< قائمة الدروس

بحث الفقه-الأستاذ السيد مجتبی الحسيني-کتاب الصلاة

36/08/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
تتمة المسألة الثالثة عشرة.
الفرع الثالث.
قال السيد اليزدي رحمه الله تعالى : وعلى أيّ حال لو تعمّد فسلّم قبل الإمام لم تبطل صلاته، ولو كان سهواً لا يجب إعادته بعد تسليم الإمام.[1]
أشار المؤلف في هذا الفرع إلى أن من سلم قبل الإمام متعمداً، لا تبطل صلاته، لأنه أخل بالمتابعة في الأقوال وهذا لا يضر بصحة الصلاة، و هناک خلاف بين الفقهاء في المقام وهو أن من يسلم قبل الإمام هل يخرج من الصلاة، وتعتبر صلاته فرادى، أو لا؟ يرى البعض أن من يسلم قبل الإمام يخرج عن الجماعة، وتعتبر صلاته منفردة، ثم من جوز الخروج عن صلاة الجماعة، جوز أن يسلم المأموم قبل الإمام، ومن لم يجوز الخروج عن صلاة الجماعة إلا للعذر، رأى أنه لا يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام.
في حين أن البعض الآخر يرى أن تسليم المأموم قبل الإمام، ليس الخروج عن الجماعة، بل خروج عن الصلاة، و لأنه کان الی نهایة صلاته مع الامام، لأن افتتاح الصلاة تكبيرة الإحرام، وانتهاءها تسليم.ومن هنا فما قاله السيد اليزدي عليه الرحمة من أنه " ولو كان سهواً لا يجب إعادته بعد تسليم الإمام." وجیه، وذلك من سلم قبل الإمام فقد انتهت صلاته، فلا وجه لأن يقال : " لو سلم قبل الإمام سهواً يجب عليه الإعادة، بل الأصح أنه لا صحة لإعادة الصلاة بعد أن انتهت.
الفرع الرابع : هذا كلّه في غير تكبيرة الإحرام، و أمّا فيها فلا يجوز التقدّم على الإمام.[2]
اتضح لنا مما سبق أنه يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام في الأقوال، غير أنه لا يجوز التقدم عليه في خصوص تكبيرة الإحرام، كما أكد عليه الماتن رحمه الله في هذا الفرع. وهذا مما لا شك فيه، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك، لعلنا لم نجد أحداً من الفقهاء الكرام يقول بأنه يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام في تكبيرة الإحرام.
الدليل على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام.
ذكر الفقهاء العظام رضوان الله تعالى عليهم وجوها عدة على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، ومنها – أولاً – عنوان الاقتداء، ولعل هذا من أحكم الوجوه وأتقنها، والمراد منه أنه يجب على المأموم أن يقتدي بالإمام في صلاة الجماعة، وعنوان الاقتداء لا يتحقق إلا بعد ما دخل الإمام فی صلاته، لأنه لا يسمى إماما إلا بالدخول فيها، والدخول في الصلاة لا يتحقق إلا بتكبيرة الإحرام؛ لأن افتتاح الصلاة تكبيرة الإحرام، ومن هنا فإذا كبر المأموم قبل الإمام، فلا يتصور تحقق عنوان الاقتداء؛ لأنه لا إمام ليقتدى به حسب الفرض المذكور.
ثانياً - من الأدلة التي استدل بها النبوی المشهور : " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين".[3]
وجه الاستدلال بهذا النبوي المعروف، هو قوله عليه السلام : (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر الامام فكبروا ) حيث فرّع تكبير المأموم على تكبير الإمام، ومن المعلوم أن التفريع لا يصح إلا إذا كان وجود المتفرع عليه سابقاً على وجود المتفرع، ولذا يدل هذا النبوي على أنه يجب تقدم تكبير الإمام على تكبير المأموم.
ثالثاً – ومنها رواية علي بن جعفر حيث جاء فيها : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ‌ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي لَهُ‌ أَنْ‌ يُكَبِّرَ قَبْلَ‌ الْإِمَامِ‌ قَالَ لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ ).[4]
أما السند فقد ورد فيه " عبد الله بن الحسن، وهو لم يرد في حقه توثيق من علماء الرجال، ومن هنا فالأكثر لا يأخذون بروايته، لكن بما أنه كان حفيد الإمام جعفر عليه السلام، ولم يرد في حقه القدح، فالبعض يأخذ بروايته، ويعبرون عن روايته بالحسنة. وقد وردت عنه روايات كثيرة، حيث روى عنه البرقي والحميري رحمة الله عليهما.
ودلالة الرواية على عدم جواز التقدم واضحة حيث قال الإمام عليه السلام : (لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ[5] )، غير أنهم أشكلوا على هذه الرواية من ناحية الدلالة، حيث ورد هذا الحديث في أبواب الجنازة، كما في الوسائل، وقرب الإسناد، مع الالتفات أن الإشكال ليس من صاحب الوسائل كما هو الملاحظ من كلامه في المقام. حيث صرح بأن الرواية حكمها لم تكن مخصوصا بصلاة الجنازة. قال صاحب الوسائل بعد أن ذكر الحديث : " أَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْصُوصاً بِهَا وَ الْحِمْيَرِيُّ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَيْنَ أَحَادِيثِهَا.[6] إلا أن البعض أشكل أن الحديث وارد في صلاة الجنازة، وكلامنا في الصلوات اليومية مع الجماعة، فالحديث أجنبي عما نحن بصدده، ومنهم السيد الخوئي رحمه الله تعالى حيث قال: " رواية علي بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد: «عن الرجل يصلّي له أن يكبر قبل الإمام؟ قال: لا يكبّر إلّا مع الإمام، فإن كبّر قبله أعاد التكبير».و قد تقدّمت هذه الرواية سابقاً و قلنا: إن صاحب الوسائل ذكرها في أبواب صلاة الجنازة، و ذكر أنّ الحميري أيضاً أوردها في باب صلاة الجنازة و أنّه يظهر منه أنّه كان كذلك في كتاب علي بن جعفر أيضاً. و عليه فالرواية مربوطة بذاك الباب و أجنبية عن المقام"[7] فنرى أن السيد الخوئي رحمه الله يرى أن هذا الحديث أجنبي عما نحن بصدده حيث ورد في حكم صلاة الجنازة، وكلامنا في الصلوات اليومية مع الجماعة.
ثم قال : " مضافاً إلى قصور دلالتها في نفسها على المقام، إذ لم يصرّح فيها بتكبيرة الإحرام، فمن الجائز إرادة التكبيرات المستحبّة أو التكبيرات الخمس في صلاة الجنازة."[8] يعني أنه حينما نلاحظ الرواية فنرى أنه ورد فيها : (سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي لَهُ‌ أَنْ‌ يُكَبِّرَ قَبْلَ‌ الْإِمَامِ [9]) فهنا الراوي لم يذكر ولم يسأل عن تكبيرة الإحرام، فأجاب الإمام بقوله : (قَالَ لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ [10]) فرأى السيد الخوئي أنه من المحتمل أن يكون المراد منه تكبيرات الصلاة المستحبة كالتكبير قبل الركوع والسجود وغيرهما، أو أن يكون المراد منه تكبيرات صلاة الجنازة. فإذا ثبت أنه ليس المتعين تكبير الإحرام مما ورد في الحديث، فلا يمكن أن يستدل به على عدم جواز تقدم تكبير المأموم على الإمام، لأنه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
ثم قال : " بل لا يمكن تطبيقه على تكبيرة الإحرام[11]، لأنّه لو كبّر قبل الإمام فان لم يعدها وائتم بقاءً مع الإمام بعد ما كبّر كان ذلك من الاقتداء في الأثناء، و هو غير مشروع كما سبق. و إن أعادها بطلت صلاته بذلك كما لا يخفى، فكيف أمر (عليه السلام) بالإعادة بقوله: «فان كبّر قبله أعاد التكبير."[12] يقول سماحته بأن هذه الرواية لا يمكن أن تحمل على تكبيرة الإحرام؛ وذلك أن المأموم لو كبر قبل الإمام، ولم يعدها، فهذا يعتبر من الاقتداء في الأثناء، ومن المعلوم أن الاقتداء في أثناء الصلاة لا يجوز. وإذا أعاد التكبير بعد أن كبر الإمام، فهذا لا يجوز بداهة، وذلك أن إعادة التكبير زيادة لا تجوز في الصلاة، ومن هنا فإذا حملنا الرواية على تكبيرة الإحرام يلزم منه أن الإمام قد أمر بغير مشروع، ولا يخفى أن الإمام لا يأمر بما لا يكون مشروعاً، ولذا لا يمكن أن نحمل هذه الرواية على تكبيرة الأحرام، ومن هنا فإما أن تحمل على تكبيرات صلاة الجنازة أو على تكبيرات الصلاة المستحبة كالتكبير قبل الركوع و السجود وما شاكلهما. فنكشف بدليل " إن "، أي : نكشف العلة من خلال المعلول، وهو أن الإمام لما أمر بإعادة التكبير، نكشف منه أن المراد ليس صلاة الفريضة، بل صلاة الجنازة، او التكبيرات المستحبة في الصلوات اليومية، وعلى كلا التقديرين الحديث خارج عما نحن بصدده، وهو إثبات عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام.
غير أن ما أفاده السيد الخوئي رحمه الله تعالى في المقام ليس في محله؛ وذلك لأمور :
أولاً – إن وجود رواية في باب، لا يجعلها منحصرة في ذلك الباب من حيث الدلالة على الحكم الشرعي، بل إنما يؤخذ بإطلاقها، وذلك ما أشار إليه صاحب الوسائل بعد أن ذكر هذا الحديث حيث قال : أَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْصُوصاً بِهَا وَ الْحِمْيَرِيُّ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَيْنَ أَحَادِيثِهَا.[13]
ثانيا - عند ما نقرأ ترجمة على بن جعفر في كتاب النجاشي نرى أنه يصرح في ترجمته أن كتاب مسائل على بن جعفر روي مبوباً تارة، وغير مبوب أخرى. والظاهر في المقام أن على بن جعفر عليه السلام كان يكتب كل ما يسمع من أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، بدون أن يكتبه مرتبا ومبوبا، بل إنما كتب كل ما سمع منه علیه السلام، والظاهر أن ترتيب الكتاب جاء بعد وفاته. وحسب ما ذكر النجاشي رحمه الله تعالى علیه فی ترجمة علی ابن جعفر، أن ما رواه الحميري عن علي بن جعفر، كان غير مبوب، ثم ما ألف قرب الإسناد ألفه مبوباً ومرتباً، وما رواه الحميري من مسائل على بن جعفر عليهما السلام، جعلها في قرب الإسناد مبوبا ومرتباً حسب العناوين والموضوعات، ومن هنا نفهم أن الترتيب كان من صنعة الحميري رضوان الله تعالى عليه. لأجل ذلك استغربنا أن السيد الخوئي رحمه الله كيف يقول بأن هذه الرواية في باب صلاة الجنازة في مسائل علي بن جعفر مع أنه خبير بعلم الرجال وأنه نفسه ذكر هذا الأمر في كتابه الجليل " معجم رجال الحديث، ولکن ما ذکره في المقام غیر سديد وکانه غفلة منه.
نعم کما قلنا سابقاً أن الكتب المدونة الروائیة، قد یکون من يرويها، یرویها بتمامها کاملة من مؤلفها، ككتاب علي بن جعفر، الذی رواه الحمیری فی قرب الإسناد، ولصاحب الوسائل أیضا سند إلی کتابه والکتاب موجود بعنوان مسائل علی ابن جعفر، ولذلک کثیرا ما تری أنه یقال عند روایة کتاب ما : حدثنى فلان عن فلان.... بجميع کتبه و أحاديثه، وكما تعرفون أن كيفية رواية الكتاب على أقسام، وهي أن المؤلف – تارة - يقرأ كتابه على من يرويه عنه، وتارة يعطي نسخة من كتابه لمن يرويه عنه ویجیزه أن یروی عنه بکل ما فی النسخة، حيث يقول له، يمكن لك أن تروي عني كل ما ورد في هذه النسخة من الكتاب، وأحيانا يصل إلى أصحاب الأحاديث كتاب ما، فلا يروون الکتاب کما هو بكل ما ورد فيه، بل يأخذون بعض الأحاديث، ويجعلونها في باب معين. ویرون عنه علی حسب الحاجة.
ثالثاً – أن ما قاله من أنه " لا يمكن تطبيقه على تكبيرة الإحرام، لأنّه لو كبّر.....الخ." ليس تاماً، وذلك أن ما جاء في الرواية من إعادة التكبير حيث قال الإمام عليه السلام : (قَالَ لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ)، يمكن جداً أن نحمله على تكبيرة الإحرام، و لا يلزم منه أن الإمام أمر بغير مشروع، وذلك أنه عليه السلام حينما قال : (قَالَ لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ) لأن تكيبرة الأحرام الأولى لا اعتداد بها، كأنها لم تكن، بل هي في حكم المعدوم. فإعادة التكبير كإعادة الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة حينما تعاد، إنما كانت الأولى باطلة. وكذلك أمر تكبيرة الإحرام. وسوف نوضحه انشاء الله فی ما یأتی من المسائل.
المتحصل مما سبق، أنه – أولاً - لم يثبت ورود الحديث فی خصوص باب الجنازة، ثانياٌ – أنه لو سلم أنه ورد في باب الجنازة، هذا لا يخصصه به بل يؤخذ بإطلاقها، ثالثا – أن حمل الرواية على تكبيرة الإحرام ممكن جداً بل هو الأظهر في المقام، لأن الرواية مطلقة، وحينما نسمع كلمة الصلاة تتبادر إلى أذهاننا الصلوات اليومية، حملها مع إطلاقها على صلاة الجنازة بعيدا جداً، وذلك أن تسمية الصلاة على صلاة الجنازة من باب العناية والمجاز، لأنها ليست بصلاة، بل دعاء للميت، وذلك بنص الحديث الذي يقول : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولأنه لا يشترط فيه الوضوء، ولا يوجد فيها لا الركوع، ولا السجود، فهي ليست بصلاة بل ألحقت بصلاة، وهذه التسمية نوع من العناية والمجاز.
والحاصل أن قول الإمام عليه السلام : (لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ)، المراد منه إما تكبيرة الإحرام وهو الأظهر عندنا، أو المراد هو الأعم منها ومن غيرها من تكبيرات الصلاة المستحبة. فإن كان المراد منه الأعم فلا يجوز التقدم في كل التكبيرات، ومن هذه التكبيرات تكبيرة الأحرام، فإن وردت فی خصوص التکبیرات المستحبة فبالأولى لا يجوز التقدم في تكبيرة الإحرام، لأنه واجب. ومن هنا فدلالة الرواية على عدم جواز التقدم على الإمام في تكبيرة الإحرام لا غبار عليه، فهي تدل على ما نحن بصدده إما بالنص وهو الأظهر، وإما تدل عليه بالأولوية، فلا يمكن أن ترفع اليد عن هذا الحديث بسبب الدلالة.
إلا أن الكلام كل الكلام في سند الرواية. وذلك أن في سنده عبد الله بن حسن، وهو – كما مر بنا – لم يرد في حقه توثيق من الرجاليين.نعم كثير من الفقهاء يعتمدون على عبد الله ابن الحسن وهو حفيد الإمام الصادق عليه السلام، و ان لم يرد في حقه توثيق من الرجاليين، إلا أنه لم يرد في حقه جرح فيأخذون بروايته ويعتبرونها ويسمى مثلها بالحسنة. وصاحب الجواهر عليه الرحمة حينما يعبر عن هذه الرواية، يقول صحيحة علي بن جعفر.
مع الالتفات أن تقسيم الحديث عندنا قبل العلامة قدس سره الشريف كان إلى قسمين، صحيح وضعيف، وكان المراد من الصحيح عندهم أن يكون كل من ورد في السند من الثقات والعدول، فحسب هذا التقسيم الثنائي تسمى كل رواية ورد في سندها عبد الله بن الحسن ضعيفة، لأنه لم يرد في حقه التوثيق من الرجاليين، غير أن بعد العلامة رحمه الله صار التقسيم رباعيا، وهو صحيح وموثق وحسن وضعيف. فالبعض من الفقهاء الكرام يأخذ بصحيح فقط، غير أن البعض الأخر - وهم الأكثر - يأخذون بالصحيح والموثق، وبعضهم يأخذون بالحسن ايضاً فالرواية المذكورة حجة عندهم.
المهم إن الرواية من حيث الدلالة تامة على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام، فإن أخذنا بسندها، فهو وإلا فهي مؤيدة على ما نحن بصدده على الأقل، وكذلك النبوي المعروف، فدلالته على عدم جواز التقدم تامة، غير أن المشكل فيه من ناحية السند، حيث ذكرنا أن سنده ضعيف.
هناك رواية أخرى ذكرها صاحب الجواهر عليه الرحمة مستدلا بها على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام، مضافا إلى ما رواه الحميري في قرب الإسناد، وإلى النبوي المعروف، و هي رواية أبي سعيد الخدري واليك نصها : " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ .....( فَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ وَ أَقِيمُوهَا وَ سُدُّوا الْفُرَجَ وَ إِذَا قَالَ إِمَامُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا اللَّهُ‌ أَكْبَرُ وَ إِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِنَّ خَيْرَ الصُّفُوفِ صَفُّ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ وَ شَرَّهَا الْمُؤَخَّر).[14]
صاحب الوسائل حينما يروي هذه الرواية عن الشيخ الصدوق لم يرويها بسند الشيخ إلى أبي سعيد الخدري وإنما يرويها عمن رواها بنفس السند في إسباغ الوضوء في المجلد الأول من الوسائل، باب54، ح3، وسندها هناك كما ورد فوق. غير أن سند هذه الرواية فيه إشكال؛ وذلك أن سند الشيخ الصدوق رحمه الله إلى أبي سعيد الخدري فيه مجاهيل، وفيه من ليس بثقة، فمحمد بن علي ماجيلويه، ومحمد بن قاسم، وعبد الله بن إبراهيم لم يرد في حقهم التوثيق، ولعل عبد الرحمن وعمه كذلك لم يرد في حقهما التوثيق.
أما من ناحية الدلالة، فيدل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (وَ إِذَا قَالَ إِمَامُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَر) على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في التكبير.
إن قلت : إن التأمل في الرواية يؤكد على أنها واردة في آداب الجماعة، ومن المعلوم أن آداب الجماعة مستحبة، ومن هنا فعدم تقدم المأموم على الإمام في التكبير مستحب لأنه من آداب الجماعة.
قلت : مر بنا سابقا أن جعل الأمر في سياق المستحبات لا يخرج عن كونه ظاهراً في الوجوب.
وهنا أستغل الفرصة لأؤكد على أن الاهتمام بآداب الجماعة شيء مستحب ومستحسن، وينبغي أن نراعيها، وذلك أن بعض مشايخنا الكرام لا يراعون آداب الجماعة أحياناً، فنراهم يقفون في الصف الأول أو الثاني مع أن الصف الأول لم يكتمل بعد، ومن آداب الجماعة أن يكتمل الصف الأول ثم يقف المصلي في الصف الثاني. ومن الآداب أن مناكب المصلين ينبغي أن تكون متصلة بعضها ببعض، ونجد أن كثيرا ما يقف المصلون والفاصل بين كل واحد منهم يكون مقدار شبر على الأقل.
فاتضح لنا من كل ما سبق أنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام،
قال الماتن رحمه الله في نهاية المسألة : و أمّا فيها فلا يجوز التقدّم على الإمام، بل الأحوط تأخّره عنه بمعنى أن لا يشرع فيها إلا بعد فراغ الإمام منها وإن كان في وجوبه تأمّل.
لضمير في قوله : ( أما فيها ) يرجع إلى تكبيرة الإحرام، يعني أنه لا يجوز التقدم فيها، نعم، مقتضى الاحتياط أن يتأخر المأموم عن الإمام في تكبيرة الأحرام، أي : لا يكبر المأموم قبل أن ينتهي الإمام من التكبير، ومن هنا فينبغي بمقتضى الاحتياط أن لا يبدأ المأموم بتكبيره بمجرد أن قال الإمام " الله " مثلاً أو " أل".
والدليل على ذلك أمور، منها – أولاً – أنه لا ينطبق عنوان الاقتداء بالمصلي إلا أذا أکمل تکبیرة الاحرام، و لو أن دخوله في الصلاة لیس متوقفا على انتهاءه من التكبير، وهذا مما أشار إليه صاحب الجواهر، حيث رأى أن تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة، وكلمة " الله " أو " ال " جزء من تكبيرة الإحرام، ومن المعلوم أن جزء الجزء جزء، فكما يدخل الإمام في الصلاة بتكبيرة الإحرام كذلك يدخل فيها بمجرد قوله " الله " أو " ال " لأنه جزء التكبير، غير أن العرف لا يرى صدق عنوان المصلي على من قال " الله " أو " ال فقط، بعبارة أخرى، أن المصلي يدخل في الصلاة بمجرد أن قال " الله " أو " ال" غير أنه لا يصدق عليه عنوان المصلي.
ثانياً – أشار البعض إلى أن ما ورد في أن تحريم الصلاة تكبيرة الإحرام، وتحليلها التسليم، ظاهر في تكبيرة الإحرام كاملة.
ثالثاً – يدل عليه النبوي المعروف حيث ورد فيه : " ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر الامام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين.)[15] فالظاهر أنه يدل على أن يكبر المأموم بعد أن ينتهي الإمام من تكبيره.
رابعاً – يدل عليه رواية أبي سعيد الخدري حيث جاء فيه : .....( فَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ وَ أَقِيمُوهَا وَ سُدُّوا الْفُرَجَ وَ إِذَا قَالَ إِمَامُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا اللَّهُ‌ أَكْبَرُ....)[16]
فتدل هاتان الروايتان على أن يكبر المأموم بعد أن يكبر الإمام بتمامه وكماله، وهذا هو الأصح والأظهر عندنا، غير أنه – كما مر – أن هاتين الروايتين كلاهما ضعيف السند.
خامساً – يدل عليه رواية علي بن جعفر حيث جاء فيها : " ومنها رواية علي بن جعفر حيث جاء فيها : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ‌ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: ( سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي لَهُ‌ أَنْ‌ يُكَبِّرَ قَبْلَ‌ الْإِمَامِ‌ قَالَ لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ ).[17] فقول الإمام ( فإن كبر قبله أعاد التكبير) ظاهر في أن المأموم لا يكبر قبل أن ينتهي الإمام عن تكبيرة الإحرام، وقال عليه السلام قبله : (لا يكبر إلا مع الإمام) وهذا الجزء من كلامه عليه السلام يدل على جواز تكبيرة إحرام المأموم مع تكبير الإمام، ومن هنا قال صاحب الجواهر، أن المراد من صحيح علی ابن جعفر، إما أن يكبر المأموم بعد إكمال تكبير الإمام، أو نحملها على التقية؛ لأن أبا حنيفة أفتى بجواز تكبير المأموم مقارنا مع تكبير الإمام. وكانت آراء أبي حنيفة الفقهية منتشرة في المجتمع الإسلامي في زمان موسى بن جعفر عليهما السلام.
الحاصل أن وجه الاحتياط الذي ذكره الماتن في المقام هو هذه الأمور التي ذكرناها آنفا، لکن یمکن المناقشة فی هذه الوجوه کلها حیث استندوا في عدم جواز بدء المأموم بتكبيرة الإحرام قبل أن ينتهي الإمام منها إلى عدم صدق عنوان المصلي على من قال مجرد " الله " أو " ال"؛ ونحن لانحتاج الی عنوان المصلی، بل إنما ورد عنوان الإمام في الروايات المباركة، ويصدق عنوان الإمامة على من دخل في الصلاة، ويصدق الدخول فيها بمجرد قوله " الله" أو " ال" وذلك – كما أكدل عليه صاحب الجواهر – أن جزء الجزء جزء.
و لذالک قال السيد اليزدي عليه الرحمة " لا يشرع فيها إلا بعد فراغ الإمام منها[18]." لا دليل عليه. ومن هنا قال : " وإن كان في وجوبه تأمّل[19].
وهناك فرع آخر في المقام، هو أنه كما لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام في تكبيرة الإحرام، فهل لا يجوز أن يتقدم عليه في ختم تكبيرة الإحرام؟ فقد التزم البعض بذلک مستدلا على صدق التقدم على الامام فی تکبیرة الإحرام، إلا أنه لیس بصحیح، لأن مجرد تأخره فی الشروع یکفي فی صدق تأخره عن الامام . لكن مع ذلك الاحتياط أمر حسن في كل حال، فينبغي على المأموم بمقتضى الاحتياط أن يؤخر تكبيرة الإحرام إلى انتهاء الإمام منها، مضافاً إلى أنه إن وصل الأمر إلی الشک فالاستصحاب عدم تحقق عنوان الإمامة لمن قال " الله " أو " ال". یفید العدم لأنه قبل أن يقول ذلك لم يكن إماماً فبعد أن قاله هل يصدق عليه عنوان الإمام أو لا؟ فالأصل أنه لا يصدق عليه، ومن هنا مقتضى الاحتياط أن لا يكبر المأموم قبل أن ينتهي الإمام عنه.


[3] كنز العمال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، ج7، ص602، وكذلك انظر : مسند أحمد، أحمد بن حنبل ج2، ص314، مع اختلاف يسير.
[15] كنز العمال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، ج7، ص602، مسند أحمد، أحمد بن حنبل ج2، ص314، باختلاف يسير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo