< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
تتمة مسألة الحادية عشرة.
مناقشة رأي السيد الخوئي. ذكرنا الخلاف في الدرس الماضي بين السيد الطباطبائي، والسيد الخوئي رحمهما الله تعالى، فيما إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، ثم عاد إليهما، فيرى السيد الطباطبائي أن ماهية سجدة الصلاة تغاير ماهية سجدة المتابعة، وذلك أن سجدة الصلاة شرعت كجزء من أجزاء الصلاة، وسجدة المتابعة شرعت لأجل متابعة المأموم للإمام. فما قصده المأموم في الفرض المذكور لم يقع، ومن وقع لم يقصده، ومن هنا فهذا ليس من باب الاشتباه في التطبيق، ولذا يشكل الحكم بصحة الصلاة. ويرى السيد الخوئي أن لصلاة الجماعة أحكاما تختص به، كما أن للصلاة الفرادى أحكاما مختصة، ومن الأحكام التي تختص بصلاة الجماعة اشتمال الركعة على الركوعين أو ثلاث سجدات للمأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام. والرکوع الثانی رکوع الصلاة ایضا ومن هنا فالمورد يكون من قبيل الاشتباه في التطبيق، فلا يضر بصحة الصلاة.
إلا أن لنا فيما أفاده السيد الخوئي مناقشة من حيث العنوان، وهو أن المأموم إذا رفع رأسه من الركوع قبل الإمام ثم عاد إليه لأجل المتابعة، فهنا لا يصح أن نقول أن المأموم ركع ركوعين، وذلك أنه أعاد ركوعه، وإعادة المعدوم – حسب ما ذكر في علم الفلسفة، محال في عالم الواقع، غير أن إعادة المعدوم في عالم الاعتبار ليس بمحال، وذلك أن عالم الاعتبار سهل المعونة ویکون کعالم الفرض ففرض المحال لیس بمحال، و الاعتبار بيد المعتبر، نعم، في عالم الواقع لا يمكن إعادة المعدوم، ومن هنا ذكر العلماء في أن الإنسان لا ينعدم جسمه بموته، بل تنفصل أجزاءه، وتتفلت، فيجمع الله تعالى تلك الأجزاء المنفصلة يوم القيامة، ويرجع كل إنسان إلى صورته. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : : ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[1]، ففي هذه الآية المباركة إشارة إلى أن الإحياء والبعث والنشور يوم القيامة هو جمع الأجزاء المنفصلة المتفلة وإحياءها مرة أخرى.
المحصل أن الصلاة مركب اعتباري، ولا حظ لعالم الواقع فيها، ولذا يمكن أن نعتبر الركوع الثاني الذي يأتي به المأموم لأجل المتابعة نفس الركوع الأول، وإعادته، وهذا ما أيدت الروايات المباركة، حيث ورد فيها " يعيدها" و " أو يعيده " وإلى غير ما هنالك، فهذه التعبيرات مشعرة بأن الإتيان بالركوع أو السجود، أو الأجزاء الأخرى في الصلاة بمثابة إعادتها. ومن هنا فلا يصح أن يتصف الركوع أو السجود الذي أعاده المأموم لأجل المتابعة ركوعا ثانيا. فمن حيث الفتوى نوافق ما قاله السيد الخوئي رحمه الله، والذي هو مختار السيد اليزدي رحمه الله في المقام، إلا أننا لا نوافق تسمية الركوع المعاد بالركوع الثاني حتى نقول ان صلاة الجماعة تكون ذا ركوعين او ثلاث سجدات.
المسألة الثانية عشرة.
إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً، لا يجوز له المتابعة؛ لاستلزامه الزيادة العمديّة، وأمّا إذا كانت سهواً، وجبت المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمَّ الركوع أو السجود معه، والأحوط الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين، بأن يأتي بالذكر ثمّ يتابع، وبعد المتابعة أيضاً يأتي به، و لو ترك المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته، وإن أثم في صورة العمد، نعم لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته، فالأحوط البطلان مع ترك المتابعة، كما أنّه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الإمام عمداً في حال قراءته، لكن البطلان حينئذٍ إنّما هو من جهة ترك القراءة وترك بدلها وهو قراءة الإمام، كما أنّه لو رفع رأسه عامداً قبل الإمام وقبل الذكر الواجب بطلت صلاته من جهة ترك الذكر.[2]
وقف المصنف رحمه الله تعالى في هذه المسألة عند فروع متعددة، نسلط الضوء عليها بالاختصار بإذن الله تعالى.
أولاً - إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً، لا يجوز له المتابعة؛ لاستلزامه الزيادة العمديّة، وأمّا إذا كانت سهواً، وجبت المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمَّ الركوع أو السجود معه،
أشرنا في المسألة الحادية عشرة إلى وظيفة المأموم إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، أما في هذه المسألة فتعرض الماتن إلى عكس المسألة السابقة، وهو أن المأموم إذا ركع أو سجد قبل الإمام، فله صورتان : أن يركع أو يسجد قبل الإمام عمدأ، أو سهواً.
فإذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً، فلا يجوز له المتابعة، أي : لا يجوز له أن يعود إلى القيام مرة أخرى، لأنه إذا عاد إلى القيام، وركع مرة ثانية مع الإمام تبطل صلاته، لأنه زاد ركنا، وزيادة الركن مبطلة للصلاة. ومن هنا فلا يجوز له العود إلى القيام مرة أخرى. لما ركع قبل الإمام عمداً، فأخل بالمتابعة، وهنا تختلف آراء الفقهاء في حكم صلاته، فمن يرى أن وجوب المتابعة وجوب تعبدي تكليفي - كما ذهب إليه المشهور واختاره السيد اليزدي، وكما هو مختارنا في المقام -، تصح عنده صلاته مع الجماعة، نعم أثم للإخلال بالمتابعة عمداً، ومن يرى أنه شرط في صحة الصلاة كما نسب إلى العلامة الحلي رحمه الله، فتبطل صلاته وجماعته. ومن يرى أنه شرط في صحة الجماعة، كما اختاره السيد الخوئي رحمه الله، فيبطل جماعته، وإذا أتى بوظيفة المنفرد، فتصح صلاته الفرادى، أما إذا لم يأت بوظيفة المنفرد، فتبطل صلاته أيضاً، مع الانتباه أن بطلان أصل الصلاة ليس راجع إلى الإخلال بالمتابعة، بل راجع إلى الإخلال بوظيفة المنفرد.
أما إذا ركع قبل الإمام سهواً، فيجوز له المتابعة، فعليه أن يعود إلى ما عليه الإمام ثم يعيد ركوعه معه، وهذا ما ورد في موثقة الفضال التي مرت بنا في الأبحاث الماضية، حيث جاء فيها عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع- ( فِي الرَّجُلِ كَانَ خَلْفَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَ هُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ رَكَعَ فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يَرْكَعْ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَعَادَ رُكُوعَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَ يُفْسِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ أَمْ تَجُوزُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَكَتَبَ ع تَتِمُّ صَلَاتُهُ وَ لَا تَفْسُدُ بِمَا صَنَعَ صَلَاتُهُ ).[3]
فدلالة هذه الرواية واضحة على جواز المتابعة لمن ركع قبل الإمام وهو كان يظن أن الإمام قد ركع، ثم عاد إلى القيام، وأعاد ركوعه مع الإمام، فسأل الراوي الإمام عن صحة هذه الصلاة، فكتب له الإمام بقوله، تتم صلاته، ولا تفسد بما صنع صلاته. مع الانتباه أن هذه الرواية وإن وردت في مورد الركوع، لكنها تشمل حكم السجدة بالأولى، وذلك أن الركوع ركن، والسجدة ليست ركناً، فإذا جاز لمن ركع قبل الإمام، فعاد إلى القيام ثم أن یعود إلی ركوعه رعایة للمتابعة، يجوز له بالأولى أن يتابع الإمام فيما إذا سجد قبل سجود الإمام زاعما أن الإمام قد سجد، لأن السجدة الواحدة ليست ركنا.
فان قلت: أن الرواية لا تشمل ما إذا ركع المأموم أو سجد سهواً، لأنها تبين حكم الإعادة في صورة الظن. قلنا: إن الرواية لم تختص بمورد الظن، وإنما ورد عنوان الظن فی کلام السائل والظن مصداق للعذر فالحکم للمعذور فی تقدیم رکوعه علی الإمام فیفید جواز إعادة الركوع لمطلق العذر، سواء قدم الرکوع علی الإمام سهواً أو لظنه أن الإمام رکع.
ثانياً - والأحوط الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين، بأن يأتي بالذكر ثمّ يتابع، وبعد المتابعة أيضاً يأتي به،
أشار الماتن في هذا الفرع إلى أن المأموم إذا ركع أو سجد قبل الإمام سهواً، أو زاعما أن الإمام في الركوع أو السجدة، فعاد إلى القيام أو الجلوس، ثم أعاد ركوعه أو سجدته مع الإمام فمقتضى الاحتياط أن يأتي بالذكر الواجب ضمن الركوع أو السجود في كل من الركوعين أو السجدتين، قبل المتابعة وبعدها. و وجه الاحتياط أن الذكر واجب في الركوع او السجدة، سواء كان الأولى أو المعادة. و لكن بما أن هذا الاحتمال لا دليل عليه وإذا شككنا في وجوبه فأصالة البراءة تفيدنا عدم الوجوب فما أفتى بوجوب الذكر في الركوعين أو السجدتين وإنما أمر بالاحتياط.
ثالثاً - و لو ترك المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته، وإن أثم في صورة العمد،
إذا ركع المأموم أو سجد قبل الإمام سهواً أو زاعماً أن الإمام في الركوع أو السجدة، فهنا يجب عليه المتابعة، أي : يعود إلى القيام، أو إلى الجلوس، ثم يعيد ركوعه أو سجوده مع الإمام، إلا إذا ترك المتابعة عمداً أو سهواً، فلا يترتب عليه شيء إلا الإثم في صورة العمد عند من يرى أن وجوب المتابعة وجوب تعبدي تكليفي، وتبطل جماعته، أو صلاته عند من رأى أن وجوب المتابعة شرط في صحة الجماعة، في صحة أصل الصلاة.
رابعاً - نعم لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته، فالأحوط البطلان مع ترك المتابعة، كما أنّه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الإمام عمداً في حال قراءته، لكن البطلان حينئذٍ إنّما هو من جهة ترك القراءة وترك بدلها وهو قراءة الإمام.
هذا فرع آخر من المسألة الثانية عشرة، وهو أن المأموم إذا ركع قبل الإمام في حال قراءته، يعني أن الإمام لم يكمل قراءته وهو ركع، و لم يعد إلى القيام، فمقتضى الاحتياط بطلان صلاته، غير أن وجه البطلان ليس راجعاً إلى الإخلال بالمتابعة، لأنه شرط تعبدي تكليفي عند الماتن كما اتضح لنا، بل إنما يرجع إلى الإخلال بالقراءة، وذلك أن القراءة واجبة على المصلي، إما واجبة عليه، كما في الصلاة الفرادى، أو واجبة على الإمام بدلا عنه، كما في صلاة الجماعة. هذا ما ذكره الماتن رحمه الله تعالى.
إلا أنه ثمة خلاف بين الفقهاء، حيث يرى البعض أنه إذا ركع قبل إتمام القراءة، لایفیده العود الی القیام فی تدارک القراءة الفائتة، لأن القراءة تجب قبل الركوع، وعنوان قبل الركوع ينعدم بصرف الركوع، وهو يتحقق بالركوع الأول، فمن هنا لا تبطل صلاته، لأنه لا يمكن له أن يدرك القراءة بعد أن ركع، لأن وجوب القراءة يكون قبل الركوع، ولعل الماتن احتاط في بطلان الصلاة لوجود هذه الشبهة.
مع الالتفات أنه ثمة خلاف بين الفقهاء في أن القراءة هل يسقط وجوبه عن المأموم في صلاة الجماعة، أو يتحملها الإمام عنه، فمن رأى سقوط الوجوب لا تبطل صلاته ولو ركع قبل إتمام القراءة، لكن من يرى أن الإمام يتحملها عنه، فتبطل صلاته على الأحوط كما ذكره المؤلف هنا. ثم ان السید افتی ببطلان الصلاة لمن تعمد فی تقدیم الرکوع علد الامام فی اثناء القراءة لانه اخل بالقراءة عمداٌ.
خامساً : كما أنّه لو رفع رأسه عامداً قبل الإمام وقبل الذكر الواجب بطلت صلاته من جهة ترك الذكر.
يجري الحكم نفسه، أي : بطلان الصلاة، فيما إذا رفع المأموم رأسه متعمداً من الركوع أو السجود قبل الإمام، وقبل الذكر الواجب، إلا أن وجه البطلان ليس الإخلال بالمتابعة، بل ترك الذكر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo