< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة الثامنة عشر.
قال الماتن رحمه الله تعالى : " لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة غير القراءة في الأولتين إذا ائتمّ به فيهما، وأمّا في الأخيرتين فلا يتحمّل عنه، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ الحمد أو يأتي بالتسبيحات، وإن قرأ الإمام فيهما وسمع قراءته، وإذا لم يدرك الأوّلتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما لأنّهما أوّلتا صلاته، وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة وركع معه، وأمّا إذا أعجله عن الحمد أيضاً فالأحوط إتمامها واللحوق به في السجود أو قصد الانفراد ويجوز له قطع الحمد والركوع معه لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة."[1]
ذكر المصنف قدس سره في هذه المسألة فروعاً متعددة، نتوقف عندها بالاختصار إن شاء الله.
أولاً – قال المصنف : " (لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة غير القراءة في الأولتين إذا ائتمّ به فيهما،) يجب أن يأتي المأموم بكل ما يجب عليه في صلاة من الأذكار والأجزاء والأركان، إلا قراءة الفاتحة والسورة في الركعتين الأولى والثانية.
الفرع الأول – قال المصنف : " (وأمّا في الأخيرتين فلا يتحمّل عنه، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ الحمد أو يأتي بالتسبيحات، وإن قرأ الإمام فيهما وسمع قراءته،)، أما الركعة الثالثة والرابعة فيجب على المأموم أن يأتي فيهما بالتسبيحات أو القراءة، ولا فرق في أن يكون صوت الإمام مسموعاً فيهما أو غير مسموع، وإن قيل : إن هاتين الركعتين يجب فيهما الإخفات وإن كانت الصلاة جهرية، فكيف يسمع المأموم صوت الإمام؟ قيل : إن هاتين الركعتين وإن يجب فيهما الإخفات، غير أن صوت الإمام يصل أحياناً إلى المأموم، إما بسبب قوة صوت الإمام في الإخفات، وإما لقرب المأموم منه، وإما لوجود المكبر، وإلى آخر ما هنالك. تعرضنا لهذين الفرعين في المباحث الماضية بالتفصيل، فلا نعيد الكلام فيهما.
الفرع الثاني – قال الماتن رحمه الله : " (وإذا لم يدرك الأوّلتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما لأنّهما أوّلتا صلاته،) يتعلق هذا الفرع بالمأموم المسبوق، كمن اقتدى بالإمام في ركعته الثالثة أو الرابعة. فإذا كان كذلك فهل يجب على المأموم أن يأتي بالقراءة، أو لا؟ ثمة خلاف بين الفقهاء العظام، ذهب المشهور إلى أنه يجب على المأموم الذي اقتدى بالإمام في ركعته الثالثة أو الرابعة، أن يقرأ فاتحة الكتاب والسورة، لأن ركعتي الإمام الثالثة والرابعة، ركعته الأولى والثانية حسب الفرض، ويجب عليه فيهما قراءة الحمد والسورة. في حين أن بعض فقهاءنا العظام –، كالعلامة في المنتهى والتذكرة والمختلف، والشهيد في الالفية والنفلية، و ابن ادريس في السرائر، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين– ذهبوا إلى أنه لا يجب على المأموم قراءة الحمد والسورة في فرض المسألة، بل هي مستحبة.
ومن هنا فالأحسن أن نتوقف عند دليل كل من الفريقين، لنختار الأصح منهما. أما المشهور فاستدلوا على وجوب قراءة الحمد والسورة على المأموم المسبوق حسب الفرض المذكور –أولا – إطلاقات التي تدل على وجوب القراءة في الصلاة كقوله " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " حيث نفى عنوان الصلاة عن الفاقد لفاتحة الكتاب، وقد خرجت عن هذا الإطلاق صلاة الجماعة إذا اقتدى المأموم من بداية الصلاة، إما إذا اقتدى بالإمام في ركعته الثالثة أو الرابعة، فلا دليل على سقوط القراءة عنه.
ثانيا – الروايات التي تصرح بوجوب قراءة الحمد والسورة على المأموم الذي أدرك الإمام في ركعته الثالثة أو الرابعة. ومن تلك الروايات المباركة ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: ( سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الْأُولَى كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ قَالَ يَتَجَافَى وَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ فَإِذَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الثَّانِيَةُ فَلْيَلْبَثْ قَلِيلًا إِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِالْإِمَامِ
قَالَ وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ‌[2]الَّذِي يُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ كَيْفَ‌ يَصْنَعُ‌ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ اقْرَأْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لَكَ الْأَوَّلَتَانِ وَ لَا تَجْعَلْ أَوَّلَ صَلَاتِكَ آخِرَهَا.)[3]
لا نقاش في هذه الرواية من ناحية السند، لأنه لا بأس به. أما الدلالة فالفقرة الآخيرة تدل على ما ذهب إليه المشهور من وجوب القراءة على المأموم المسبوق، حيث سأل الراوي الإمام عن كيفية قراءة الرجل الذي أدرك الركعتين الثالثة والرابعة من الصلاة، فأجاب الإمام عليه السلام : " (اقْرَأْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لَكَ الْأَوَّلَتَانِ )، فهذا صريح فی وجوب القراءة؛ لأن الأمر ظاهر في الوجوب، ثم علل بقوله : " فإنهما لك الأولتان. يعني أنه يجب على المأموم القراءة لأنه في الأولتين، والإمام في الآخيرتين. ثم قال عليه السلام : (وَ لَا تَجْعَلْ أَوَّلَ صَلَاتِكَ آخِرَهَا) وهذا تأكيد على الإتيان بالقراءة، كما لا يخفى.
ومنها ما رواه : " مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ( إِذَا سَبَقَكَ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَأَدْرَكْتَ الْقِرَاءَةَ الْأَخِيرَةَ قَرَأْتَ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاتِهِ وَهِيَ ثِنْتَانِ لَكَ وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ إِلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً قَرَأْتَ فِيهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ سَبَقَكَ بِرَكْعَةٍ جَلَسْتَ فِي الثَّانِيَةِ لَكَ وَالثَّالِثَةِ لَهُ حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ قِيَاماً الْحَدِيثَ.)[4] سند الرواية سند صحيح، ودلالتها كسابقتها حيث قال الإمام عليه السلام : (وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ إِلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً قَرَأْتَ فِيهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا)، وهذا ظاهر في وجوب القراءة، بل دلالتها على الوجوب آكد، لأنه أمر عليه السلام بصيغة فعل الماضي، ودلالة الفعل الماضي أو المضارع على الوجوب آكد من دلالة صيغة الأمر عليه.
ومنها صحيحة زرارة حيث رواها الشيخ بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: (إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ بَعْضَ الصَّلَاةِ وَ فَاتَهُ بَعْضٌ خَلْفَ إِمَامٍ يَحْتَسِبُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ جَعَلَ أَوَّلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ السُّورَةَ تَامَّةً أَجْزَأَتْهُ أُمُّ الْكِتَابِ- فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا يُقْرَأُ فِيهَا فِي الْأَوَّلَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ وَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَا يُقْرَأُ فِيهِمَا إِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَ تَكْبِيرٌ وَ تَهْلِيلٌ وَ دُعَاءٌ لَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ وَ إِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَرَأَ فِيهَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ ثُمَّ قَعَدَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَة)[5] سند الرواية لا غبار عليه، وقول الإمام عليه السلام : (إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ) سند الرواية لا غبار عليه، وقول الإمام عليه السلام : (إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ) صريح في وجوب قراءة فاتحة الكتاب والسورة على من أدرك الإمام في الركعة الثالثة والرابعة. فهذه الصحاح الثلاث وغيرها تدل بوضوح على وجوب القراءة على المأموم المسبوق الذي اقتدى بالإمام في الركعتين الآخيرتين.
أما ما استدل به لعدم وجوب القراءة بل استحبابها فعمدتها روايتان. إحداهما ما رواه الصدوق رضوان الله علیه بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‌ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ ( لَا إِنَّ الْإِمَامَ ضَامِنٌ‌ لِلْقِرَاءَةِ وَ لَيْسَ يَضْمَنُ الْإِمَامُ صَلَاةَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَلْفِهِ إِنَّمَا يَضْمَنُ الْقِرَاءَةَ.)[6] وجه الاستدلال بها عبارة عن أن قول الإمام عليه السلام : (لَيْسَ يَضْمَنُ الْإِمَامُ صَلَاةَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَلْفِهِ إِنَّمَا يَضْمَنُ الْقِرَاءَةَ.) وجه الاستدلال بها اطلاق ضمان القراءة عن المأموم فی قول الإمام عليه السلام : (لَيْسَ يَضْمَنُ الْإِمَامُ صَلَاةَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَلْفِهِ إِنَّمَا يَضْمَنُ الْقِرَاءَةَ.) صريح في أن إمام الجماعة ضامن للقراءة، ولما كان قوله عليه السلام مطلقاً، فيشمل المأموم الذي اقتدى من بداية الصلاة، والذي اقتدى في الركعتين الآخيرتين. ولما كان الروايات السابقة تدل على الوجوب وهذه الرواية تدل على الترخيص، فمقتضی الجمع بينها رفع الید عن ظهور تلك الروايات الدالة على وجوب القراءة وحملها على الاستحباب.
ویرد علی هذا الاستدلال أولا - بضعف سند الروایة فانها مرسلة؛ لأن الشيخ الصدوق رحمة الله تعالى عليه رواها عن الحسين بن كثير، ولم يذكر إسناده إلى هذا الراوي، ومن المعلوم أن الراوي لم یکن معاصراً الصدوق، ثانياً – لم يرد التوثيق في شأن الحسين بن كثير، نعم بعض الفقهاء یعتمدون علی مرسلات الصدوق اذا استند القول الی المعصوم فقسموا مرسلاته إلى قسمين، مرسلات يسند فیها القول الی المعصوم فیقول" قال رسول الله أو قال علی وهکذا، ومرسلات يسندها إلی الراوی فیقول فیها عن رسول الله او عن علی ابن ابی طالب وهکذا، فیقولون إن استناد القول منه إلی المعصوم یدل علی وثوقه بصدور الکلام عنه علیه السلام و نحن نثق بوثوقه، ولکن ما یرویه عن الامام بواسطته الذی لم یذکره فلا نطمأن بوثاقتهم فلا نعمل بها. و فی مقابل هذ الرأی کثیر من الفقهاء یقولون ما یسنده الصدوق إلی المعصوم ولو کان هو یعتمد علیه لقرائن نحتمل کانت عنده لم تصل إلینا ولکن لا ندری لعلها لو وصلت إلینا لما تم عندنا وثوقا یکون حجة بیننا وبین ربنا، ولم یرد دلیل علی حجیة ما وثق به الصدوق ولا غیره.
وهذه الرواية التي استدل بها القائلون على استحباب القراءة على المأموم الذي أدرك الإمام في الركعتين الآخيرتين، مروية عن الإمام بـ " عن "، حيث تدل على أن الشيخ الصدوق لم يكن متيقنا بصدورها عن الإمام عليه السلام. فكل هذه الأمور تدل على ضعف السند، وإذا كان سند الرواية ضعيفاً، فلا يصح الاستناد إليها للاستدلال بها على استحباب القراءة في الفرض المذكور.
أما الرواية الثانية التي استدلوا بها في المقام فهي موثقة سماعة حيث جاء فيها : " الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‌ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ( لَا إِنَّ الْإِمَامَ ضَامِنٌ لِلْقِرَاءَةِ وَ لَيْسَ يَضْمَنُ الْإِمَامُ صَلَاةَ الَّذِينَ خَلْفَهُ إِنَّمَا يَضْمَنُ الْقِرَاءَةَ.)[7] وجه الاستدلال كذلك باطلا لضمان الامام للقراءة كسابقتها. ولکن لا نقاش فی سندها. ولکن هذه الروایة وسابقتها من ناحیة الدلالة علی جواز ترک الماموم للقراءة قاصرة أیضا وذلك أن الظاهر هو ضمان القراءة في الركعتين الأولتين، حیث إن وظیفة الإمام القراءة فیهما، أما في الآخيرتين، فليس يجب عليه القراءة، بل هو مخير بينها وبين التسبيحات، وفي صورة اختياره للقراءة، يقرأ فاتحة الكتاب فقط دون السورة. ولو أبیتم إلا الإطلاق فیکفی لتقییدها بالرکعتین الأولتین النصوص التی دلت علی وجوب القراءة علی الماموم فیما نحن فیه.
الفرع الثالث - وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة وركع معه،
اتضح لنا مما سبق أنه يجب على المأموم الإتيان بقراءة فاتحة الكتاب، والسورة إذا أدرك الإمام في الركعتين الآخيرتين، غير أن الإمام إذا لم يمهل المأموم لإتمام كلا الأمرين، فيقتصر المأموم على قراءة الفاتحة، ويترك السورة، ويركع مع الإمام.
والدليل على اكتفاء الحمد في صورة عدم تمكن المأموم من قراءة السورة، ما ورد في صحيحة زرارة الآنفة الذكر حيث جاء فيها : (.....إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ السُّورَةَ تَامَّةً أَجْزَأَتْهُ أُمُّ الْكِتَابِ......)[8] فكلامه عليه السلام هنا صريح بأنه إذا لم يتمكن المأموم من أن يقرأ السورة لخروج الإمام إلی الركوع، فعليه أن يكتفي بالحمد ويركع مع الإمام.
الفرع الرابع - ، وأمّا إذا أعجله عن الحمد أيضاً فالأحوط إتمامها واللحوق به في السجود أو قصد الانفراد ويجوز له قطع الحمد والركوع معه لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة." اتضح لنا في الفرع السابق أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركعتين الآخيرتين، فيجب عليه قراءة فاتحة الكتاب والسورة، وإذا لا يمكن له قراءة السورة اكتفى بالحمد ويركع مع الإمام. الا أنه إذا لم يتمكن من إكمال فاتحة الكتاب فما هي وظيفته في المقام. أشار الماتن رحمه الله في هذا الفرع إلى أنه إذا لم يتمكن من إكمال فاتحة الكتاب، فهو مخير بين الأمور الثلاثة، إما أن يكمل سورة الحمد، ويلحق بالإمام في السجود، أو يكملها مع قصد الانفراد، بأن يخرج عن صلاة الجماعة، وينوي الانفراد، أو يقطع الحمد، ويركع مع الإمام، وفي هذه الصورة مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يعيد الصلاة.
والسر بين هذا التخيير أن عندنا في المقام قاعدتان، إحداهما عبارة عن أن وجوب متابعة الإمام في الأفعاله، والثانية عبارة عن أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، فالقاعدة الأولى تقتضي أن يركع المأموم مع الإمام ولو لم ينته من قراءة فاتحة الكتاب، لأن متابعة الإمام واجبة في الأفعال، في حين أن القاعدة الثانية تقتضي إكمال فاتحة الكتاب؛ لأنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. فذهب البعض إلى أنه ثمة تزاحم بين هاتين القاعدتين، وذهب الآخرون إلى أنه هناك تعارض بين القاعدتين، والفرق بين التزاحم والتعارض، أن الأول عبارة أن عدم إمكان الجمع بين العملين فی مقام الامتثال، مع أن العملين كلاهما ذات مصلحة، وفي باب التزاحم لا يسقط الحكمان، بل يقدم الأهم على المهم. أما الثاني، أي : التعارض فهو ناشئ عن وجود التضاد فی مقام الجعل لعدم إمكان جمع المتضادین في شيء واحد. وما نحن فيه ليس من باب التزاحم، بل من باب التعارض، حيث لا يمكن أن يجمع بين وجوب المتابعة و وجوب إكمال فاتحة الكتاب في الوقت نفسه، لأن وجوبهما يتعلق بشيء واحد.
ومن هنا فمن جعل وجوب المتابعة وجوبا تكليفيا تعبديا، يجب عنده إكمال فاتحة الكتاب، لأنه شرط في صحة الصلاة، ووجوب المتابعة ليس شرطاً في صحتها، بل هو أمر تعبدي. كما ذهب إليه المشهور والماتن في هذا الكتاب. وأما ما قاله المصنف : " ويجوز له قطع الحمد والركوع معه." فهذا من باب تقديم وجوب المتابعة على وجوب إكمال فاتحة الكتاب، ولما لم يكن مقتنعا بذلك قال : " لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة."


[2] كتب المصنّف على( الرجل) علامة نسخة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo