< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فصل في أحكام الجماعة
المسألة الأولى
قال السيد اليزدي رحمه الله تعالى : الأحوط ترك المأموم القراءة في الركعتين الأُوليين من الإخفاتيّة، إذا كان فيهما مع الإمام، وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة، ويستحبّ مع الترك أن يشتغل بالتسبيح والتحميد والصلاة على محمّد وآله، و أمّا في الأولتين من الجهريّة، فإن سمع صوت الإمام، ولو همهمته، وجب عليه ترك القراءة، بل الأحوط والأولى الإنصات، وإن كان الأقوى جواز الاشتغال بالذكر ونحوه، و أمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة، جاز له القراءة، بل الاستحباب قويّ، لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنيّة الجزئيّة، وإن كان الأقوى الجواز بقصد الجزئيّة أيضاً، وأمّا في الأخيرتين من الإخفاتيّة أو الجهريّة فهو كالمنفرد في وجوب القراءة أو التسبيحات مخيّراً بينهما، سواء قرأ الإمام فيهما، أو أتى بالتسبيحات، سمع قراءته أو لم يسمع.[1]
بعد أن ذكر السيد اليزدي شروط صحة الجماعة في الفصل السابع، ووقفنا مفصلا بعون الله تعالى عندها، تعرض هنا في الفصل الثامن لبعض أحكام صلاة الجماعة، ونحاول أن نتوقف عند هذه الأحكام مفصلا بعون الله تعالى ومنّه، أما المسألة الأولى من هذه الأحكام فتطرق السيد اليزدي فيها لأمور، وهي :
أولاً : الأحوط ترك المأموم القراءة في الركعتين الأُوليين من الإخفاتيّة إذا كان فيهما مع الإمام،
ظاهر كلام السيد في هذا المقام أن ترك المأموم القراءة في الركعتين الأوليين من الإخفاتية (المراد بالإخفاتية هو صلاتي الظهر والعصر؛ لأنه يجب على المصلي فيهما أن يقرأ الفاتحة والسورة الثانية في الركعتين بالإخفات. ) غير واجب، بل يجوز له أن يترك القراءة، كما يجوز له عدم الترك، خلاف لبعض الفقهاء الذي اختاروا أن ترك القراءة واجب.
ثانياً : و إن كان الأقوى الجواز مع الكراهة.
ترك القراءة من المأموم في الركعتين الأوليين من الإخفاتية جائز عند السيد اليزدي – كما لاحظنا – غير أن جوازه مقترن بالكراهة على الأقوى عند السيد اليزدي، بعبارة أخرى أنه يجوز للمأموم أن يترك القراءة، غير أن هذا مكروه عنده على الأقوى، خلافا لبعض الفقهاء الذين أفتوا بحرمة القراءة.

ثالثا : ويستحبّ مع الترك أن يشتغل بالتسبيح والتحميد والصلاة على محمّد وآله.
حينما لا يقرأ المأموم الفاتحة والسورة، في الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتية في صلاة الجماعة، يستحب له أن يسبح ويحمد ويصلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين، يعني أنه ينبغي عليه أن لا يقف صامتا، بل إنما يستحب له أن يشتغل بالتسبيح والتحميد والصلاة على محمد وآله الأطهار.
رابعاً : و أمّا في الأولتين من الجهريّة، فإن سمع صوت الإمام ولو همهمته وجب عليه ترك القراءة.
بعد أن ذكر حكم الصلاة الإخفاتية بالنسبة إلى وجوب القراءة وعدمها في الركعتين الأوليين من المأموم، تعرض هنا لحكم الصلاة الجهرية ( وهي صلاتي المغرب والعشاء، وصلاة الصبح، حيث يجب على الرجل فيها أن يقرأ الفاتحة والسورة الثانية بالجهر في الركعتين الأوليين.) فقال إن المأموم في الصلاة الجهرية إذا يسمع صوت الإمام ولو كان الهمهمة، لا يجوز له القراءة، بل يجب عليه تركها.
خامساً : بل الأحوط والأولى الإنصات وإن كان الأقوى جواز الاشتغال بالذكر ونحوه.
في الصلاة الجهرية – كما ذكر السيد – يجب علىه ترك القراءة، هنا يؤكد على أن الأحوط والأولى أن ينصت المأموم إلى قراءة الإمام، وإن كان يجوز له أن يتشغل بالذكر، والمراد من قوله : ( نحوه ) تلاوة القرآن الكريم أو طلب الدعاء.
سادساً : وأمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة جاز له القراءة، بل الاستحباب قويّ.
نفترض أن المأموم يقتدي الإمام في الصلوات الجهرية، ولا يصل إليه صوت الإمام للبعد ونحوه، فهنا يجوز له القراءة؛ وذلك أن وجوب ترك القراءة يتحقق بشرطين، وهما أن تكون الصلاة جهرية، وأن يصل صوت الإمام إليه، فإذا فقد الشرط منهما، جاز له القراءة. بل يستحب له القراءة، كما ذهب إليه السيد اليزدي رحمه الله تعالى.
سابعاً : لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنيّة الجزئيّة.
ذكرنا أن السيد اليزدي يرى أن القراءة مستحبة في صورة عدم سماع المأموم صوت الإمام، غير أن المأموم هل يقرأ الفاتحة والسورة بقصد القربة المطلقة، أو يقرأهما بقصد الجزئية؟ ذهب السيد إلى أنه لا ينبغي أن يقرأ بنية الجزئية، بل الاحتياط يقتضي أن تكون القراءة بقصد القربة المطلقة.
ثامناً : و إن كان الأقوى الجواز بقصد الجزئيّة أيضاً.
لاحظنا في النص السابق أن مقتضى الاحتياط عند المؤلف رحمه الله عدم جواز القراءة بنية الجزئية، غير أنه قال هنا إن الأقوى أن يقرأ بقصد الجزئية، كما يقرأ بقصد القربة المطلقة.
تاسعا : و أمّا في الأخيرتين من الإخفاتيّة أو الجهريّة فهو كالمنفرد في وجوب القراءة أو التسبيحات مخيّراً بينهما.
تبين لنا مما سبق أنه يجوز القراءة وتركها في الركعتين الأوليين من الصلاة، أما الركعتين الآخيرتين، فلا يجوز للمأموم أن يترك الإيتان بالتسبيحات الأربعة، لأن حكمها في حال صلاة الجماعة مثل حكمها في صلاة الانفراد، فكما يجب على المصلي الذي يصلي منفردا أن يأتي بالتسبيحات الأربعة، كذلك يجب عليه أن يأتي بها وهو يصلي مع الجماعة، فلا فرق في وجوب الإيتان بالتسبيحات الأربعة بين صلاة الانفراد وصلاة الجماعة، وثانياُ أنه مخير بين أن يقرأ سورة الفاتحة أو يأتي بالتسبيحات الأربعة.
عاشراً : سواء قرأ الإمام فيهما أو أتى بالتسبيحات سمع قراءته أو لم يسمع.
هذا إشارة إلى الخلاف بين الفقهاء، وهو أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن المأموم إذا تمكن من الاستماع إلى الإمام في الركعة الثالثة والرابعة، فيجب عليه أن يتبع الإمام فيما يقرأه، فإذا جاء بالتسبيحات مثلا، فعليه أن يأتي بالتسبيحات، وإذا أتى الإمام بالقراءة، فعلى المأموم أن يقتديه في القراءة، بينما إذا لم يتمكن من سماع صوت الإمام في الركعة الثالثة والرابعة، فهو مخير بين الإتيان بالتسبيحات والقراءة.
غير أن البعض الآخر من الفقهاء، ومنهم السيد اليزدي ذهبوا إلى أن المأموم مخير بين التسبيحات والقراءة، في الركعة الثالثة والرابعة، سواء سمع صوت الإمام أو لم يسمع. هذا مجمل ما ذكره السيد اليزدي في المسألة الأولى.
الخلاف في ترك القراءة من حيث الجواز والوجوب
اتفق الفقهاء على أصل ترك القراءة في الركعتين الأوليين إذا كان الشخص يصلي مع الجماعة، غير أنهم اختلفوا في أن ترك القراءة من حيث الجواز والوجوب، فمنهم من اختار أن ترك القراءة واجب، ومنهم من يرى أن ترك القراءة جائز، وهذا ما ذهب إليه السيد اليزدي حيث اختار أن ترك القراءة جائز.
السر في هذا الاختلاف بين الفقهاء على هذه المسألة هو وجود الروايات المتعارضة في المقام، فمنها ما يدل على جواز ترك القراءة، ومنها ما تدل على وجوب الترك، وسوف نبحث عن كل هذه الروايات، ونحاول أن نجمع بينها إذا أمكن الجمع، وطريقة الجمع بين هذه الروايات المتعارضة في المقام أن نحمل المنع على المنع التنزيهي، بعبارة أخرى أن الروايات التي ظاهرها منع القراءة نحمل على الكراهة.
الأمر الثاني الذي نتوقف عنده في هو أنه هل وجوب ترك القراءة بنية الجزئية أو بقصد القربة المطلقة؟ ونبحث عن الأمرين إن شاء الله في الدروس القادمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo