< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة الواحدة والعشرون.إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته فقرأها ولم يدرك ركوعه لا تبطل صلاته، بل الظاهر عدم البطلان، إذا تعمّد ذلك بل إذا تعمّد الإتيان بالقنوت مع علمه بعدم درك ركوع الإمام فالظاهر عدم البطلان.[1]
أما عدم بطلان صلاة المأموم في فرض ظنه بأن الإمام یمهله فالوجه فیه أنه لم یخل بواجب فی صلاته متعمدا سواء قلنا أن المتابعة واجب شرطي أو قلنا أنها واجب تعبدي والمفروض أن هذا المقدار من التخلف لا يخرجه عن هيئة المتابعة عرفاً وأما في صورة التعمد فكذلك على رأي المصنف عليه الرحمة حيث يرى أن وجوب المتابعة تعبدي، فالإخلال به لا يضر بصحة الصلاة، في حين أن الإتيان بقراءة الحمد شرط في صحة الصلاة؛ لأن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، فالحكم بصحة الصلاة في صورة تعمد المأموم في المسألة المذكورة دليل على تقديم وجوب فاتحة الكتاب على وجوب المتابعة؛ لأن الأول شرط في صحة الصلاة دون الثاني. فلا إشكال في صلاته. نعم أن من يرى أن وجوب المتابعة شرط في صحة الصلاة، فترک المتابعة عمدا مخل بصحة الجماعة عنده فرأیه مخالف لما أفتی به السید فی شق الأخیر من هذه المسئلة.
المسألة الثانية والعشرون.يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام، وإن كان الصلاة جهريّة، سواء كان في القراءة الاستحبابيّة، كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام، أو الوجوبيّة كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين، و لو جهر جاهلًا أو ناسياً لم تبطل صلاته، نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة، كما في سائر موارد وجوب الإخفات.[2]
الأحسن في الصلوات الجهرية أن يُسمع الإمام صوته إلى المأموم، بينما يجب على المأموم الإخفات سواء كان في القراءة الواجبة، كما إذا أدرك الإمام في الركعة الثالثة أو الرابعة، أو كان في القراءة المستحبة، كما إذا لم يسمع صوت الإمام في الركعتين الأولتين. إلا إذا جهل بالحكم، أو نسي فالجهر بالقراءة، لا تبطل صلاته، أما حكم البسملة فهو يختلف في المقام، حيث ذهب المؤلف إلی أنه لا يبعد أن يكون الجهر بها في المقام مستحباً، كما في سائر مواضع الإخفات.
أما الدليل على وجوب إخفات المأموم في القراءة حسب الفرض المذكور، فهو ما ورد في الروايات من أنه يجب عليه أن يقرأ لنفسه، ومنها ما ورد في صحيحة زرارة السابقة، حيث
جاء فيها :(.... إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ.....)[3]
فقول الإمام عليه السلام : ( قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب ) يدل على وجوب الإخفات؛ وذلك أن المراد من قوله عليه السلام : ( في نفسه )، الإخفات، ولما كان سند الرواية سند صحيح، لا غبار عليه، تفيد الرواية على وجوب الإخفات. وهذه المسألة لا خلاف فیها. وإنما الخلاف فی وجوب الإخفات فی القراءة المستحبة، كما صلى المأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية، ولم يتمكن من سماع صوته حتى الهمهمة، فهنا يستحب له الإتيان بالقراءة، فوقع الخلاف بين الفقهاء الكرام في أنه هل یجوز الجهر بهذه القراءة للمأموم أو یجب علیه الإخفات فیها أیضا أو هو مخير بين الجهر والإخفات فی قراءته. ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الجهر کما یقویه صاحب المستمسك مع تردید فی المسألة حيث قال : " ليس في النصوص ما يدل على وجوب الإخفات في المقام، بل الجهر فيه هو مقتضى إطلاق أدلة الجهر. بل الظاهر : أن الأدلة الدالة على مشروعية القراءة أو استحبابها ظاهرة في اتحادها مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات الراجعة إلى المادة والهيئة، حتى الجهر والإخفات، والتشكيك في ذلك في غير محله. نعم ربما يستفاد وجوب الإخفات مما يأتي في المسبوق، بدعوى : كون المفهوم منه أن ذلك من أحكام الجماعة مطلقا بلا خصوصية لمورده. وهو غير بعيد، فان تمَّ، وإلا كان المتعين الجهر لا التخيير."[4]
في حين أن المولى أحمد النراقي قدس سره الشريف ذهب في كتابه "مستند الأحكام" إلى التخيير في المقام حيث استدل على قوله بأن الأدلة التي تدل على وجوب الجهر في الصلوات الجهرية منصرفة عن مثل هذا المقام، و كذلك الأدلة التي دلت على وجوب الإخفات لم تشمل هذا المورد؛ لأنها وردت في المأموم المسبوق، فلما لم يرد دليل يُلزم المأموم بالجهر، وكذلك لم يرد ما يلزمه بالإخفات، فهو مخير بين أن يأتي بالقراءة جهراً أو إخفاتاً.
بينما ذهب المشهور ومنهم المصنف رحمه الله إلى وجوب الإخفات في المقام، و إن كانت أصل القراءة مستحبة، كما تبين من هذه المسألة
والدليل على ما ذهب إليه المصنف، وهو رأي كثير من الفقهاء أمور، منها ما ورد في أحكام المسبوق، حيث دل على وجوب أن يأتي بالقراءة في نفسه. وفي نفسه يعني في ضميره من غير ان يجهر بها.
ومنها ما ورد في آداب صلاة الجماعة، على أنه ينبغي على الإمام أن يُسمع صوته إلى المأموم، بينما يكره للمأموم أن يرفع بصوته في صلاة الجماعة في ذكر الركوع والسجود والتشهد وإلى غير ما هنالك. وهذه الروايات وان وردت في المسبوق او في وظيفة الامام والمأموم في أذكار الصلاة بشكل عام إلا أننا نستطيع أن نستفيد منها من باب تنقيح المناط، وهو أنه لا ينبغي للمأموم أن يرفع صوته في صلاة الجماعة مطلقا؛ بعكس الإمام.
فيستفاد من جميع هذه الأمور أن شأن المأموم أن لا يرفع صوته في صلاة الجماعة، سواء كان ذلك في القراءة، أو في سائر الأذكار الأخرى، وشأن الإمام أن يُسمع صوته إلى المأموم إلا في القراءة في الصلوات الإخفاتية.
وبالمناسبة أود أن أستغل الفرصة لأؤكد على أنه ينبغي لمشايخنا الكرام أن يتعلموا القراءة بشكل صحيح ودقيق، ومع التجويد وإن كان رعاية التجويد في بعض فروعها غير واجبة، فينبغي علينا أن نتعلم قراءة صحيحة، لنفيد أنفسنا والآخرين.
ومضافاً إلى ما ذكرناه من الأمور التي يستفاد منها عدم جواز رفع الصوت للمأموم بالقراءة، عندنا صحيحة قتيبة تنص على ما نحن بصدده، واليك نصها: ( إِذَا كُنْتَ خَلْفَ إِمَامٍ تَرْتَضِي بِهِ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمْ تَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ فَاقْرَأْ أَنْتَ‌ لِنَفْسِكَ‌ وَإِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ الْهَمْهَمَةَ فَلَا تَقْرَأْ.)[5] هذا الحديث نص في أنه يجب على المأموم أن يقرأ إخفاتاً إذا يقتدي بالإمام في الصلوات الجهرية، ولا تسمع حتى الهمهمة، فان قیل في المقام بأن هذا الحديث لا يدل على ما نحن بصدده؛ لأن الإمام لم يقل : إقرأ في نفسك، بل قال : " إقرأ لنفسك، وما يدل على معنى الإخفات التعبير الأول وليس الثاني. فأجاب السيد الخوئي رحمه الله تعالى عليه عن هذه الشبهة بقوله : " فانّ قوله: «لنفسك» بمثابة قوله : في نفسك، أي في ضميرك، وهو كناية عن الإخفات، وإلّا فكلّ أحد يقرأ لنفسه لا لغيره." [6]
لكن يمكن مناقشة هذا القول، وذلك أنه يحتمل أن السائل توهم أن الإمام يتحمل قراءة المأموم، فلا يستحب له شيئا، وقراءة الإمام كافية وإن لم يسمعها، فجاء قول الإمام : ( فاقرأ أنت لنفسك)، ومن هنا فلا وجه لحمل قوله عليه السلام " لنفسك" على معنى " في نفسك؛ لأن ثمة احتمالاً آخراً في المقام. و بذلك لا يصح الاستناد إلى صحيحة قتيبة لإثبات وجوب الإخفات. لكننا – كما تعرفون – في غنىً عن الاستناد إلى هذه الصحيحة، للأدلة التي أشرنا إليه آنفاً، مضافا الى أن السيرة المتشرعة من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا ثابتة على إخفات المأموم في قراءته مطلقا. والحاصل أن ما ورد في باب المسبوق، وباب آداب الجماعة مضافاً إلى السيرة المتشرعة القطعية يدل على وجوب الإخفات في المقام.
ثم قال المؤلف : "نعم لايبعد استحباب الجهر بالبسملة، كما في سائر موارد وجوب الإخفات." استقرب استحباب الجهر بالبسملة حتى بالنسبة إلى المأموم، والوجه في هذا الأمر إطلاق الروايات التي وردت في استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتية وكذلك ما عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام حيث قال: )عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ إِحْدَى وَالْخَمْسِينَ وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّخَتُّمُ‌ بِالْيَمِينِ‌ وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَالْجَهْرُ بِـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)‌.[7]
ولکن أن الاستناد إلى ما ورد في الإخفات فإنما وردت في وظيفة المنفرد والإمام مثل هذه الروايات ليس تاما، وذلك أنها وردت في وظيفة المصلي الذي يصلي الصلاة الفرادى، أو الإمام، حيث يجب عليهما القراءة، فيستحب لهما الجهر بالبسملة، أما المأموم فلا قراءة عليه، كما لا يخفى، فتلك الروايات منصرفة عما نحن بصدده، أما المأموم المسبوق الذي يجب عليه القراءة، فورد النص الذي أكد على وجوب الإخفات. أما الحديث المروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فسنده ضعيف جداً، فلا يصح الاستدلال به. ولو سلمت تماميه من حيث السند، فمن المحتمل أن يكون المراد من الجهر بالبسملة في غير مورد الصلاة، كالأكل والشرب، وما إلى هنالك، ليكون تذكيراً للآخرين.
المسألة الثالثة والعشرون.المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهّد في الثانية منه الثالثة للإمام، فيتخلّف عن الإمام ويتشهّد ثمّ يلحقه في القيام أو في الركوع إذا لم يمهله للتسبيحات، فيأتي بها ويكتفي بالمرّة، و يلحقه في الركوع أو السجود، و كذا يجب عليه التخلّف عنه في كلّ فعل وجب عليه دون الإمام من ركوع أو سجود أو نحوهما فيفعله، ثمّ يلحقه إلّا ما عرفت من القراءة في الأُوليين.[8]
إذا أدرك المأموم الإمام في الركعة الثانية، فتكون ركعته الثانية ثالثة للإمام، ويجب على المأموم أن يتشهد، لأنه في الركعة الثانية، ويجب على الإمام أن يقوم، فهنا يتخلف المأموم عن الإمام، لكن هذا التخلف جائز، بعد أن ينتهي عن التشهد يحلق بالإمام في القيام أو الركوع. وكذلك إذا لم يتمكن من أن يأتي بالتسبيحات ثلاث مرة، لعدم إمهال الإمام، يكتفي بمرة، ثم يدرك الإمام في الركوع أو السجود، ويجري الحكم نفسه، وهو جواز تخلف المأموم عن الإمام في كل ما يجب عليه دون الإمام.
أما الدليل على جواز التخلف في الفرض السابق فثمة دليل خاص في مورد التشهد، حيث مر بنا الروايات التي أكدت على أن الإمام لابد أن يتشهد ثم يقوم ويلحق بالإمام، فهذا صريح في جواز التخلف في مورد التشهد، لكن ما قال المصنف بالنسبة إلى الركوع أو السجود فهذا أمر مستبعد، لأن المأموم إذا بدأ يتشهد، وقام الإمام، وآتى بالتسبيحات ثلاث مرة، أو حتى مرة واحدة، ثم يركع، ثم يسجد، فيلحق المأموم به في ركوعه أو سجوده، فلا يقال إنه يقتدي بالإمام؛ لأجل الفصل الطويل بين أفعاله وأفعال الإمام، وهذا لا يجوز، بل ينبغي عليه أن يلحق بالإمام في حالة القيام، وهذا ما وردت الإشارة إليه في صحيحة عبد الرحمان حيث جاء فيها : (.....وَإِنْ سَبَقَكَ بِرَكْعَةٍ جَلَسْتَ فِي الثَّانِيَةِ لَكَ وَالثَّالِثَةِ لَهُ حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ قِيَاماً الْحَدِيثَ.)[9] فتعبير الإمام عليه السلام هنا مشعر بأن المأموم ينبغي له أن يلحق بالإمام في حالة القيام. ولذلك ما قاله السيد اليزدي بأن المأموم يجوز له أن يلحق بالإمام بعد التشهد في الركوع أو السجود، لا دليل عليه؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفصل الطويل المانع عن صحة صلاة الجماعة.
المسألة الرابعة والعشرون.إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه وجب عليه قراءة الفاتحة والسورة إذا أمهله لهما وإلّا كفته الفاتحة على ما مرّ، و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضاً فالأحوط عدم الإحرام إلّا بعد ركوعه فيحرم حينئذٍ، و يركع معه و ليس عليه الفاتحة حينئذٍ.[10]
وقفنا عند قسم من هذه المسألة في المسائل السابقة، فلا نعيد الكلام فيه هنا، وهو قوله : إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين .....مامرّ.وهناك فرع آخر ذكرها المؤلف، بل إنما عقد هذه المسألة لأجله، هو أنه إذا دخل المأموم الجامع ليصلي مع الجماعة، وعلم أنه إذا أحرم لا يمهله الإمام لإتمام الفاتحة، علیه أن یحتاط، ولا يحرم حتى يركع الإمام، و حينئذ لا يجب عليه الفاتحة؛ لأن إدراك الركوع إدراك الركعة كما ورد في بعض الروايات المباركة. فإذا أحرم حال القيام يقع بين المحذورين من وجوب المتابعة ووجوب قراءة الفاتحة ولا مرجح بينهما خصوصا على قول من يرى أن وجوب المتابعة أيضاً وجوب شرطي فإن أكمل الحمد يخرج عن الجماعة للإخلال بالمتابعة وإن ترك الحمد أخل بالواجب الذي لا صلاة إلا به فالفرض الأول خلف لأنه لم يدخل في الجماعة والفرض الثاني لا دليل عنده لصحة صلاته فخروجا عن هذه العويصة عليه أن يؤخر تكبيرة الإحرام حتي يدخل الإمام إلى ركوعه فصلاته وجماعته صحيحة بلا شبهة.


[7] روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، محمد بن أحمد فتال النيسابوري، ج1، ص195.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo