< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة الثامنة والعشرون.الظاهر عدم الفرق في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائيّة أو غيرها، ولكن قيل بالاختصاص بغير الثنائيّة.[1]
اتضح لنا في المباحث الماضية أن المأموم إذا كان مشتغلا بالفريضة، وأقيمت الجماعة، وخاف فوتها يجوز له العدول إلى النافلة وإتمامها ليلحق بالإمام في الجماعة، أكد المؤلف رحمه الله تعالى في هذه المسألة أن الظاهر عدم الفرق في جواز العدول بين أن يكون الفريضة ركعتين كصلاة الصبح، أو غيرها من الصلوات ذات ركعات ثلاثة أو أربعة. إلا أنه ثمة فقهاء ذهبوا إلى عدم جواز العدول إلى النافلة من الثنائية من الفرائض، فلا يجوز على ذلك العدول إلى النافلة في صلاة الصبح وصلوات القصر، وهذا ما ذهب إليه العلامة مولى أحمد النراقي رحمه الله في المستند، ودليله على ذلك أن الروايات التي دلت على جواز العدول منصرفة إلى الفريضة الرباعية.
إلا أن ما اختاره في المقام فيه نظر؛ وذلك أن دعوى الانصراف لا إثبات له، نعم هناك موثقة سماعة التي استندوا اليها لعدم جواز العدول من الثنائية، حيث جاء فيها : الشيخ بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ : (سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي فَخَرَجَ الْإِمَامُ وَ قَدْ صَلَّى الرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ قَالَ إِنْ كَانَ إِمَاماً عَدْلًا فَلْيُصَلِّ أُخْرَى وَ يَنْصَرِفُ وَ يَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعاً وَ لْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامَ عَدْلٍ فَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ وَ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى‌[2]وَ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص- ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلَى مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ التَّقِيَّةَ وَاسِعَةٌ وَ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِنَ التَّقِيَّةِ إِلَّا وَ صَاحِبُهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.)[3]
أما سند الرواية فموثق لا بأس به، وأما وجه الاستدلال بها على عدم جواز العدول من الفريضة الثنائية، أن الراوي سأل الإمام عن الرجل صلى ركعة، فدخل الإمام وأقيمت الجماعة، فما ذا يصنع الرجل قال له الإمام : إذا كان الإمام عادلاً فيعدل إلى النافلة ويتمها ركعتين، ثم يلحق بالإمام، وإن لم يكن عادلاً : (فَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ وَ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى‌[4]وَ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص- ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلَى مَا اسْتَطَاعَ)، فقوله عليه السلام : ليتم صلاته معه على ما استطاع. مشعر بأن الصلاة لم تکن ثنائیة، لأنه لو كانت ثنائية لقال، فلينصرف بعد أن أتمها ركعتين، ومن هنا فالظاهر من الرواية اختصاص جواز العدول من الرباعية.
لكن یظهر من التأمل في هذا الاستدلال عدم تمامیته لأمرين : أولاً: – أنها وردت لبيان مورد السؤال، ومن المعلوم أن المورد لا يخصص الرواية، لأن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، ثانياً – أن في الرواية نوعاً من الإجمال، لأن قوله عليه السلام: ليتم صلاته معه على ما استطاع یحتمل أن یکون المراد منه أن يتابع صلاته مع الإمام على ما يستطيع، ولا ينصرف بمجرد إتمام صلاته؛ لأنه إن فعل ذلك يستكشف أمره، وربما يؤدي ذلك إلى إيذاءه أو قتله، وهذا خلاف التقية. ويظهر منه أن الإتمام ليس لأمر آخر بل كان لأجل التقية، ولا سيما فأن فی ذیل الحديث تعلیل یلمح منه هذا المعنی حیث جاء فیه:(فَإِنَّ التَّقِيَّةَ وَاسِعَةٌ وَ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِنَ التَّقِيَّةِ إِلَّا وَ صَاحِبُهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.)، فالمحصل أن ما أراده صاحب المستند من هذا الحديث ليس تاما، لأن المورد لا يخصص، وکذلک لا یمکن الاستناد إلى الحديث لأنه وارد في مورد التقية ولیس المراد واضح.
المسألة التاسعة والعشرون.لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة مثلًا، فذكر أنّه ترك من الركعة السابقة سجدة أو سجدتين أو تشهّداً أو نحو ذلك وجب عليه العود للتدارك وحينئذٍ فإن لم يخرج عن صدق الاقتداء وهيئة الجماعة عرفاً فيبقى على نيّة الاقتداء وإلّا فينويالانفراد.[5]
اذا تذكر المأموم أنه ترك من الركعة السابقة شيئا من الواجبات وهو في حال القيام كالسجدة أو سجدتين أو التشهد فيجب عليه العود إليه ليتداركه ثم يتابع صلاته مع الإمام إن لم يكن فترة الفراق ما يضر بهيئة الجماعة وإلا ينوي الانفراد، هذا رأي السيد ومن مال ميله ومن ذهب إلى أن وجوب المتابعة تعبدي وليس بشرطي، فتصح صلاته مع الجماعة، ولكن من يرى أن وجوب المتابعة شرطي، فإذا عاد المأموم إلى تدارك ما فات منه، ينفصل وتبطل جماعته، وتتحول صلاته إلى الفرادى، وإذا لم يخل بوظيفة المنفرد، فصلاته صحيحة، وإلا فتبطل صلاته أيضا.
المسألة الثلاثون.يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الستّ الافتتاحيّة قبل تحريم الإمام ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه، وإن كان الإمام تاركاً لها.[6]
يستحب أن يأتي المصلي بسبعة تكبيرات، ويجعل واحداً منها تكبيرة الإحرام، والأولى والأحوط، أن تكون آخرها،. وكما يستحب للإمام يستحب للمأموم أيضاً، فيجوز له أن يأتي بها ثم يحرم بعد تكبيرة إحرام الإمام، ولا يضر ترك الإمام للتكبيرات المستحبة.
والوجه في جواز ذلك أن هذه التكبيرات الستة مستحبة، وليست جزءا من الصلاة، فيجوز له أن يأتي قبل الإحرام بما لا يكون جزءا منها، وإن لم يأت بها الإمام، ونضيف على ما ذكره الماتن هنا أنه يجوز للمأموم أن يجعل تكبيرة الإحرام أولها أو وسطها على القول بجوازها في الفرادى، والوجه في الجواز أنه لا يجب على المأموم متابعة الإمام في الأقوال، نعم إذا كان يقتدي بالإمام في الصلوات الجهرية، فينبغي له أن ينصت إلى قراءة الإمام، بعد أن كبر.

المسألة الواحدة والثلاثون.يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنّيّة المتعلّقة بالصلاة، إذا لم يستعملا محلّ الخلاف واتّحدا في العمل، مثلًا إذا كان رأي أحدهما اجتهاداً أو تقليداً وجوب السورة، و رأي الآخر عدم وجوبها يجوز اقتداء الأوّل بالثاني إذا قرأها، و إن لم يوجبها وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرّات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها، لكن يأتي بها بعنوان الندب، بل وكذا يجوز مع المخالفة في العمل أيضاً في ما عدا ما يتعلّق بالقراءة في الركعتين الأُوليين التي يتحمّلها الإمام عن المأموم، فيعمل كلّ على وفق رأيه، نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شيء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً‌ له لأنّ المأموم حينئذٍ عالم ببطلان صلاة الإمام، فلا يجوز له الاقتداء به، بخلاف المسائل الظنّيّة حيث إنّ معتقد كلّ منهما حكم شرعي ظاهريّ في حقّه، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعيّاً، و أمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له‌ فمشكل لأنّ الضامن حينئذٍ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه، مثلًا إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة و المفروض أنّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به، و كذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك، نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه، كأن قرأ السورة في الفرض الأوّل، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً، بل يحتمل أن يقال : إنّ القراءة في عهدة الإمام، و يكفي خروجه عنها باعتقاده لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.[7]
أولاً - إذا اختلف المأموم والإمام في المسائل المتعلقة بالصلاة، يجوز للمأموم أن يقتدي خلفه، إذا لم يختلفا في المقام العمل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون كلاهما مجتهدين، أو مقلدين أو المأموم مقلداً والإمام مجتهداً أو بالعكس. ومثاله، أن الإمام مثلاً لا يرى وجوب جلسة الاستراحة، في حين أن المأموم يراها واجبة، غير أن الإمام أتى بها مع أنه لا يراها واجبة، فهنا يجوز للمأموم أن يقتدي به. وكذلك إذا يرى الإمام عدم وجوب السورة، في حين أن السورة واجبة عند المأموم، لكن يجوز له الاقتداء به إذا جاء بها مع أنه لا يراه واجبة.
ثانياً - إذا لم يأت الإمام بما يراه المأموم واجباً فللمسألة صورتان : أحدهما أن ما لم يأت بها الإمام غير القراءة، والثانية أن ما لم يأت به يتعلق بالقراءة كوجوب السورة مثلاً. ففي الصورة الأولى يجوز للمأموم أن يقتدي به، بتوضيح أكثر، إن الإمام إذا لم يأت بجلسة الاستراحة لأنه لا يراه واجبة، يجوز للمأموم أن يقتدي به، مع أنه يراها واجبة إلا أنه يجب عليه أن يأتي بها.
هذا إذا كان الاختلاف راجع إلى الاختلاف في المسائل الظنية، والأحسن أن نشرح أنه ما المراد من المسائل الظنية، لتتضح الصورة أكثر، المسائل الظنية عبارة عن المسائل التي استنبطها من الأدلة الظنية التي هي حجة بينه وبين الله تعالى، كالأمارات والأصول، وذلك أنه الأدلة الظنية لا تلازم حصول العلم بمضمونها فليست كاشفة عن الواقع، ومن هنا صرح بجواز الاقتداء والحال أن المأموم يختلف مع الإمام في المسائل المتعلقة بالصلاة، وذلك أن المأموم ليس متأكداً ومتيقناً من بطلان صلاة الإمام واقعاً، لأن ما يراه من وجوب جلسة الاستراحة أو الإتيان بالتسبيحات ثلاث مرات، والإمام لا يراه كذلك، فهذا كله من خلال الأدلة الظنية التي لا تكشف عن الواقع، فلعل تلك الأمور لا تكون واجبة واقعاً، كما يراه الإمام، من هنا يصح اقتداءه به.
ثم يقول في الفرع الثالث واما اذا علم المأموم بشيء و ثبت عنده وجوب شيء ثبوتا وجدانيا، والإمام لا يراه واجباً، ولم يأت به، هنا لا يجوز للمأموم أن يقتدي به، لأنه فحينئذ يكون متيقنا ببطلان صلاة الإمام، فكيف يجوز له أن يقتدي به وهو يعرف أن صلاته باطلة.
إلا أن لنا في ما ذكره من الفرق بين الأدلة الظنية، والأدلة القطعية، ثم رتب عليه جواز الاقتداء وعدمه، مناقشة: وذلك أن هذا التفصيل بين الأدلة الظنية والأدلة القطعية في المقام في غير محله؛ لأن الأدلة الظنية لا تخلو عن ثلاثة أمور، فإما هي أمارات، والأمارات كاشفة عن الواقع، وطريق إليه، ومن المعلوم أن كاشفيتها عن الواقع ليست تامة، غير أن الشارع أكملها حيث أمرنا أن نعمل حسب مقتضاها. وأن نجعلها بمنزلة العلم، ونضرب المثال للمزيد من التوضيح، مثلاً إذا ثبت عند المجتهد من خلال الأمارات أن اللباس المتنجس لا يطهر بغسله مرة واحدة، فلا بد أن يبني على نجاسته إذا غسل مرة واحدة، و لا يجوز له أن يقتدي بإمام يرى أن اللباس المتنجس يطهر بغسله مرة واحدة، وقد لبسه بعد أن كان نجساً، وغسله مرة واحدة.
فالأمارات تكشف عن الواقع كشفاً تعبدياً، ولا فرق بين أن يكشف الواقع بعلم وجداني وبين أن يكشف بما جعله الشارع بمنزلة العلم الوجداني، فالكشف في الموردين بمستوى واحد في مورد العمل، وكذلك حجيتهما متساوية.
وأما الأصول، فإذا كانت محرزة كالاستصحاب حيث انه يعدّ من الأصول المحرزة، فمثل هذه الأصول تكشف عن الواقع تعبداً، كالعلم الوجداني والأمارات، فيترتب عليه ما يترتب على ما إذا كان كشفه عن طريق الامارات. و اما اذا كان الدليل اصل غير محرز كالبراءة ولكن تفي حكما ظاهريا لمن ليس له طريق الى الواقع، فمفاده بمنزلة الواقع في مقام العمل.
ومن هنا فما ذكره من الفرق بين الأدلة الظنية والأدلة القطعية، ثم رتب عليه جواز الاقتداء في الأول، وعدمه في الثاني، ليس في محله، لأن العلم الظني الحاصل من الادلة الضنية التي تعبدنا الشارع بها بمنزلة العلم القطعي في مورد العمل.
ومن هنا فالأحسن أن يكون التفصيل بين الأمور التي تعاد الصلاة لأجلها إذا تركت وغيرها، بحيث إن الإمام إذا ترك مما تعاد لأجلها الصلاة، فهنا لا يجوز له الاقتداء به، وإذا لم يترك مما تعاد لأجلها الصلاة، وترك غيرها لأنه لا يراها واجبا مثلاً، فهنا يجوز للمأموم الاقتداء به. لأن مفاد حديث " لا تعاد " أن الصلاة صحيحة واقعاً لمن ترك فيها عن عذر غير الخمسة المذكورة في الحديث، و نظيره ما إذا صلى الامام بلباس متنجس لكنه لا يعرف أن لباسه نجس، فيجوز للمأموم أن يقتدي به مع أنه يعرف أن لباس الإمام نجس، لكن الإمام إذا عرف أن لباسه نجس، ثم نسي، هنا لا يجوز للمأموم أن يقتدي به. لأن صلاته باطلة فان مانعية النجاسة في لباس المصلي او بدنه مانعية ذُكريّة.
و أمّا في ما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له ‌ فمشكل.
رابعاً - اتضح لنا حكم الاقتداء فيما إذا كان الأمر يتعلق بغير القراءة، أما إذا كان الاختلاف راجعا إلى القراءة، فهذا له صورتان، الأولى : إذا اقتدى المأموم بالإمام في مورد لا يتحمل عنه القراءة، كما إذا اقتدى به في الركعة الثالثة أو الرابعة، فهنا لا يتحمل الإمام القراءة عن المأموم، بل يجب عليه الإتيان بنفسه، كما مر بنا مفصلاً، فهنا لا إشكال في الاقتداء به وإن كان لا يرى وجوب السورة مع أن المأموم يراها واجبة. الثانية : أنه إذا اقتدى المأموم بالإمام في مورد يتحمل عنه القراءة، كما إذا اقتدى به من بداية الصلاة، فهنا يسقط وجوب القراءة عن المأموم، ففي هذه المورد إذا اقتدى المأموم بالإمام الذي لا يرى وجوب السورة، في حين أن المأموم يراها واجبة، يشكل جواز الاقتداء به، وذلك أن الإمام لم يتحمل بعض ما كان المأموم يراه واجباً. فلم يحصل الضمان بشكل كامل.
وكذلك أنه إذا اعتقد المأموم أن الإتيان بالمد اللازم واجب، والإمام لم يعتقده كذلك ولم يأت به، فهنا يشكل الحكم بجواز الاقتداء؛ لأن الإمام لم يتحمل بعض ما كان يعتقده المأموم، والحكم نفسه فيما إذا كانت القراءة صحيحة حسب ما يعتقده الإمام، وباطلة عند المأموم.
نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه، كأن قرأ السورة.
خامساً – في هذا الفرع حاول السيد أن يقدم الحل للإشكال في المقام، حيث احتمل صحة صلاة المأموم إذا تدارك ما تركه الإمام بنفسه، مثلاً آتى بالسورة لأن الإمام لم يأت به، لعدم وجوبها عنده. أو قرأ المفردة التي فيها المد اللازم حيث لم يأت الإمام بالمد فيها.
بل يحتمل أن يقال: إنّ القراءة في عهدة الإمام، و يكفي خروجه عنها باعتقاده.
سادساً – جاء المصنف باحتمال آخر لتصحيح الجماعة، وهو أنه يمكن أن يقال : إن القراءة حسب الفرض المذكور واجبة على الإمام، وساقطة عن المأموم، فلا دخل له في الإتيان بأي شيء منها، ومن هنا فما أتى به الإمام كاف، وإن لم يتحمل عنه كل ما كان يراه المأموم واجباً، كالسورة، أو الإتيان بالمد اللازم، فان الامام خرج عن العهدة حسب ما تمت له من الحجة.
لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.
سابعاً - بعد أن ذكر الاحتمالين لتصحيح الجماعة، ولكن في نهاية المطاف لم يقتنع بالحلين المقترحين، والوجه في ذلك –أولاً – أن المأموم إذا قرأ ما لم يأت به الإمام لعدم وجوبه عنده، فهذا يؤدي إلى تلفيق القراءة، و لا دليل على اجزاء القراءة الملفقة.
ثانياً - أنه لو كان المفهوم من لسان الأدلة تحمل الإمام قراءة المأموم، لأمكن الحكم بجواز صحة الجماعة، وإن لم يأت الإمام ببعض ما يعتقده المأموم واجباً، لكن من يتأمل في لسان الأدلة التي دلت على سقوط القراءة فيما إذا اقتدى المأموم بالإمام من بداية الصلاة، تفيد ايكال المأموم القراءة الى الامام ومن المعلوم أن الأمر يسقط عن الموكل إذا جاء به الوكيل، لكنه إذا لم يأت به فيجب على الموكل أن يؤديه بنفسه، كما إذا وكل المدين شخصاً لأداء دينه، فإذا أدى الوكيل دينه عنه يسقط عن الموكل، لكنه إذا لم يؤد لا يسقط عنه. ومن هنا فما قال السيد اليزدي رحمه الله في نهاية المسألة من أنه يشكل الحكم بصحة الجماعة، صحيح لا غبار عليه.


وقفة أخلاقية.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام : (مَنْ‌ بَالَغَ‌ فِي‌ الْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَنْ خَاصَم‌.)[8]
تؤكد هذه الرواية المباركة على أن الاعتدال حسن على كل حال، ومن يتمسك به لا يخسر أبداً، فينبغي للإنسان أن يجتنب عن الإفراط والتفريط في الأمور كلها، ومن الأمور التي يحسن أن يكون الإنسان مقتصداً فيها، هو المطالبة بحقه، فلابد له أن يطالب حقه من خصمه، بكل احترام وهدوء، وأن لا يبالغ في الخصومة، بحيث يحاول أن يأخذ بكل ما كان له على الغير، لأن مثل هذا يؤدي إلى الإثم. من جهة أخرى لا ينبغي له أن يسقط عن حقه، و لا يطالب بحقه، لأن هذا ظلم بحقه، فالمحصل أن يقتصد في طلبه، ولا يفرْط ولا يفرّط. أكد عجز الحديث أن من بالغ في الخصومة وتجاوز الحد فيها، لا يمكن له أن يتقي الله من خاصمه، ومن هنا فيمكن أن يظلم بحقه، فبدل أن يستوفي حقه، يأخذ حق خصومه، بالمبالغة فيها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن يسلك مسلك الاعتدال والوسطية في مطالبة الحق من الخصم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo