< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة الثامنة والثلاثون.إذا دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت والمأموم معتقد عدمه أو شاكّ فيه لا يجوز له الائتمام في الصلاة، نعم إذا علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام به، نعم لو دخل الإمام نسياناً من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر لا يجوز الائتمام به وإن علم المأموم بالدخول في الأثناء لبطلان صلاة الإمام حينئذٍ واقعاً، ولا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة، لأنّه مختصّ بما إذا كان عالماً أو ظانّاً بالظنّ المعتبر.[1]
هذه المسألة الأخيرة من الفصل الثامن تعرض المصنف في هذه المسألة إلى أن الإمام إذا بدأ الصلاة معتقداً أن وقتها قد حان، بينما لا يعتقد المأموم ذلك، أو يشك في أنه هل حان وقت الصلاة أم لا؟، لا يجوز له الاقتداء لأنه لا یجوز للمصلی أن یدخل فی الصلاة إلا بعد إحراز دخول الوقت لأن الوقت شرط واقعی فی صحة الصلاة، كالطهارة والقبلة، والرکوع والسجود.
نعم، إذا دخل الإمام في الصلاة ولم يدخل الوقت مع اعتقاده بدخوله، ثم علم المأموم أن الوقت دخل في أثناء الصلاة، فللمسالة صورتان، الأولى : أن يدخل الإمام في الصلاة وهو يعتقد دخول الوقت اعتقادا وجدانياً، أو ظاناً بالظن المعتبر، ففي كلتا الصورتين يجوز للمأموم الاقتداء به، وجواز الاقتداء في الصورة الأولى، وهو إذا كان الإمام عالماً بدخول الوقت، واضح لا حاجة إلى الاستدلال، أما في الصورة الثانية، وهو إذا ظن الإمام دخوله بالظن المعتبر، فقد دلت عليه ما رواه ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام، حيث جاء فيه " مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ( إِذَا صَلَّيْتَ وَ أَنْتَ‌ تَرَى‌ أَنَّكَ‌ فِي‌ وَقْتٍ‌ وَ لَمْ يَدْخُلِ الْوَقْتُ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وَ أَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْكَ. )[2]
تدل هذه الرواية بما نحن بصدد إثباته، وهو جواز اقتداء المأموم بالإمام الذي دخل في الصلاة قبل الوقت معتقدا دخوله، والمأموم علم بدخوله في أثناء الصلاة، فقول الإمام : ( وأنت ترى أنك في وقت )، أي : تعتقد أن الوقت قد حان، ثم قال : ( ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك.) أي : دخل الوقت في أثناء الصلاة، فصلاتك صحيحة، لأن لازم الإجزاء صحة العمل.
أما السند فلا إشکال فیه إلا إسماعیل بن رباح حیث لم یرد له توثیق فی کتب الرجال ولکن بما أن ابن أبي عمير یروی عنه وهو من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم. فیعتمد علی اسماعیل لأن مجرد روایة ابن ابی عمیر عنه یعتبر توثیق له هذا هو رأی المشهور فی هذا الموضوع ولکن ذهب البعض إلى أن من يروي عنه أصحاب الإجماع لا یمکن أن نثق به لأنه ثبت أن البعض من أصحاب الإجماع رووا عن الضعاف. فبناء على هذا المبنی لا يصح الاستناد إلى الرواية، ولکن لا بآس بالاستناد إلی هذا الحدیث فی هذه المسئلة.
الثانية : أن يدخل الإمام في الصلاة لأجل النسيان، أو للعمل بالظن غير المعتبر، ففي هذه الصورة لا يجوز للمأموم الاقتداء به، لأن صلاة الإمام باطلة حينئذ واقعاً، وهنا لا يصحح صلاته دخول الوقت في أثناءها، لأن ذلك مختص بما إذا كان الإمام عالما أو ظانا بظن معتبر.
وقفة أخلاقية.
قال الإمام زين العابدين على بن الحسين عليهما السلام، وهو يذكر ما ينبغي من الأعمال في شهر رمضان المبارك، بعد الحمد والثناء على الله تعالى، والإشارة إلى فضله.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلَالَ‌ حُرْمَتِهِ‌، وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ، وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيكَ حَتَّى لَا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إِلَى لَغْوٍ، وَلَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إِلَى لَهْوٍ.
وَحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ، وَلَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إِلَى مَحْجُورٍ، وَحَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ، وَلَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، وَلَا نَتَكَلَّفَ إِلَّا مَا يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئَاءِ الْمُرَاءِينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لَا نُشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَلَا نَبْتَغِي فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَقِفْنَا فِيهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ، وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ. وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيبِينَ لِمَنَازِلِهَا، الْحَافِظِينَ لِأَرْكَانِهَا، الْمُؤَدِّينَ لَهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ- صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ- فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ.
وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالْإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا، وَأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَى مَنْ عُودِيَ فِيكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيهِ، وَالْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيهِ.[3]
ولما اقتربنا من شهر رمضان المبارك، فأحببنا أن نقف وقفة موجزة عند هذا الشهر المبارك، وأن نشير إلى بعض ما ينبغي أن نقوم به فيه، ومن هنا فكان الاختيار بعض فقرات دعاء الإمام السجاد عليه السلام الذي قاله في استقبال شهر رمضان المبارك، فقال الإمام عليه السلام : (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلَالَ‌ حُرْمَتِهِ‌......الخ) طلب الإمام من الله سبحان وتعالى أن يلهم الصائمين معرفة هذا الشهر المبارك، وجلالة قدره، وعلو منزلته، لأن هذا مما يسهم في الاهتمام به من خلال القيام بما ينبغي أن يقوم به الصائم فيه من طاعة الله وعبادته وتلاوة القرآن الكريم وما شابه ذلك، كما لفت إلى أن حقيقة الصيام ليس الكف عن الأكل والشرب مما يسمى بالمفطرات فقط، بل هو عبارة عن كف الجوارح عن ارتكاب معاصي الله تعالى، وأن تشتغل بطاعات الله سبحانه وعباداته من الفرائض والمستحبات، وهذا يبعد الإنسان عن اللغو واللهو.
ثم قال عليه السلام : (وَحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ،)، لفت عليه السلام في هذا المقطع إلى ثمرة كف الجوارح عن المعاصي، واشتغالها بالعبادات، حيث أكد على أنه إذا كان كذلك، فسوف لا نمد أيدينا إلى ما حرمه الله تعالى على العباد، ولا نمشى إلى حيث يريدنا الشيطان، ونبتعد عن أكل مال الحرام، ولا نتفوه إلا ما يرضي الله تعالى من أذكار وأوراد وتلاوة القرآن الكريم، ثم طلب من الله عز وجل في نهاية المقطع، أن يجعل كل هذه الأعمال خالصة لوجهه الكريم.
ثم قال عليه السلام : (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَقِفْنَا فِيهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ،)، أكد الإمام عليه السلام في هذا المقطع على الاهتمام بمواقيت الصلوات الخمس، ومراعاة واجباتها ومستحباتها وشرائطها وآدابها، لأن الصلاة من أفضل طاعات الله عز وجل وأعظمها، كما أكدت عليه النصوص المتعددة، ولأنها إن قبلت قبل ما سواه، وإن رددت رد ما سواه كما ورد في الأثر، فينبغي علينا أن نؤدي صلواتنا في أول أوقاتها، مع مراعاة آدابها، لنكون من الذين تقبل صلواتهم عند الله تعالى.
ثم قال عليه السلام : (وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ،) أشار الإمام عليه السلام في هذا المقطع إلى بعض حقوق العباد، حيث أكد على أن لا نغفل عن صلة الرحم بالبر والإحسان والعطية، وأن نتعامل مع الجيران أفضل المعاملة وأحسنها، وأن نصل من قطعنا، وأن ننصف من ظلمنا، إلا أعداء الله تعالى. فإنه لا يجوز أن نواليه وأن نتقدم إليهم بالحب والاحترام.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته وعبادته في هذا الشهر المبارك، وأن يجنبا عن معاصيه بحق محمد وآله الطاهرين إنه حميد مجيد.


[3] الصحيفة السجادية، أدعية الإمام زين العابدين، دعاء استقبال شهر رمضان المبارك، رقم الدعاء 44 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo