائبه)( قواعد الاحكام ج1ص478) ومثل هذا الكلام مذكور من الشهيد في اللمعة.
ثم ينبغي ان نتأمل في كلام فقهائنا هل المراد من حصر الامر في الجهاد بالامام العادل هو حصره في المعصوم او نائبه والمجاز من قبله بشكل خاص او هو أعم من ذالك، قد يتبادر إلى الذهن في بادئ الأمر ان المراد من الامام العادل المعصومين عليهم السلام. ولكن عندما ندقق في كلماتهم نعرف ان عنوان العادل جاء لنفي الظالم او الجائر من السلاطين والملوك ولا عناية في كلامهم إلى ما اذا لو اتفق قوة لفقيه عادل يتصدى لذالك، وكانهم لايتوقعون ذالك يوما ما كي يبحثوا عن حكمه.
قال المفيد وهو من أساطين القدماء من الفقهاء: (فأما إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى و هم أئمة الهدى من آل محمد ع و من نصبوه لذلك من الأمراء و الحكام، و قد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان فمن تمكّن من إقامتها على ولده و عبده و لم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها).
فهو رضوان الله عليه لم يتطرق إلى فريضة الجهاد لانه لم يتوقع لانفاذه حكومةً عادلةً، ولكن بالنسبة إلى بعض ما هو شأن الحاكم الذي قد تتوفّر الفرصة لها لفقيه عادل كاقامة الحدود يذكر المعصوم ثم الحكام والامراء في عصرهم كالولاة التي ولّوهم الحكم كمحمد ابن ابي بكر او مالك الأشتر الذين خول اليهم جميع ما هو من شأن الامام ان يقوم به قال علي عليه السلام في عنوان عهده لمالك: " هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبْوَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا". فنحن اذا تاملنا في هذا العنوان نرى فيه جميع شئون الحاكم وكذالك أمراء السرايا في عصر النبي صلى الله عليه واله.
ثم يوسع النطاق إلى فقهاء شيعتهم مع فرض الامكان والتمكّن من إنفاذ الحدود، وشأن الجهاد هو شأن الحدود، والسر في ذالك ان من فُوّض اليه الأمور التي هي شأن الامام على قسمين منهم من فُوِّض اليه بشخصه وقد يعبَّر عنهم بالنائب الخاص، ومنهم من فُوّض اليه مثل تلك الامور بعنوانه كقوله عليه السلام في مقبولة عمر ابن حنظلة " أنظروا إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فاجعلوه بينكم حاكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً الحديث" (وسائل ج27ابواب صفات القاضي باب1ح4) او في موثقة ابي خديجة سالم ابن مكرم الْجَمَّالِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عليه السلام: "إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ وَ لَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَايَانَا فَاجْعَلُوهُ‌ بَيْنَكُمْ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ".وقريب منهما روايات في نفس الباب مما يفيد وجوب التحظّر من الجائر و اللجوء إلى الفقهاء، وتفصيل البحث موكول إلى مبحث ولاية الفقيه. فهذه الاحاديث وغيرها تفيد تخويل مثل هذه الامور إلى العلماء العارفين بمباني أهل البيت عليهم السلام في احكام الشريعة المقدسة.
ثم قال المفيد في متابعة كلامه: (و من خاف من الظالمين اعتراضاً عليه في إقامتها أو خاف ضرراً بذلك على نفسه أو على الدين فقد سقط عنه فرضها، و كذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه و أمن بوائق الظالمين في ذلك فقد لزمه إقامة الحدود عليهم، فليقطع سارقهم و يجلِّد زانيهم و يقتل قاتلهم و هذا فرض متعين على من نصبه المتغلّب لذلك على ظاهر خلافته له أو الإمارة من قبله على قوم من رعيته فيلزمه إقامة الحدود و تنفيذ الأحكام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و جهاد الكفار و من يستحق ذلك من الفجار و يجب على إخوانه من المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حداً من حدود الإيمان أو يكون مطيعاً في معصية الله تعالى من نصبه من سلطان الضلال، فإن كان على وفاق للظالمين في شي‌ء يخالف الله تعالى به لم يجز لأحد من المؤمنين معونته فيه، و جاز لهم معونته بما يكون به مطيعاً لله تعالى من إقامة‌ حدٍ و إنفاذ حكمٍ على حسب ما تقتضيه الشريعة، دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال.( المقنعة للشيخ المفيد)، ص: 811‌)
قال ابي الصلاح الحلبي: (يجب جهاد كل من الكفار و المحاربين من الفساق،...... بشرط وجود داع اليه يعلم أو يظن من حاله السير في الجهاد بحكم الله تعالى لكل من وصفناه من المحاربين. ....و ان كان الداعي إليه غير من ذكرناه، وجب التخلف عنه مع الاختيار، فان خيف جانبه جاز النفور معه لنصرة الدين دونه.فان خيف على بعض بلاد الإسلام من بعض الكفار أو المحاربين، وجب على أهل كل إقليم قتال من يليهم و دفعه عن دار الايمان، و على قطان البلاد النائية عن مجاورة دار الكفر أو الحرب، النفور إلى أقرب ثغورهم، بشرط‌ الحاجة الى نصرتهم، حتى يحصل بكل ثغر من أنصار المسلمين من يقوم بجهاد العدو و دفعه عنه، فيسقط فرض النفور عن من عداهم.و ليقصد المجاهد و الحال هذه نصرة الإسلام و الدفع عن دار الايمان، دون معونة المتغلب على البلاد من الأمر. و خالف الثاني الأول، لأن الأول جهاد مبتدأ، وقف فرض النصرة فيه على داعي الحق لوجوب معونته، دون داعي الضلال لوجوب خذلانه، و حال الجهاد الثاني بخلاف ذلك، لتعلقه بنصرة الإسلام و دفع العدو عن دار الايمان لأنه ان لم يدفع العدو، درس الحق و غلب على دار الايمان و ظهرت بها كلمة الكفر.(الكافي في الفقه، ص: 247‌)
وابي الصلاح عاش بعد قرن من وفات المفيد وهو كذالك يرى الجهاد مشروطا بداع إلى الجهاد الذي يعلم او يظن من حاله السير في الجهاد بحكم الله وهذا الكلام يستشف منه بوضوح ان المشروط به، ليس حصرا في المعصوم، لانه اذا كان الامام معصوماً فلا معنى لقوله يعلم اويظن من حاله السيرفي الجهاد بحكم الله.
فعلى ما استفدنا من كلمات الفقهاء لايحصر الامام العادل في المعصوم في مراد الفقهاء بل اعم من ذالك فبعض الكلمات نص في ذالك وبعضها ظاهر حيت جعلوا عديل الامام العادل الجائر والظالم، مضافا إلى ما نرى من كلماتهم في احكام الجهاد والامر بالمعروف والحدود و المرابطة وغيرها من الاحكام انهم يجعلون الامر إلى الامام العادل ثم يقولون يجوز للامام ان يفعل كذا ولا يجوز ان يفعل كذا ام ينبغي عليه كذا ولا ينبغي عليه كذا وتلك الابواب مليئة بمثل هذه التعبيرات فلو كان مرادهم من الامام العادل خصوص المعصوم فاياب الشيئ وتحريمه على الامام المعصوم ليس شأن الفقهاء وبعيد من ساحتهم مثل هذا الاجتراء على المعصومين عليهم السلام.
كما ذكرنا سابقا كلام المقدس الاردبيلي في ذالك حيث قال: ( قد أشرنا الى ان الأمر المتعلق بالإمام عليه السّلام، لا ينبغي لمثلنا ان نتكلم فيه، فان الأمر اليه، و لا يجوز عليه الا الحق: و فائدة العلم بالأحكام حينئذ مع كونه خطيرا، قليل.و أظن الأصحاب رحمهم اللّه انّما بحثوا عما يجوز للإمام عليه السّلام ان يفعل مثل تعيين الجزية و غيره تبعا للعامّة، فإنهم يبحثون عما لا يجوز للإمام و الحاكم ان‌ يفعل و عما لا يفعل، لتجويزهم الخطأ و الغلط عليه كغيره فيحتاج الى استخراج احكامه و البحث فيه، و لهذا بحثوا عن أفعاله في جميع ماله ان يفعل في مثل العمل بالوصايا، و نصب الوصي، و تحجير الصبيان و المسرفين و المفلس و ولايته في النكاح و الحدود و القصاص و غيرها. و تبعهم أصحابنا في بحث الجهاد: و الأولى لي الترك، و لهذا ما حققنا في كتاب الجهاد مثل غيرنا إلا في مسألة ضرورية متعلقة بغيره عليه السّلام، مثل أحكام الأرضين حال الغيبة".(مجمع الفائدة والبرهان ج7ص517).
إلى هنا تحدثنا عن فتاوى الفقهاء في اشتراط وجوب الجهاد بحضور المعصوم او هو اعم من ذالك واستنتجنا انه لا يمكن نسبة القول باشتراط وجوب الجهاد بحضور المعصوم إلى فقهائنا ولا اقل ليس على هذا القول اجماع ولا شهرة. والامر الاهم ان ننظر إلى لسان الادلة الدالة على جوازالجهاد مع الامام العادل ونتامل في دلالتها كي نستحصل منها دليلا على قول الاصح ان شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo